
فى حيز المبتدأ اى ما كل واحد منهم محكوما عليه بحكم الا محكوم عليه بانه كذب الرسل ويجوز ان يكون قوله (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) مبتدأ وقوله (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) خبره محذوف العائد اى ان كل منهم فَحَقَّ عِقابِ اى ثبت ووقع على كل منهم عقابى الذي كانت توجبه جناياتهم من اصناف العقوبات المفصلة فى مواقعها وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ الاشارة الى كفار مكة بهؤلاء تحقير لشأنهم وتهوين لامرهم وما ينتظر هؤلاء الكفرة الذين هم أمثال أولئك الطوائف المذكورة المهلكة فى الكفر والتكذيب إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هى النفخة الثانية اى ليس بينهم وبين حلول ما أعد لهم من العقاب الفظيع الاهى حيث أخرت عقوبتهم الى الآخرة لما ان تعذيبهم بالاستئصال حسبما يستحقونه والنبي عليه السلام بين أظهرهم خارج عن السنة الالهية المبنية على الحكم الباهرة كما نطق به قوله تعالى (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ثم ان الانتظار يحتمل ان يكون حقيقة او استهزاء فهم وان كانوا ليسوا بمنتظرين لان تأتيهم الصيحة الا انهم جعلوا منتظرين لها تنبيها على قربها منهم فان الرجل انما ينتظر الشيء ويمد طرفه اليه مترقبا فى كل آن حضوره إذا كان الشيء فى غاية القرب منه ما لَها مِنْ فَواقٍ اى ما للصيحة من توقف مقدار فواق ففيه تقدير مضاف هو صفة لموصوف مقدر. والفواق بالضم كغراب ويفتح كما فى القاموس ما بين حلبتى الحالب من الوقت لان الناقة تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لا درار اللبن ثم تحلب ثانية يعنى إذا جاء وقت الصيحة لم تستأخر هذا القدر من الزمان كقوله تعالى (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً) وهو عبارة عن الزمان اليسير وفى الحديث (من اعتكف قدر فواق فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل) وفى الحديث (من قاتل فى سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة) وفى الآيتين اشارة الى تسلية قلب النبي عليه السلام وتصفيته عن الاهتمام بكفار مكة لئلا يضيق قلبه من تكذيبهم ولا يحزن عليهم لكفرهم فان هؤلاء الأحزاب كذبوا الرسل كما كذبه قومه وكانوا أقوياء متكثرين عددا وقومه جندا قليلا من تلك المتحزبين ثم انهم كانوا مظهر القهر وحطب نار الغضب ما اغنى عنهم جمعهم وقوتهم أبدانا وكثرتهم أسبابا فكذا حال قريش فانتظارهم ايضا اثر من آثار القهر الإلهي ونار من نيران الغضب القهارى وَقالُوا بطريق الاستهزاء والسخرية عند سماعهم بتأخير عقابهم الى الآخرة والقائل النضر بن الحرث بن علقمة بن كندة الخزاعي واضرابه وكان النضر من شياطينهم ونزل فى شأنه فى القرآن بضع عشرة آية وهو الذي قال (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) رَبَّنا وتصدير دعائهم بالنداء للامعان فى الاستهزاء كأنهم يدعون ذلك بكمال الرغبة والابتهال عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ القط القطعة من الشيء من قطه إذا قطعه والمراد هنا القسط والنصيب لانه قطعه من الشيء مفرزة قال الراغب اصل القط الشيء المقطوع عرضا كما ان القدّ هو المقطوع طولا والقط النصيب المفروض كأنه قط وافرز وقد فسر ابن عباس رضى الله عنهما الآية به انتهى. فالمعنى عجل لنا قسطنا وحظنا من العذاب الذي توعدنا به محمد ولا تؤخره الى يوم الحساب الذي مبدأه الصيحة المذكورة ويقال لصحيفة
صفحة رقم 10
لان الحر إذا اشتد عند ارتفاع الشمس تميل النفوس الى الاستراحة فيرد على قلوب الأوابين المستأنسين بذكر الله تعالى ان ينقطعوا عن كل مطلوب سواه يقول الفقير يمكن التوفيق بين الروايتين بوجهين. الاول يحتمل ان يكون الاشراق من أشرق القول إذا دخلوا فى الشروق اى الطلوع فلا يدل على الضحى الذي هو الوقت المتوسط بين طلوع الشمس وزوالها. والثاني ان أول وقت صلاة الاشراق هو ان ترتفع الشمس قدر رمح وآخر وقتها هو أول وقت صلاة الضحى فصلاة الضحى فى الغداة بإزاء صلاة العصر فى العشى فلا ينبغى ان تصلى حتى تبيض الشمس طالعة ويرتفع كدرها بالكلية وتشرق بنورها كما يصلى العصر إذا اصفرت الشمس فقوله عليه السلام (هذه صلاة الاشراق) اما بمعنى انها اشراق بالنسبة الى آخر وقتها واما بمعنى انها ضحى باعتبار أول وقتها قال الشيخ عبد الرحمن البسطامي قدس سره فى ترويح القلوب يصلى اربع ركعات بنية صلاة الاشراق فقد وردت السنة يقرأ فى الركعة الاولى بعد الفاتحة سورة والشمس وضحاها وفى الثانية والليل إذا يغشى وفى الثالثة والضحى وفى الرابعة ألم نشرح لك ثم إذا حان وقت صلاة الضحى وهو إذا انتصف الوقت من صلاة الصبح الى الظهر يصلى صلاة الضحى. واقل صلاة الضحى ركعتان او اربع ركعات او اكثر الى ثنتى عشرة ركعة ولم ينقل أزيد منها بثلاث تسليمات وان شئت بست تسليمات ورد فى فضلها اخبار كثيرة من صلاها ركعتين فقد ادى ما عليه من شكر الأعضاء لان الصلاة عمل بجميع الأعضاء التي فى البدن ومن صلاها ثنتى عشرة ركعة بنى له قصر من ذهب فى الجنة وللجنة باب يقال له الضحى فاذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين كانوا يدومون على صلاة الضحى هذا بابكم فادخلوه برحمة الله عز وجل وَالطَّيْرَ عطف على الجبال جمع طائر كركب وراكب وهو كل ذى جناح يسبح فى الهواء مَحْشُورَةً حال من الطير والعامل سخرنا اى وسخرنا الطير حال كونها محشورة مجموعة اليه من كل جانب وناحية: وبالفارسية [جمع كرده شد نزد وى وصف زده بالاى سروى] وكانت الملائكة تحشر اليه ما امتنع عليه منها كما فى كشف الاسرار عن ابن عباس رضى الله عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت اليه الطير فسبحت وذلك حشرها وانما لم يراع المطابقة بين الحالين بان يقال يحشرن لان الحشر جملة ادل على القدرة منه متدرجا كما يفهم من لفظ المضارع كُلٌّ اى كل واحد من الجبال والطير لَهُ اى لاجل داود اى لاجل تسبيحه فهو على حذف المضاف أَوَّابٌ رجاع الى التسبيح إذا سبح سبحت الجبال والطير معه: وبالفارسية [باز كرداننده آواز خود با وى بتسبيح] ووضع الأواب موضع المسبح لانها كانت ترجع التسبيح والمرجع رجاع لانه يرجع الى فعله رجوعا بعد رجوع. والفرق بينه وبين ما قبله وهو يسبحن. ان يسبحن يدل على الموافقة فى التسبيح وهذا يدل على المداومة عليها وقيل الضمير لله اى كل من داود والجبال والطير لله أواب اى مسبح مرجع لله. التسبيح والترجيع بالفارسية [نغمت كردانيدن]- روى- ان الله تعالى لم يعط أحدا من خلقه ما اعطى داود من حسن الصوت فلما وصل الى الجبال الحان داود تحركت من لذة السماع فوافقته فى الذكر والتسبيح ولما سمعت الطيور نغماته صفرت بصفير التنزيه والتقديس ولما
صفحة رقم 13