آيات من القرآن الكريم

وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

[الْأَنْفَالِ: ٣٢] وَقِيلَ سَأَلُوا تَعْجِيلَ نَصِيبِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ إن كانت موجودة ليلقوا ذَاكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا خَرَجَ هَذَا مِنْهُمْ مَخْرَجَ الِاسْتِبْعَادِ وَالتَّكْذِيبِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» سَأَلُوا تَعْجِيلَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ فِي الدُّنْيَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ جَيِّدٌ وَعَلَيْهِ يَدُورُ كَلَامُ الضَّحَّاكِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِبْعَادِ. قَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِرًا لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ وَمُبَشِّرًا لَهُ عَلَى صَبْرِهِ بالعاقبة والنصر والظفر.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠)
يَذْكُرُ تَعَالَى عَنْ عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَانَ ذَا أَيْدٍ وَالْأَيْدُ الْقُوَّةُ فِي العلم والعمل. قال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي وابن زيد، الْأَيْدُ الْقُوَّةُ، وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذَّارِيَاتِ: ٤٧] وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْأَيْدُ الْقُوَّةُ فِي الطَّاعَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ أُعْطِيَ دَاوُدُ عليه الصلاة والسلام قُوَّةً فِي الْعِبَادَةِ وَفِقْهًا فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ ذكر لنا أنه عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُومُ ثُلُثَ اللَّيْلِ وَيَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «أَحَبُّ الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله عز وجل صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى وَإِنَّهُ كَانَ أَوَّابًا» «٢» وَهُوَ الرَّجَّاعُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في جميع أموره وشؤونه.
وقوله تعالى: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ أَيْ إِنَّهُ تَعَالَى سَخَّرَ الْجِبَالَ تُسَبِّحُ مَعَهُ عِنْدَ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ وَآخِرِ النَّهَارِ كَمَا قَالَ عز وجل: يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [سَبَأٍ: ١٠] وَكَذَلِكَ كَانَتِ الطَّيْرُ تُسَبِّحُ بِتَسْبِيحِهِ وَتُرَجِّعُ بِتَرْجِيعِهِ إِذَا مَرَّ بِهِ الطَّيْرُ وَهُوَ سَابِحٌ فِي الْهَوَاءِ فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء ويسبح مَعَهُ وَتُجِيبُهُ الْجِبَالُ الشَّامِخَاتُ تُرَجِّعُ مَعَهُ وَتُسَبِّحُ تَبَعًا لَهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كثير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ بلغه أن أم هانئ رضي الله عنها ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ صَلَّى الضُّحَى ثَمَانِ ركعات فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد

(١) تفسير الطبري ١٠/ ٥٥٩- ٥٦٠. [.....]
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٣٨، والتهجد باب ٧، ومسلم في الصيام حديث ١٨٨، ١٨٩، ٢٠١، وأبو داود في الصوم باب ٦٦، والنسائي في الصوم باب ٦٩، وابن ماجة في الصيام باب ٣١، والدارمي في الصوم باب ٤٢، وأحمد في المسند ٢/ ١٦٠، ٢٠٦.
(٣) تفسير الطبري ١٠/ ٥٦٢.

صفحة رقم 49

ظننت أن لهذه الساعة صلاة يقول عز وجل: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ ابْنَ عباس رضي الله عنهما كان لا يصلي الضحى فأدخلته على أم هانئ رضي الله عنها فَقُلْتُ أَخْبِرِي هَذَا مَا أَخْبَرْتِنِي بِهِ فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي بَيْتِي ثُمَّ أَمَرَ بِمَاءٍ صُبَّ فِي قَصْعَةٍ ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَأَخَذَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ رَشَّ نَاحِيَةَ الْبَيْتِ فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ مِنَ الضُّحَى قِيَامُهُنَّ وَرُكُوعُهُنَّ وَسُجُودُهُنَّ وَجُلُوسُهُنَّ سَوَاءٌ قَرِيبٌ بِعَضُهُنَّ من بعض فخرج ابن عباس رضي الله عنهما وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ مَا عَرَفْتُ صَلَاةَ الضُّحَى إِلَّا الْآنَ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَكُنْتُ أَقُولُ أَيْنَ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ وَكَانَ بَعْدُ يَقُولُ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ وَلِهَذَا قَالَ عز وجل: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً أَيْ مَحْبُوسَةً فِي الْهَوَاءِ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ أَيْ مُطِيعٌ يُسَبِّحُ تَبَعًا لَهُ، وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَابْنِ زَيْدٍ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ أي مطيع.
وقوله تعالى: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ أَيْ جَعَلْنَا لَهُ مُلْكًا كَامِلًا مِنْ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُلُوكُ، قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ كَانَ أَشَدَّ أَهْلِ الدُّنْيَا سُلْطَانًا، وَقَالَ السُّدِّيُّ كَانَ يَحْرُسُهُ كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ بلغني أنه كان يحرسه فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا لَا تَدُورُ عَلَيْهِمُ النَّوْبَةُ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا مُشْتَمِلُونَ بِالسِّلَاحِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أن نَفَرَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْتَعْدَى أَحَدُهُمَا عَلَى الآخر إلى داود عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ اغْتَصَبَهُ بَقَرًا فَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَأَرْجَأَ أَمْرَهُمَا فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أمر داود عليه الصلاة والسلام فِي الْمَنَامِ بِقَتْلِ الْمُدَّعِي، فَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ طَلَبَهُمَا وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْمُدَّعِي فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلَامَ تَقْتُلُنِي وَقَدِ اغْتَصَبَنِي هَذَا بَقَرِي؟ فقال له إن الله تعالى أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ فَأَنَا قَاتِلُكَ لَا مَحَالَةَ، فَقَالَ والله إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْكَ بِقَتْلِي لِأَجْلِ هَذَا الَّذِي ادَّعَيْتُ عَلَيْهِ وَإِنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْتُ وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدِ اغْتَلْتُ أَبَاهُ وَقَتَلْتُهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ أَحَدٌ فَأَمَرَ بِهِ دَاوُدُ عَلَيْهِ السلام فقتل، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فَاشْتَدَّتْ هَيْبَتُهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَشَدَدْنا مُلْكَهُ.
وَقَوْلُهُ عز وعلا: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ قَالَ مُجَاهِدٌ يَعْنِي الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ وَالْفِطْنَةَ، وَقَالَ مَرَّةً:
الْحِكْمَةَ وَالْعَدْلَ، وَقَالَ مَرَّةً: الصَّوَابَ، وَقَالَ قَتَادَةُ كِتَابَ اللَّهِ وَاتِّبَاعَ مَا فيه، فقال السدي الْحِكْمَةَ النبوة وقوله جل جلاله وَفَصْلَ الْخِطابِ قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي وَالشَّعْبِيُّ: فَصْلُ الْخِطَابِ الشُّهُودُ وَالْأَيْمَانُ وَقَالَ قَتَادَةُ شَاهِدَانِ عَلَى الْمُدَّعِي أَوْ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ فَصْلُ

(١) تفسير الطبري ١٠/ ٥٦٣.

صفحة رقم 50
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية