آيات من القرآن الكريم

وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (١٤) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (١٥) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (١٦) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (٢٠)
شرح الكلمات:
كذبت قبلهم: أي قبل هؤلاء المشركين من قريش.
وفرعون ذو الأوتاد: أي صاحب أوتاد أربعة يشد إليها من أراد تعذيبه.
وأصحاب الأيكة: أي الغيضة وهم قوم شعيب.
إن كل إلا كذب الرسل: أي ما كل واحد منهم إلا كذب الرسل ولم يصدقهم فيما دعوا إليه.
فحق عقاب: أي وجبت عقوبتي عليهم.
صحية واحدة: هي نفخة إسرافيل في الصور نفخة.
مالها من فواق: أي ليس لها من فتور ولا انقطاع حتى تهلك كل شيء.
عجل لنا قطنا: أي صك أعمالنا لنرى ما أعدت لنا إذ القط الكتاب.
ذا الأيد: أي القوة والشدة في طاعة الله تعالى.
إنه أواب: أي رجاع إلى الله في كل أموره.
بالعشي والإشراق: أي بالمساء بعد العصر إلى الغروب والإشراق من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى.

صفحة رقم 439

والطير محشورة: أي والطيور مجموعة.
وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب: أي وأعطينا داود الحكمة. وهي الإصابة في الأمور والسداد فيها وفصل الخطاب: الفقه (١) في القضاء ومن ذلك البينة على المدّعي واليمين على من أنكر.
معنى الآيات:
السياق الكريم في تسلية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتهديد المشركين علهم يتوبون إلى الله ويرجعون قال تعالى ﴿كَذَّبَتْ (٢) قَبْلَهُمْ﴾ أي قبل قومك يا محمد ﴿قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ﴾ أي (٣) صاحب الأوتاد التي كان يشد إليها من أراد تعذيبه ويعذبه عليها كأعواد المشانق، ﴿وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْأَيْكَةِ﴾ أي الغيضة وهي الشجر الملتف وهم قوم شعيب ﴿أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ﴾ أي الطوائف الكافرة الهالكة ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ أي ما كل واحدة منها إلا كذبت الرسل ﴿فَحَقَّ عِقَابِ﴾ أي وجب عقابي لهم فعاقبتهم، وما ينظر هؤلاء من قومك ﴿إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ (٤) أي من فتور ولا انقطاع حتى يهلك كل شيء ولا يبقى إلا وجه الله ذو الجلال والإكرام. وقوله تعالى ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا (٥) قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ قالوا هذا لما نزل ﴿فأما من أوتي كتابه بيمنه﴾ الآيات من سورة الحاقة. قال غلاة الكافرين كأبي جهل وغيره استهزاءً، ربنا عجل لنا قطنا أي كتابنا لنرى ما فيه من حسنات وسيئات قبل يوم القيامة والحساب والجزاء وهم لا يؤمنون ببعث ولا جزاء، وإنما قالوا هذا استهزاء وعناداً أو مكابرة فلذا قال تعالى لرسوله ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ (٦) ﴾ أي القوة في دين (٧) الله ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ أي رجاع إلى الله تعالى

١ - صورة من فصل الخطاب الذي هو الفقه والبصيرة في القضاء روي أن ابن أبي ليلى جلد امرأة مجنونة قذفت رجلاً فقالت له يا ابن الزانيين جلدها وهي قائمة في المسجد فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال أخطأ ابن أبي ليلى من ستة وجوه وهي: ١- المجنون لا حد عليه لأنه غير مكلف. ٢- إن كان القذف حقاً لله تعالى فلا يقام على القاذف إلا حداً واحد كما هو مذهب أبي حنيفة. ٣- أقام الحد بدون مطالبة المقذوف به. ٤- إنه والى بين الحدين والواجب أن يفرق بينهما. ٥- أنه حدها قائمة والمرأة تحد جالسة مستورة. ٦- أنه أقام الحد في المسجد والإجماع أن الحدود لا تقام في المساجد.
٢ - مفعول كذبت محذوف سيدل عليه ما يأتي من قوله: ﴿إن كل إلا كذب الرسل﴾ فالمفعول المحذوف هو الرسل والجملة بيان لسابقتها تحمل التسلية والعزاء للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣ - جائز أن يكون المراد بالأوتاد القوة والبطش أو الأهرام لأنها بناء راسخ في الأرض كالأوتاد جمع وتد بكسر التاء وهو عود غليظ له رأس مفلطح يدق في الأرض ليشد به ظنب الخيمة أو حبالها قال الشاعر:
والبيت لا يبنى إلا على عمد
ولا عماد إذا لم تُرْسَ أوتاد
٤ - الفواق اسم للزمن الذي بين الحلبتين والرضعتين إذ الحالب يجلب الناقة ثم يترك ولدها يرضعها حتى تدر اللبن ثم يبعده ويحلبها مرة ثانية فالفواق هو ما بين الحلبتين والرضعتين.
٥ - القط: هو القسط من الشيء ويطلق كما هنا على قطعة الورق أو ما يكتب عليه العطاء لأحد يسمى بالصك.
٦ - الأيد ليست جمع يد إنما المراد بها القوة والشدة وهو مصدر آد يئيد أيداً. إذا قوى واشتد ومنه التأييد الذي هو التقوية. قال تعالى ﴿فآواكم وأيدكم بنصره﴾.
٧ - شاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى وإنه كان أواباً" "في الصحيحين".

صفحة رقم 440

اذكره لتتأسى به في صبره وقوته في الحق وقوله تعالى ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا﴾ الآيات بيان لإنعام الله تعالى على داود لتعظم الرغبة في الاقتداء به، والرغبة إلى الله تعالى فيما لديه من إفضالات ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ (١) ﴾ أي إذا سبح داود في المساء من بعد العصر إلى الغروب وفي الإشراق وهو وقت الضحى سبحت الجبال معه أي رددت تسبيحه كرامة له والطير محشورة أي وسخرنا الطير محشورة أي مجموعة تردد التسبيح معه، وقوله ﴿كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ أي كل من الجبال والطير أواب أي رجاع يسبح لله تعالى. وقوله ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ أي وقوينا ملك داود بمنحنا إياه كل أسباب القوة المادية والروحية. ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾ وهي النبوة والإصابة في الأمور والسداد فيها قولا كان أو فعلاً. ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ أي حسن القضاء والبصيرة فيه، والبيان الشافي في كلامه، فبه اقتده يا رسولنا.
هداية الآيات
من هداة الآيات:
١- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر على أذى قريش وتكذيبها وعنادها.
٢- تهديد قريش إذا أصرت على التكذيب بأشد أنواع العقوبات.
٣- بيان استهزاء المشركين واستخفافهم بأخبار الله تعالى وشرائعه.
٤- مشروعية الأسوة والاقتداء بالصالحين.
٥- بيان آية تسخير الله تعالى الجبال والطير لداود تسبح الله تعالى معه.
٦- حسن (٢) صوت داود في قراءته وتسبيحه.
٧- مشروعية صلاة الإشراق والضحى.
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ

١ - قال ابن عباس رضي الله عنهما كنت أمر بهذه الآية بالعشي والإشراق ولا أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى (الضحى) وقال: "يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق. وروى البخاري عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي بثلاث خصال لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر.
٢ - شاهده قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي موسى الأشعري وقد سمعه يقرأ القرآن ويرتل بحسن صوت لقد أوتيت مزماراً من مزامير داود. والمزمار والمزمور الصوت الحسن وبه سميت آلة الزمر مزماراً.

صفحة رقم 441
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية