آيات من القرآن الكريم

وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

الله: أخبرنا الثقة بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب، دخل عليه نفر من قريش، فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويقول ويقول، ويفعل ويفعل، فأرسل إليه، فانهه عن ذلك، فأرسل إليه أبو طالب، وكان إلى جنب أبي طالب موضع رجل، فخشي أبو جهل إن جاء النبيّ صلّى الله عليه وسلم يجلس إلى جنب عمه، أن يكون أرق له عليه. فوثب أبو جهل، فجلس في ذلك المجلس، فلما جاء النبيّ صلّى الله عليه وسلم لم يجد مجلساً إلا عند الباب. فلما دخل، قال له أبو طالب: يا ابن أخي إن قومك يشكونك، ويزعمون أنك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول، وتفعل وتفعل. فقال: «يَا عَمُّ إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً، تُدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ، وَتُؤَدِي إليهِم بِهَا العَرَبُ والعَجَمُ الجِزْيَةَ». فقالوا: وما هي فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «لا إله إلا الله» فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، ويقولون: جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ
يعني: الأشراف من قريش أَنِ امْشُوا يعني: امكثوا وَاصْبِرُوا يعني:
اثبتوا عَلى آلِهَتِكُمْ يعني: على عبادة آلهتكم إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ يعني: لأمر يراد كونه بأهل الأرض. ويقال: إن هذا لشىء يراد. يعني: لا يكون ولا يتم له مَّا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ يعني: في اليهود والنصارى إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ يعني: يختلقه من قبل نفسه.
ويقال: في قوله: إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ يعني: أراد أن يكون.
ثم قال عز وجل: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا يعني: أخصّ بالنبوة من بيننا. يقول الله عز وجل: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي يعني: في ريب من القرآن والتوحيد بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ أي: لم يذوقوا عذابي كقوله: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: ١٤] أي: لم يدخل فهذا تهديد لهم، أي: سيذوقوا عذابي.
ثم قال: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ يعني: مفاتيح رحمة ربك. يعني: مفاتيح النبوة بأيديهم، ليس ذلك بأيديهم، وإنما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ يعني: بيد الله الْعَزِيزِ في ملكه الْوَهَّابِ لمن يشاء. بل الله يختار من يشاء للوحي، فيوحي الله عز وجل وهي الرسالة لمن يشاء وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ يعني: إن لم يرضوا بما فعل الله تعالى، فليتكلفوا الصعود إلى السماء. وقال القتبي: أسباب السماء أي:
أبواب السماء، كما قال القائل. ولو نال أسباب السماء بسلم. قال: ويكون أيضاً فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ يعني: في الجبال إلى السماء كما سألوك أن ترقى إلى السماء، فتأتيهم بآية، وهذا كله تهديد، وتوبيخ بالعجز.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١١ الى ٢٠]
جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَها مِنْ فَواقٍ (١٥)
وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠)

صفحة رقم 159

ثم قال عز وجل: جُنْدٌ مَّا هُنالِكَ يعني: جند عند ذلك، وما زائدة. يعني: حين أرادوا قتل النبيّ صلّى الله عليه وسلم مَهْزُومٌ يعني: مغلوب مِنَ الْأَحْزابِ يعني: من الكفار. وقال مقاتل: فأخبر الله تعالى بهزيمتهم ببدر. وقال الكلبي: يعني: عند ذلك إن أرادوه مَهْزُومٌ مغلوب.
ثم قال عز وجل: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ يعني: من قبل أهل مكة قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ يعني: ذو ملك ثابت، شديد دائم ويقال: ذو بناء محكم. ويقال: يعني: في عز ثابت. والعرب تقول: فلان في عز ثابت الأوتاد. يريدون دائم شديد، وأصل هذا أن بيوت العرب تثبت بأوتاد. ويقال: هي أوتاد كانت لفرعون يعذب بها، وكان إذا غضب على أحد شدّه بأربعة أوتاد.
ثم قال: وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ يعني: الغيضة وهم قوم شعيب- عليه السلام- أُولئِكَ الْأَحْزابُ يعني: الكفار، سموا أحزاباً لأنهم تحزبوا على أنبيائهم. أي:
تجمعوا، وأخبر في الابتداء أن مشركي قريش، حزب من هؤلاء الأحزاب إِنْ كُلٌّ يعني: ما كل إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ يعني: وجب عذابي عليهم.
قوله عز وجل: وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ يعني: قومك إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً يعني: النفخة الأولى مَّا لَها مِنْ فَواقٍ يعني: من نظرة، ومن رجعة. قرأ حمزة والكسائي فَواقٍ بضم الفاء. وقرأ الباقون: بالنصب. ومعناهما واحد. يسمى ما بين حلبتي الناقة فَواقٍ لأن اللبن يعود إلى الضرع. وكذلك إفاقة المريض يعني: يرجع إلى الصحة. فقال: مَّا لَها مِنْ فَواقٍ يعني: من رجوع. وقال أبو عبيدة: من فتحها أراد ما لها من راحة ولا إفاقة يذهب بها إلى إفاقة المريض، ومن ضمها جعلها من فواق الناقة، وهو ما بين الحلبتين، يعني: ما لها من انتظار. وقال القتبي: الفُواق والفَواق واحد، وهو ما بين الحلبتين.
ثم قال تعالى: وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قال ابن عباس وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لقريش: «مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالله أُعْطِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ». فقالوا: رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا يعني:

صفحة رقم 160

صحيفتنا، وكتابنا في الدنيا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ والقط في اللغة الصحيفة المكتوبة. ويقال:
لما نزل قوله: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ [الحاقة: ١٩] فقالوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا هذا الكتاب قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ استهزاء.
ثم عزّى نبيه صلّى الله عليه وسلم فقال عز وجل: اصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ من التكذيب وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ يعني: ذا القوة على العبادة إِنَّهُ أَوَّابٌ يعني: مقبل على طاعة الله عز وجل.
وقال مقاتل: أَوَّابٌ يعني: مطيع.
قوله عز وجل: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يعني: ذلّلنا الجبال يُسَبِّحْنَ مع داود- عليه السلام- بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ يعني: في آخر النهار، وأوله. وروى طاوس أن ابن عباس قال لأصحابه: هل تجدون صلاة الضحى في القرآن؟ قالوا: لا. قال: بلى. قوله: يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ كانت صلاة الضحى يصليها داود- عليه السلام-.
ثم قال عز وجل: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً يعني: مجموعة كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ يعني: مطيع.
وقال عمرو بن شرحبيل: الأواب بلغة الحبشة المسيح. وقال الكلبي: المقبل على طاعة الله تعالى.
قوله عز وجل: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ يعني: قوّينا حراسه. قال مقاتل والكلبي: كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل. ويقال: قوينا ملكه، وأثبتناه، وحفظناه عليه. وروي في الخبر أن غلاماً استعدى على رجل، وادعى عليه بقراً فأنكر المدعى عليه، وقد كان لطمه لطمة حين ادعى عليه، فسأل داود من الغلام البينة، فلم يقمها، فرأى داود في منامه أن الله عز وجل يأمره أن يقتل المدعى عليه، ويسلم البقر إلى الغلام. فقال داود: هو منام ثم أتاه الوحي بذلك، فأخبر بذلك بنو إسرائيل، فجزعت بنو إسرائيل وقالوا: رجل لطم غلاماً لطمة فقتله بذلك. فقال داود- عليه السلام-: هذا أمر الله تعالى به، فسكتوا. ثم أحضر الرجل فأخبره أن الله تعالى أمره بقتله. فقال الرجل: صدقت يا نبي الله: إني قتلت أباه غيلة، وأخذت البقر، فقتله داود، فعظمت هيبته، وشدد ملكه. فلما رأى الناس ذلك جلّ أمره في أعينهم، وقالوا:
إنه يقضي بوحي الله تعالى، ثم إن الله تعالى أرخى سلسلة من السماء، وأمره بأن يقضي بها بين الناس، فمن كان على الحق يأخذ السلسلة، ومن كان ظالماً لا يقدر على أخذ السلسلة. وقد كان غصب رجل من رجل لؤلؤاً، فجعل اللؤلؤ في جوف عصاً له، ثم خاصمه المدعي إلى داود- عليه السلام- فقال المدعي: إن هذا أخذ مني لؤلؤاً، وإني لصادق في مقالتي. فجاء، وأخذ السلسلة، ثم قال المدعى عليه: خذ مني العصا، فأخذ عصاه، وقال: إني قد دفعت إليه اللؤلؤ، وإني لصادق في مقالتي، فجاء وأخذ السلسلة. فتحير داود- عليه السلام- في ذلك، فرفعت السلسلة، وأمره بأن يقضي بالبينات والأيمان، فذلك قوله عز وجل: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ

صفحة رقم 161
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية