آيات من القرآن الكريم

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ

تعالى فيهم وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ [الزمر: ١٧] إلى قوله أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ [الزمر: ١٨].
ثم توعد عز وجل بالبعث من القبور والرجوع إليه للجزاء والتوقيف على صغير الأعمال وكبيرها.
قوله عز وجل:
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١٦ الى ١٩]
يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)
المعنى وقال لقمان يا بُنَيَّ، وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى وهذه الغاية التي أمكنه أن يفهمه، لأن «الخردلة» يقال إن الحس لا يقدر لها ثقلا إذ لا ترجح ميزانا، وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بها علما. وقوله مِثْقالَ حَبَّةٍ عبارة تصلح للجواهر، أي قدر حبة، وتصلح للأعمال أي ما تزنه على جهة المماثلة قدر حبة، وظاهر الآية أنه أراد شيئا من الأشياء خفيا قدر حبة، ويؤيد ذلك ما روي من أن ابن لقمان سأل أباه عن الحبة تقع في مقل البحر يعلمها الله، فراجعه لقمان بهذه الآية. وذكر كثير من المفسرين أنه أراد الأعمال المعاصي والطاعات، ويؤيد ذلك قوله يَأْتِ بِهَا اللَّهُ أي لا تفوت، وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف منضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى، وفي القول الآخر ليس ترجية ولا تخويف. ومما يؤيد قول من قال هي من الجواهر قراءة عبد الكريم الجزري «فتكنّ» بكسر الكاف وشد النون من الكن الذي هو الشيء المغطى، وقرأ جمهور القراء «إن تك» بالتاء من فوق «مثقال» بالنصب على خبر «كان» واسمها مضمر تقديره مسألتك على ما روي، أو المعصية أو الطاعة على القول الثاني. ولهذا المقدر هو الضمير في إِنَّها. وقرأ نافع وحده بالتاء أيضا «مثقال» بالرفع على اسم «كان» وهي التامة، وأسند إلى المثقال فعلا فيه علامة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه وهذا كقول الشاعر: [الطويل]

مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مرّ الرياح النواسم
وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر. وقوله فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، قيل أراد الصخرة التي عليها الأرض والحوت والماء وهي على ظهر ملك وقيل هي صخرة في الريح.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف لا يثبته سند، وإنما معنى الكلام المبالغة والانتهاء في التفهيم، أي أن قدرته تنال ما يكون في تضاعيف صخرة وما يكون في السماء وفي الأرض. وقرأ قتادة «فتكن» بكسر الكاف والتخفيف من وكن يكن، وتقدمت قراءة عبد الكريم «فتكنّ». وقوله يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إن أراد الجواهر فالمعنى يَأْتِ بِهَا إن احتيج إلى ذلك أو كانت رزقا ونحو هذا، وإن أراد الأعمال فمعناه يَأْتِ بذكرها وحفظها فيجازي عليها بثواب أو عقاب. ولَطِيفٌ خَبِيرٌ صفتان لائقتان بإظهار غرائب

صفحة رقم 350

القدرة، ثم وصى ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل هو في نفسه ويزدجر عن المنكر وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع، وقوله وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ يقتضي حضا على تغيير المنكر وإن نال ضررا فهو إشعار بأن المغير يؤذي أحيانا، وهذا القدر هو على جهة الندب والقوة في ذات الله، وأما على اللزوم فلا. وقوله تعالى إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ يحتمل أن يريد مما عزمه الله وأمر به، قاله ابن جريج، ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم والسالكين طريق النجاة، والأول أصوب، وبكليهما قالت طائفة. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن «ولا تصاعر»، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد وأبو جعفر «ولا تصعر»، وقرأ الجحدري «ولا تصعر» بسكون الصاد والمعنى متقارب، و «الصعر» الميل ومنه قول الأعرابي: «وقد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره»، ومنه قول عمرو بن حنى التغلبي: [الطويل]
وكنا إذا الجبار صعر خده... أقمنا له من ميله فتقوم
أي فتقوم أنت، قاله أبو عبيدة، وأنشد الطبري «فتقوما» وهو خطأ لأن قافية الشعر مخفوضة، وفي بيت آخر أقمنا له من خده المتصعر. فمعنى الآية ولا تمل خَدَّكَ لِلنَّاسِ كبرا عليهم ونخوة وإعجابا واحتقارا لهم وهذا هو تأويل ابن عباس وجماعة، ويحتمل أن يريد أيضا الضد، أي «ولا تصاعر خدك» سؤالا ولا ضراعة بالفقر، والأول أظهر بدلالة ذكر الاختيال والفخر بعد، وقال مجاهد «ولا تصعر» أراد به الإعراض هجرة بسبب إحنة، والمرح النشاط، والمشي مرحا هو في غير شغل ولغير حاجة، وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء، فالمرح مختال في مشيه وقد قال عليه السلام «من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، وقال: «بينما رجل من بني إسرائيل يجر ثوبه خيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة»، وقال مجاهد «الفخور» هو الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله تعالى.
قال الفقيه الإمام القاضي: وفي الآية الفخر بالنسب وغير ذلك، ولما نهاه عن الخلق الذميم رسم له الخلق الكريم الذي ينبغي أن يستعمله من القصد في المشي وهو أن لا يتخرق في إسراع ولا يواني في إبطاء وتضاؤل على نحو ما قال القائل: [مجزوء الرمل]
كلنا نمشي رويد... كلنا يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد وأن لا يمشي مختالا متبخترا ونحو هذا مما ليس في قصد، و «غض الصوت» أوفر للمتكلم وأبسط لنفس السامع وفهمه، ثم عارض ممثلا بصوت الحمير على جهة التشبيه، أي تلك هي التي بعدت عن الغض فهي أنكر الأصوات، فكذلك كل ما بعد عن الغض من أصوات البشر فهو في طريق تلك وفي الحديث «إذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا»، وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمير، وقال عطاء: صياح الحمير دعاء على الظلمة، وأَنْكَرَ معناه أقبح وأخشن، وأَنْكَرَ عبارة تجمع المذام اللاحقة للصوت الجهير، وكانت العرب تفتخر بجهارة الصوت الجهير على خلق الجاهلية ومنه قول الشاعر يمدح آخر: [المتقارب]

صفحة رقم 351
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية