لأكثرها وبالرياح العواصف التي تقتضي الحكمة هبوبها وهذا مبني على كونها كروية كما ذهب إليه الغزالي وأكثر الفلاسفة، وإلا فلو كانت بسيطة لما أثرت فيها الرياح والمياه على فرض عدم وجود الرواسي. هذا ولا دلالة في الآية على انحصار حكمة الله بإلقاء الرواسي فيها لسلامتها من الميد بل إن لذلك حكما أخرى لا نعرفها وكذا لا دلالة فيها على عدم حركتها على الاستدارة دائما كما ذهب إليه أصحاب فيثاغورس وغيره وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية ١٩ من سورة الحجر المارة.
واعلم أن هذه الآية الكريمة تشير إلى ما عبر عنه الجغرافيون بالقشرة الباردة أيضا لأن الرواسي هي الصخور الجامدة في أديم الأرض فانظر رعاك الله هل كان في زمن نزول القرآن على حضرة الرسول الأعظم من يعرف أو يعلم أن الأرض كانت مائرة ثم برد ظهرها فتكونت قشرتها، كلا ثم كلا، ولكنه من غيب الله تعالى أجراه بواسطة أمينه جبريل عليه السلام على لسان محمد رسوله صلّى الله عليه وسلم راجع الآية ٢٧ من سورة الحجر المارة أيضا. واعلم أن الأفرنج لم يتوسعوا في معلوماتهم هذه إلا بعد نزول القرآن لأنهم يعرفونه من عند الله وأن ما فيه حق وصدق لذلك تدبروا فيما لا تسعه عقول الآخرين وتفكروا فيما تبحّ فيه أقوالهم وتعجز عنه أفعالهم وأعمالهم هذه التي صار الآن يضرب بها وبمعلوماتهم وموضوعاتهم الأمثال فيما هو من أمور الدنيا ولوازمها ونحن تقهقرنا عن ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال تعالى «وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ» من جميع انواع الدواب والدابة تطلق على ما دبّ على وجه الأرض وفي بطون المياه من إنسان وحيوان وطير وحوت ووحش وحشرات وغيرها «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً» على تلك الأرض «فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ» وصنف «كَرِيمٍ ١٠» حسن كثير النفع
«هذا» الذي تشاهدونه أيها الناس وما قص عليكم من المخلوقات كلها «خَلْقُ اللَّهِ» الذي يدعوكم لعبادته رسولكم محمد بن عبد الله أسوة بمن تقدمه من الرسل الكرام «فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ» من شركائكم الذين هم في غاية السفالة وأنتم تعبدونها وتتخذونها آلهة فإنها لم تخلق أو ترزق شيئا «بَلِ الظَّالِمُونَ»
عاجزون عن جواب الحق لا يعترفون لنا بذلك لأنهم عن معرفتنا «فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ١١» ظاهر يمنعهم من الاعتراف بنا لا يستطيعون إخفاءه.
مطلب من هو لقمان وحكمه ووصاياه وبر الوالدين:
ثم شرع يقص على رسوله من علم غيبه ليقصه على قومه فقال تعالى قوله «وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ» هو ابن باعوراء بن ناحود بن تارخ آزر والد إبراهيم عليه السلام، وقيل إن لقمان هذا الذي يقص الله تعالى علينا أخباره عبد حبشي، وقيل إنه أسود زنجي، وقيل السود أربعة: لقمان وبلال ومهجع مولى عمر بن الخطاب والنجاشي ملك الحبشة الكائن زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم ورضي عنهم وسيأتي ذكره في الآية ٦٩ من المائدة في ج ٣ واتفق الحكماء على أن لقمان كان حكيما لا نبيا قال في بدء الأمالي:
| وذو القرنين لم يعرف نبيا | كذا لقمان فاحذر عن جدال |
وقالوا إن سيده قال له اعطني أطيب مضغتين من الشاة فأعطاه القلب واللسان، ثم قال له أعطني أخبثهما فأعطاهما إياه أيضا، فسأله عن ذلك، فقال لا شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا. ومن حكمه ليس مال كصحة، ولا نعيم كطيب النفس، وشر الناس الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا. وقوله لابنه إن الدنيا بحر عميق غرق فيه كثيرون فاجعل سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الإيمان وشراعها التوكل على الله، لعلك تنجو ولا أراك ناجيا. أي لأن النجاة بيد الله يهبها لمن يشاء من عباده ممن يوفقه للعمل الصالح. ولهذا قرن العمل الصالح مع الإيمان في أكثر آي القرآن حتى كأن الإيمان بلا عمل لا ينفع كالعمل بلا إيمان.
وقدمنا أن الإيمان وحده كاف للنجاة إذا شاء الله له الخلق والأمر. ومن حكمه قوله: من كان له من نفسه واعظ كان الله له حافظا، ومن أنصف الناس من نفسه زاده الله عزا، والذل في طاعة الله أقرب من التعزز في المعصية، وضرب الوالد لولده كالسماد للزرع. وقال يوما لابنه لا تطلب الإمارة حتى تطلبك فإن طلبتك أعنت عليها وإذا طلبتها وكلت إليها، يا بني زاحم العلماء بركبتيك وانصت لهم بأذنيك، فإن القلب يحيا بنور العلم كما تحيا الأرض بماء السماء، يا بني لا تضحك من غير سبب ولا تمش من غير أرب، ولا تسأل عما لا يعنيك، يا بني لا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت. وله حكم أخرى كثيرة أفاضها الله عليه من نور معرفته ولهذا أعطاه الحكمة ومن يعطها فقد أعطي خيرا كثيرا. وكررت كلمة الحكمة بالقرآن سبع عشرة مرة في معان بالغة تكرمة لمن أوتيها فيا فوز من كانت الحكمة رائده في كل أحواله، ويا سعادة من عامل الناس بها بأقواله وأفعاله. قال تعالى لعبده لقمان «أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ» صنيعه بك ولطفه عليك، وإن هنا مفسرة بمعنى أي لأن في إتيان الحكمة معنى القبول ولهذا فسرت بالشكر فإذا علم الإنسان أمرين أحدهما أهم من الآخر فإذا اشتغل بالأهم كان عمله موافقا لعلمه وإن أهمل الأهم كان مخالفا للعلم ولم يكن من الحكمة، وقد أمره ربه بشكر نعمه وبين فائدتها بقوله «وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ» إذ يعود نفعه إليها بازدياد النعم ورضاء المنعم «وَمَنْ كَفَرَ»
نعم الله عليه فلم يؤد شكرها أو استعملها في معصيته فيرجع وبال كفره عليه «فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ» عنه غير محتاج لشكره «حَمِيدٌ ١٢» حقيق بأن يحمد نفسه بنفسه وإن لم يحمده أحد قمين بأن يحمده خلقه على السراء والضراء والشدة والرخاء، وجدير بأن يشكر ولو لم ينعم عليه «وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ» بتقوى الله والإحسان لخلقه أي اذكر يا محمد لقومك ما قاله لقمان لابنه من النصح «يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ» غيره بل اعبده خالصا باعتباره الإله الواحد الذي لا رب غيره «إِنَّ الشِّرْكَ» بالله تعالى يا بني واتخاذ آلهة من دونه للعبادة أو إشراك غيره معه في أعمالك الصالحة «لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ١٣» لا أعظم منه أبدا لكونه وضع الشيء في غير محله، وهذا إشارة إلى التكميل لأن أعلى مراتب الإنسان الكمال في نفسه والتكميل لغيره، فقوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) إيماء إلى الكمال وإرشاده لابنه بما ذكر رمز إلى التكميل وكان رضي الله عنه أول ما بدأ بالإرشاد ابنه وبالأهم وهو الشرك إذ غلّظه بالوصف تحذيرا من قربانه، وهذا أيضا من الحكمة لأن الأقرب أولى بالمعروف والأعظم وزرا أوجب بأن ينهى عنه أولا. ومن حكمته أنه كان صحب داود عليه السلام وكان يشغله بسرد الدروع فيشتغل ولا يسأل عنه لماذا هو، فلما نظمها داود ونسجها ولبسها قال لقمان نعم لبوس الحرب هذا، وقال الصمت حكمة وقليل فاعله، فقال داود بحق سميت حكيما يا لقمان. ثم قال له ذات يوم كيف أصبحت يا لقمان؟ قال أصبحت بيد غيري، فصعق داود لقوله هذا، وفي سكوت لقمان وعدم سؤاله داود عن صنع السرد أي الزرد وهو الحلق الذي تنسج منه الدروع إعلام إلى أن اتباع أمر النبي لازم فيما يعقل وما لا يعقل إظهارا للانقياد والخضوع له والتعبد لله الذي أرسله. قال تعالى «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ» أن يبرهما ويحسن إليهما مؤمنين كانا أو كافرين «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً» بتعب ومشقة وضعف أوهن جسمها ثقله «عَلى وَهْنٍ» لأنه يتتابع عليها ضعف الحمل وضعف الطلق وضعف الولادة وضعف الرضاع فيحل بها شدة بعد شدة ومشقة بعد مشقة من تعاهده ومراقبته ليل نهار وتنظيفه صباح مساء وانشغال قلبها عنده في كل لحظة «وَفِصالُهُ» فطامه عن الرضاع
صفحة رقم 482
الذي يكون «فِي عامَيْنِ» تعانيه به وهن أيضا، والعامان لمدة الرضاع هي غايتها، قال تعالى (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) الآية ٢٣٣ من سورة البقرة، وسنبين تفصيله هناك إن شاء الله القائل للإنسان «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ» فكما أني خلقتك فهما سبب في نشأتك ولهما حق التربية عليك كما لي حق
الخلق ولهذا فإن من لم يشكرهما لم يشكر الله، وبما أن حقهما ينقطع في الدنيا وحقه باق قال «إِلَيَّ الْمَصِيرُ ١٤» في الآخرة لا لغيري فإذا أحسنت لي بالعبادة ولهما بالإحسان وشكرت نعمتنا أثبناك وإلا عاقبناك، واعلم أيها الإنسان أنك مكلف بالإحسان لوالديك «وَإِنْ جاهَداكَ» حملاك وأقسراك «عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي» شيئا «ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» من أصناف الأوثان وكلفاك أن تعبدها معي أو من دوني «فَلا تُطِعْهُما» في هذا إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومع هذا فعليك أن تديم الإحسان إليهما إذ يفهم من ظاهر الآية وجوب طاعتهما في كل شيء عدا الإشراك بالله مكافأة لعظيم حقهما، ومما يؤيد هذا قوله جل قوله «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» ولا يمكن مصاحبتهما في الدنيا بالمعروف والحسنى إلا بطاعتهما فيما يأتيان ويذران ومعاملتهما بجميل الخلق والحلم احتمال الأذى والصفح عن غلطتهما وادامة البر والصلة لهما ولمن يوادهما ولو كانا كافرين، ومن البر إرشادهما بالمعروف إلى دين الحق والدعاء لهما بالتوفيق إذا لم يفعلا، وعلى كل تجب طاعتهما إلا في الإشراك فالأمر بطاعتهما عام خص منه الشرك فقط وما هو معصية كما مر، وقدمنا ما يتعلق بهذا بصورة مفصلة في الآية ٢٤ من سورة الإسراء في ج ١ فراجعه ففيه كفاية، وقد ذكر الله تعالى مشقة أمه دون أبيه لأن مشقة الأب عبارة عن الكسب والنصب في سبيله والتألم والسهر لما يؤذيه مما قد تشاركه فيه الأم وتنفرد هي بذلك الوهن العظيم وإنّ ما ينفرد به الأب لا يعد شيئا بالنسبة لما تنفرد فيه الأم مدة حمله ورضاعه فضلا عن ولادته التي لا يضاهيها وهن. ثم أمر الله هذا الإنسان الذي خلقه وصوره وأحسن خلقه وهداه النجدين بقوله «وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ» الأنبياء فمن دونهم الأمثل فالأمثل وتخلق بأخلاقهم في الدنيا في ذلك كله وغيره، فيها إشارة إلى اتباع الشيخ
الكامل من السادة الصوفية، تأمل وراجع الآية ٣٨ من سورة المائدة في ج ٣ والآية ١٢٠ من التوبة في ج ٣ والآية ٥١ من الإسراء في ج ١، «ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ» جميعا في الآخرة أنت وأبواك وولدك والخلق كلهم «فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٥» في الدنيا إذ لا يخفى عليّ شيء من عملكم السري والجهري الخالص والمشوب، وسأجازي كلا بحسبه. وقد جاءت هاتان الآيتان معترضتين بين وصية لقمان لابنه على سبيل الاستطراد لما فيهما من المناسبة لما قبلهما ولما فيهما من النهي عن الشرك الذي هو أعظم المنهيات. قال بعض المفسرين إن المراد بهاتين الآيتين أبو بكر رضي الله عنه لأنه حينما أسلم جاء إليه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، فأنبوه على إسلامه وصار يأمرهم بالإيمان ويحذرهم من البقاء على الشرك ولم يزل بهم حتى أسلموا بإرشاده، نقلا عن ابن عباس رضوان الله عليهم أجمعين.
مطلب قوة إيمان سعد بن أبي وقاص وآداب المشي والمكالمة ومعاملة الناس:
وقال بعضهم إنها نزلت في سعد ابن أبي وقاص لأنه لما أسلم قالت له أمه:
لتدعن هذا الدين أو أترك الأكل والشرب والاستظلال حتى أموت فتعير فيّ وبقيت ثلاثة أيام لا تأكل ولا تشرب ولا تستظل وهو يراجعها ويتلطف بها ويقطع أملها من الرجوع عن الدين الحق، ولم تفعل وأصرت على ما عزمت عليه، فقال لها: والله لو كان لك مائة نفس وخرجت واحدة تلو الأخرى ما تركت ديني، فلما رأت ذلك منه عادت فأكلت وشربت واستظلت بعد أن أيست من رجوعه عن دينه رحمه الله ورضي عنه وحشرني معه لم تأخذه رحمه الله الأنفة الجاهلية التي كانت قريب عهد به لصلابته في دينه الذي اعتنقه حديثا كأنه كان قديما متلبسا به وشدة عزمه وحزمه ورغبته في الدين الحق ومن يهده الله فلا مضل له أبدا، على أن هذه الآية عامة تحتمل هذين السببين وغيرهما. قال تعالى حكاية عن عبده لقمان «يا بُنَيَّ إِنَّها» أي الخطيئة التي تعملها «إِنْ تَكُ» في الصغر والقلة «مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» أو أقل وإنما ذكر الله هذه الحبّة لأنها أكثر ما تكون في أقوال العرب يضربون بها الأمثال عند المبالغة في قلة الشيء، وهذه الآية جواب عن قول ابن لقمان لأبيه يا أبت إذا أخطأت ولم يرني أحد هل أحاسب عليها أم لا؟ فأجابه بما ذكر الله
وزاده تأكيدا بقوله «فَتَكُنْ» هذه الحبة «فِي صَخْرَةٍ» أي في بطنها ووسطها «أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ» بأن يستخرجها ويحاسب صاحبها عليها ويعاقبه من أجلها وهو يعلم ذلك ويعلم ما هو أدق منه، هذا إذا عملها، أما إذا كانت نية وحزما وعزما فقط فإنه يحاسبه عليها ولا يعاقبه، وإن كان امتناعه عن فعلها مخافة الله فإنه يثاب عليها كما سيأتي تفصيله في الآية ٢٨٤ من سورة البقرة في ج ٣ «إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ» أيها الإنسان بعباده يعطف عليهم «خَبِيرٌ ١٦» بمكان وزمان الخطيئة التي تصدر من عبده وكذلك جميع ما يقع في كونه قليلا كان أو كثيرا ليلا أو نهارا «يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ» لربك «وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ» غيرك «عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ»
من الأذى وتحمل سوء أخلاق غيرك ولا تقابل أحدا بما يكره «إِنَّ ذلِكَ» الذي أمرتك به كله هو «مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ١٧» المقطوعة المتحتمة على البشر تشير هذه الآية إلى أن هذه الأمور الأربعة مأمور بها كل الأمم وهو كذلك إذ لا تخلو أمة من التعبد بها قال تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) الآية ٦ من سورة الزمر، وقال تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) الآية ١٤ من سورة الشورى الآتيتين، لأن المرسل الشارع واحد والمرسلين على طريقة واحدة والمرسل إليهم مختلفون فهم الذين يغيرون ويبدلون في الشرائع، قال تعالى «وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ» وجهك من اطلاق الجزء وإرادة الكل «لِلنَّاسِ» فتعرض به أنفة منهم وتكبرا عليهم بل قابلهم به كله بطلاقة وبشاشة ولين جانب وعطف ولطف وموعظة حسنة «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» خيلاء تعاظما على الناس وبطرا أو تعجبا وفرحا وأنانيّة بنفسك الخبيثة «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ» ١٨ على الناس بما يراه لنفسه من المناقب عليهم هذا وما قاله بعض المفسرين من أن المراد بقوله تعالى (وَلا تُصَعِّرْ) إلخ أي لا تذلل نفسك من غير حاجة فتلوي عنقك لا يناسب ما بعدها وأن تأويله بميله عن الناس أولى بالمقام لأنه من فعل المتكبرين المنهي عنه، قال ابن عباس رضي الله عنهما:
| وكنا إذا الجبار صعر خدّه | أقمنا له من ميله فتقوما |
| جهير الكلام جهير العطاس | جهير الرداء جهير النعم |