
الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً
[الأنبياء: ٤٧] الآية، وقوله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: ٧ و ٨].
لطيفة:
قوله تعالى فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ الآية، من البديع الذي يسمى التتميم. فإنه تمم خفاءها في نفسها بخفاء مكانها من الصخرة. وهو من وادي قولها (كأنه علم في رأسه نار). يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ أي بحدودها وفروضها وأوقاتها، لتكميل نفسك بعبادة ربك وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ لتكميل غيرك وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ أي من المحن والبلايا. أو فيما أمرت به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الداعي إلى الحق معرّض لإيصال الأذى إليه. وهو أظهر. ويطابقه آية وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: ٣]، إِنَّ ذلِكَ إشارة إلى الصبر. أو إلى كل ما أمر به مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي مما عزمه الله من الأمور. أي قطعه قطع إيجاب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة لقمان (٣١) : الآيات ١٨ الى ١٩]
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ أي لا تعرض بوجهك عنهم، إذا كلمتهم أو كلموك، احتقارا منك لهم، واستكبارا عليهم. ولكن ألن جانبك، وابسط وجهك إليهم. كما جاء في الحديث «١» (ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي خيلاء متكبرا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ أي معجب في نفسه فَخُورٍ أي على غيره وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ أي توسط بين الدبيب والإسراع وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ أي انقص من رفعه، وأقصر، فإنه يقبح بالرفع حتى ينكره الناس، إنكارهم على صوت الحمير. كما قال إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
أخرجه الترمذي في: البر والصلة، ٤٥- باب ما جاء في طلاقة الوجه وحسن البشر، ونصه: كل معروف صدقة. وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك، عن جابر بن عبد الله
.

معللا للأمر على أبلغ وجه وآكده و (أنكر) بمعنى أوحش. من قولك (شيء نكر) إذا أنكرته النفوس واستوحشت منه ونفرت، كما يقال في العرف للقبيح (وحش) وأصله ضد الأنس والألفة. فهو إما مجاز أو كناية.
قال الزمخشريّ: الحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة وكذلك نهاقه. ومن استفحاشهم لذكره مجردا، وتفاديهم من اسمه، أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به. فيقولون (الطويل الأذنين) كما يكنى عن الأشياء المستقذرة. وقد عدّ في مساوي الآداب، أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة. ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافا، وإن بلغت منه الرحلة. فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق، ثم إخلاء الكلام من لفظ التشبيه، وإخراجه مخرج الاستعارة، وأن جعلوا حميرا، وصوتهم نهاقا- مبالغة شديدة في الذم والتهجين. وإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه. وتنبيه على أنه من كراهة الله بمكان. انتهى.
تنبيه:
جاء ذكر لقمان في أحاديث مرفوعة. منها ما
رواه الإمام أحمد «١» عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن لقمان الحكيم كان يقول: إن الله إذا استودع شيئا حفظه.
وروى ابن أبي حاتم عن القاسم بن مخيمرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قال لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه: يا بنيّ إياك والتقنع، فإنه مخوفة بالليل، مذمة بالنهار.
ومن الآثار فيه ما رواه ابن أبي حاتم عن السريّ بن يحيى قال: قال لقمان لابنه:
يا بنيّ إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك.
وعن عون بن عبد الله قال: قال لقمان لابنه: يا بنيّ! إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام (يعني السلام) ثم اجلس في ناحيتهم، فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا. فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل سهمك معهم. وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم. نقله ابن كثير رحمه الله.
ثم نبه تعالى خلقه على نعمه الوافرة المستتبعة انفراده بالألوهية، فقال سبحانه: