
من المواضع.
وقيل: إنما سميت مكة لأنها تبك أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها.
قال مقاتل: بكة ما بين الجبلين، ومكة الحرم كله وإنما سميت بمكة لأنها تمك المخ من العظم أي تمحقه لما يحتاج (إليه) الإنسان من السعي والطواف والعمل.
يقال: مككت العظم إذا أخرجت ما فيه.
وقيل: سميت مكة لأن الناس كانوا يمكون، ويضجون فيها من قوله:
﴿وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] يقول: تصفيق وصفير.
وقال الضحاك: بكة هي مكة، وعلى ذلك أهل اللغة أن الميم بدل من الباء كما يقال: لازب، ولازم وسبل شعره وسمله إذا استأصله.
وسميت بكة لأن الناس يتباكون حولها الرجال والنساء يعني يزدحمون، وقيل سميت بذلك لأنها تبك أعناق الجبابرة.
قوله ﴿فِيهِ ءايات بينات...﴾ الآية.
هي: مقام إبراهيم، المشعر الحرام ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾.
وقال مجاهد: مقام إبراهيم الحرم كله، وهي آيات كثيرة.
منها: الصفا والمروة والركن والحطيم والملتزم والحجر وغير ذلك، ومنها: أن الطائر لا يعلو البيت صحيحاً ويعلوه مريضاً للتشفي [به] ومنها: أن الجارح يتبع

الصيد فإذا دخل الحرم تركه. ومنها: أن الغيث إذا كان من ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمن، وإذا كان من ناحية الشامي كان الخصب بالشامي، والعراقي كذلك، وإن عم الأركان عم الخصب الدنيا.
ومنها: أن الجمار تزداد فيه كل عام لا يحصى كثرة وهي ترى على قدر واحد. وأمثال ذلك كثيرة لا تحصى.
وعلى هذا القول يكون ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ خبر مبتدأ.
وقد قرأ " فيه آيات بينة " على أنها المقام الموجود الساعة ويكون أيضاً ما بعد مبتدأ.
ومعنى: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ كان أهل الجاهلية من جنى منهم جناية ثم لجأ إلى حرم الله لم يطلب، ولم ينتصف وأما في الإسلام فليس يمنع من حدود الله تعالى مانع.
وعن يحيى بن جعدة ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ قيل: كان آمناً من النار.
وأهل التفسير على أن المعنى: ومن دخله فاراً من غيره مستجيراً به أمن ممن يطلبه.
وقيل: [المقام] هو الحجر الذي فيه أثر رجلي إبراهيم عليه السلام.

وروي أن الله تعالى أمره أن يؤذن بالحج كما قال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي الناس بالحج﴾ [الحج: ٢٧] فوقف على المقام وهو الحجر، فأعطاه الله في صوته ما يسمعه كل من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأعطاه من القوة حتى رسخت رجلاه مقر الحجر فنادى يا عباد الله، أجيبوا داعي الله، والحج إلى بيته الحرام يخرجك من النار، ويسكنكم الجنة " فالناس اليوم يلبون دعوة إبراهيم فمن أجابه مرة حج مرة ومن أجابه مرتين حج مرتين، وكذلك (أكثر) من ذلك.
قوله: ﴿وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً...﴾.
هذا فرض من الله واجب علينا مع وجود الاستطاعة.
قال ابن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهـ: الاستطاعة: الزاد والراحلة، وهو قول ابن جبير والحسن.
وعن ابن عباس: من ملك ثلاثمائة درهم فهو السبيل.
وقال الضحاك: إن قدر [أن] يؤاجر نفسه ويمشي فهو مستطيع.

وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " السبيل الزاد والراحلة ".
وعن علي رضي الله عنهـ أنه قال: من ملك زاداً وراحلة يبلغانه إلى بيت الله تعالى فلم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً.
وقال عكرمة: السبيل: الصحة.
وقال ابن زيد: السبيل القوة في النفقة والجسم والحملان.
وقيل السبيل الطاقة بأي وجه. وهو اختيار (الطبري) وجماعة من العلماء، وهو مذهب مالك وأصحابه.
والهاء في " إليه " تعود على البيت " وقيل على الحج ".

قوله: ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ أي: من لم يحج وهو يقدر عليه.
وقيل: معناه من لزمه فرض الحج فأنكره فإن الله غني عن حجه.
وقال ابن عباس: من كفر من قال الحج ليس بفرض.
وقيل: معناه من اعتقد أنه لا أجر له في سعيه وحجه، ولا إثم عليه في تأخيره قاله مجاهد. " وسأل رجل من هذيل النبي ﷺ قال: " يا نبي الله من تركه كفر؟ قال النبي ﷺ: " من تركه لا يخاف عقوبته، ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذلك " أي: كافر.
وعن مجاهد أيضاً أنه قال: معنى: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين﴾ أي: وكفر بالله واليوم الآخر، ويروى أن النبي ﷺ جمع الناس عند نزول فرض الحج، وخطبهم وأمرهم بالحج وأنه فرض عليهم. فحج البيت هو ملة واحدة وهي: من آمن بالله، وتركه خمس ملل، وهم الذين لم يؤمنوا بالنبي ﷺ فأنزل تعالى: ﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين﴾.
وعن ابن عباس أنه قال لما نزلت: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً﴾ الآية، قالت: الملل كلها نحن مسلمون فأنزل الله ﴿وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت﴾ فحج المؤمنون وقعد الكافرون.
قال ابن زيد معناه ومن كفر بهذه الآية يعني التي تقدم ذكرها وهي: مقام