
قوله عز وجل: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
يقال: دُمْتَ تدوم ودِمت تَدَامُ.
وقال بعضهم: مِت ودِمت، وكل يقول: تدوم وتموت،

وقوله (قائماً) قال قتادة: (قائماً) بالتقاضي والمطالبة.
وقال السدي: بالاجتماع معه، وقال غيرهما: القائم بالشيء:
المواظب على الشيء، المجتهد في حفظه، نحو قوله: (أُمَّةٌ قَائِمَةٌ)
وذلك يدخل فيه ما تقدم من الأقوال، وقد تقدم
الكلام في القنطار، ولما ذكر الله تَبَجحَ اليهود بأنهم أوتوا ما لم

يُؤت أحد، أكذبهم الله فذكر خيانتهم، لكن فضَلهم لِمَا كان من
جملتهم من له أمانة، وقال قائل: عنى بالذين يؤدون الأمانة
المسلمين منهم، مثل عبد الله بن سلام وأشكاله، ورد عليه
بعض الناس، وقال: إن الآية نزلت بعد إسلام عبد الله، وهذا
الرادّ يتصور أن أهل لا يُطلق على من أسلموا، وليس الأمر كذلك.
بل حقيقة أهل الكتاب يتناول من لا يُنكر صدقاً ولا يجحد حقًّا.
ولا يتناول من بقي بعد بعثة النبي - ﷺ - على دينه ولم يتبعه إلا مجازا، وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)

أي يخونون، ويقولون: لنا إصابة أموال العرب لشركهم، وإلى هذا
ذهب ابن عباس فقد قال له رجل: ، إنا نمر بأهل الكتاب
فنأكل من طعامهم، ونذبح لهم الدجاج، فقال: وتقولون كما
قال أهل الكتاب: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)، لا يجوز إلا بطيب
النفس).
قال الحسن وابن جريج: كانت اليهود عاملوا العرب.
فلمّا أسلموا امتنعوا من ردِّ أموالهم، وقالوا: لا يحق لكم بعد
أن دخلتم في الإِسلام، وقيل معناه: ليس علينا سبيل لكوننا
أبناء الله وأحباءه، ومن عدانا عبيدٌ لنا، ومالهم مالنا فلا حرج