
روى أن جماعة من أهل الكتاب قالوا لسفلتهم: آمنوا بمحمد أول النهار واكفروا آخره، فإن سئلتم في ذلك قولوا: آمنا حتى إذا رجعنا إلى التوراة والإنجيل عرفنا أنه ليس النبي المبشر به في التوراة فلعل ذلك يكون مدعاة لرجوع من آمن بمحمد.
ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الرسالة والنبوة إلا لمن تبع دينكم،
أى: لا تعترفوا أمام العرب مثلا بأنكم تعتقدون أنه يجوز أن يبعث نبي من غير بنى إسرائيل وهذا مبنى على أنهم ينكرون جواز بعثة نبي من العرب بألسنتهم مكابرة وعنادا للنبي صلّى الله عليه وسلّم لا اعتقادا، وأنهم كانوا لا يصرحون باعتقادهم المستكن في أنفسهم إلا لمن آمنوا له من قومهم وهذا مكرهم وخداعهم لئلا يزداد المسلمون ثباتا على الدين، والمشركون دخولا فيه، ولا تؤمنوا لغير أتباعكم لأن المسلمين يحاجونكم عند ربكم يوم القيامة ويغالبونكم عند الله بالحجة، وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ اعتراض على معنى: ليس إظهاركم أو إخفاؤكم له دخل في الهداية بل الهداية من الله والتوفيق، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
الأمانة والوفاء بالعهد عند اليهود [سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٥ الى ٧٧]
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧)

المفردات:
(قنطار) القنطار: العقدة الكبيرة من المال، أى: المقدار الكبير منه، وقيل: هو اسم للمعيار الذي يوزن به كالرطل والأوقية. الْأُمِّيِّينَ: العرب. سَبِيلٌ:
ذنب وتبعة. بِعَهْدِهِ العهد: ما تلتزم الوفاء به لغيرك. وَأَيْمانِهِمْ: جمع يمين، وهو في الأصل يطلق على اليد المقابلة للشمال، ثم أطلق على الحلف بالله لأن المتعاهد يضع يمينه على يمين صاحبه ويحلف على العهد.
المعنى:
تقدمت صفة ثابتة لبعض أهل الكتاب خصوصا اليهود وهي حبهم العميق لفتنة المسلمين وإضلالهم.
ومنهم من يتصف بالخيانة وعدم الوفاء واستحلال أكل أموال غير اليهود.
ولقد أنصفهم القرآن حيث قال: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ بقطع النظر عن دينك، كالسموءل بن عاديا اليهودي.
وكل جماعة فيهم الصالح والطالح، وإن تكن الجماعة اليهودية أغلبها طالح فاسد.
وانظر إلى تعبير القرآن الكريم يقول: ومن أهل الكتاب بدل ومنهم للإشارة إلى أن هذه الصفات يعتمدون فيها على الكتب المنزلة عليهم فهم يستحلون أكل مال غير اليهود باسم التوراة التي حرفوها، فهم قد زعموا أن التوراة لم تنههم إلا عن خيانة إخوانهم الإسرائيليين وأما الأميون فليس عليهم ذنب في أكل أموالهم إذ هم شعب الله المختار ومن سواهم لا حرمة له عند الله، فهو مبغوض ولا حق له ولا حرمة وعند ذلك يحل أكل ماله ومثل الأميين غيرهم مما عدا اليهود.
وهم يقولون على الله الكذب ويفترونه إذ كل الشعوب والأمم سواء لا فضل لعربي على عجميّ إلا بالتقوى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [سورة الحجرات آية ١٣].
والذي سول لهم هذا الزعم وأباح لهم هذا الكذب شياطينهم وأحبارهم فهم الذين حرفوا التوراة وبدلوها.