
قال بعض النحويين معنى: " أن " ههنا معنى " لا " وإنما المعنى أن لا
يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي لأن لا تؤتى فحذف " لا " لأن في الكلام دليلًا
عليها، كما قال اللَّه عزَّ وجلَّ: (يُبَين اللَّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلوا) أي لئلا تضلوا.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: " لا " ليست مما يحذف ههنا ولكن
الإضافة ههنا معلومة، فحذفتَ الأول وأقمتَ الثاني مقامه، المعنى يبين الله
لكم كراهة أن تضلوا وكذلك ههنا قال: إن الهدى هدى اللَّه كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم: أي من خالف دين الإسلام، لأن اللَّه لا يهدي من هو كاذب كفار، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ).
أي نبوته وهداه يؤتيه من يشاءُ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
اتفق أبو عمرو، وعاصم والأعمش وحمزة على إسكان الهاءِ من
(يؤده) وكذلك كل ما أشبه هذا من القرآن اتفقوا على إسكان الهاء فيه، نحو
(نُصْلِهِ جَهَنَّمَ) و (نُؤتهِ مِنْهَا)
وقوله: (مَا تولى) إِلا حرفاً حُكي عن

أبي عمرو.
وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو إنَّه كسر في (أَلْقِهْ إِلَيْهِمْ)
ولا فصل بين هذا الحرف وسائر الحروف التي جزمها.
أما الحكاية عن أبي عمرو فيه وفي غيره فغلط.
كان أبو عمرو يختلس الكسرة، وهذا كما غلطَ عليه في
(بَارِئْكُمْ) حكى القراء عنه أنه كان يحذفَ الهمزة فى بارئكم.
وحكى سيبويه عنه - وهو في هذا أضبط من غيره - أنه كان يكسر كسراً
خفياً، وأمَّا نافع وقُراءُ أهل المدينة فأشبعوا هذه الحروف فكسروا وأثبتوا
الياءات مثل (يؤده إليك) وهذا الإسكان الذي حكى عنه هُؤلاءِ غلط بين لا
ينبغي أن يقرأ به لأن الهاءَ لا ينبغي أن تجزم ولا تسكن في الوصل إنما تسكن
في الوقف.
وَفي هذه الحُرُوفِ أربعة أوجُهِ، يجوز إثْبات اليَاءِ، وَيجُوز حَذْفهَا
تقول: يؤَده إليك بالكسر، ويجوز: يَؤدِّ هُو إليْكَ بالضم بإثبات الواو بعد
الهاءِ، ويجوز حذف الواو وضم الهاءِ. فأما الوقف فلا وجه له، لأن الهاءَ
حرف خفي بُيِّن في الوصل بالواو في التذكير، قال سيبويه دخلت الواو فِي
التذكير كما دخلت الألف في التأنيث، (نحو) ضربتهو وضربتها، قال
أصْحَابه اختيرت الواو لأنها من طرف الشفتين والهاء من الحلق، فأبَانَتْ الواو

الهاءَ، وإنْمَا، تحذف الياءُ لعلة تقلب الواو إليها، فاذا حذفت الياءُ بقيت
الكسرة فأما في الوقف فلا يجوز ألبتَّة.
وقد أكثر الناس في تفسير القنطار، وقد حكينا ما قال الناس فيه.
ولم يتفقوا على تحديد في مقدار وزنه إلا أنهم قد اتفقوا في أنه الكثير من
المال.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا):
أكثر القراءَة (دُمْتَ) بضم الدال، وقد قرتتْ (دِمْت) فأما دُمْت فمن قولك.
دُمْت أدُوم إدْا بقيت على الشيءِ مثل قمتُ أقوم، وأما دِمْتُ - بالكسر - فعلى قولهم دِمْتَ تَدَام، مثل قولك: خِفْتَ تُخَافُ، ويقال قد ديم بفلان وأديمَ به بمعنى دِيرَ به وأدِير به، وهو الذي، به دُوامْ كقولهم: به دُوَام كقولهم: به دوار. ويقال دام المال إذا سكن يدوم فهو دائم ومنه:
" نهى النبي - ﷺ - أن يُبَال في الماءِ الدائِم "
أي الساكن، ويقال قد دوَّم الطائر في الجو تدويماً، وهو
يصلح أن يكون من وجهين، من دورانه في طيرانه ويصلح أن يكون من قلة
حركة جناحه، لأنه يرى كأنه ساكن الجناح.
ومعنى: (قائماً) أي إلا بدوامك قائماً على اقتضاء دينك.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (ذلِكَ بِأنَّهمْ قَالُوا).
أي فعلهم ذلك، بقولهم (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)
أي ليس علينا طريق في أخذ مَالِهمْ