
شرح الكلمات:
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ﴾ : اذكر لوفد نصارى نجران ما قالت الملائكة فإن ذلك دليل على صحة نبوتك، وصدقك في أمر التوحيد، وعدم ألوهية عيسى.
﴿اصْطَفَاكِ﴾ : اختارك لعبادته وحسن طاعته.
﴿وَطَهَّرَكِ﴾ : من الذنوب وسائر النقائص المخلة بالولاية لله تعالى.
﴿وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ١﴾ : أي فضلك على نساء العالمين بما أهلك له من كرامة ولادة عيسى من غير أب.
﴿اقْنُتِي٢﴾ : أطيعي ربك وأقنتي له واخشعي.
﴿وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ : اشهدي صلاة الجماعة في بيت المقدس.
﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾ : أي ما ذكرت من قصة مريم وزكريا من أخبار الغيب.
﴿لَدَيْهِمْ﴾ : عندهم وبينهم.
﴿إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ٣﴾ : جمع قلم وهو ما يكتب به وإلقاءها لأجل الاقتراع بها على كفالة مريم.
﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ : في شأن كفالة مريم عليها وعليهم السلام.
معنى الآيات:
يقول تعالى لنبيه اذكر لوفد نجران الذين يحاجونك في ألوهية المسيح، إذ قالت الملائكة مخاطبة مريم أم المسيح بما أهلها الله تعالى له وأكرمها به من اصطفاء٤ الله تعالى لها لتكون من صالحي عباده، وتطهيره إياها من سائر الذنوب والنقائص والعيوب مفضلاً على نساء عالمها حيث برأها وأكرمها وأظهر آية قدرته فيها فولدت عيسى بكلمة الله وليس على سنته
٢ روى عن الأوزاعي أنه قال: لما أمر تعالى مريم بالقنوت قامت في الصلاة حتى ورمت قدماها، وسألت دماً وقبحاً.
٣ ألقوها في نهر الأردن، وهو نهر جار وأفادت هذه الآية مشروعية القرعة وأنها وإن كانت في شرع من قبلنا إلا أنها شرعت لنا على لسان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها وكذا حديث: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".
٤ اختلف في نبوة النساء، ورجح كثيرون نبوة مريم لخطاب الملائكة لها وإخبارهم باصطفاء الله تعالى لها وهذا يرجح نبوتها. أما الرسالة فلا لأن الرسالة تتطلب الاتصال بالرجال، وهذا بتنافى مع كمال النساء وما خلقن له من الستر والحجاب.

تعالى في تناسل البشر من ذكر وأنثى، وأمرها بمواصلة الطاعة والإخبات والخشوع لله تعالى فقال: ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي١ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ٢﴾، وخص الصلاة بالذكر لأهميتها وذكرها بأعظم أركانها وهو السجود والركوع وفي بيت المقدس مع الراكعين.
هذا معنى الآيتين الأولى (٤٢) والثانية (٤٢)، أما الآية الثالثة (٤٤) فقد خاطب الرب تبارك وتعالى رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشيراً إلى ما سبق في هذا القصص المتعلق بآل عمران حنة ومريم وزكريا ويحي، ومريم أخيراً بأنه كله من أنباء الغيب، وإخباره يوحيه تعالى إليه فهو بذلك نبيه ورسوله، وما جاء به من الدين هو الحق، وما عداه فهو باطل، وبذلك تقرر مبدأ التوحيد، وأنه لا إله إلا الله، وبطل باطل أهل الكتاب فلا عزير ابن الله، ولا المسيح ابن الله، ولا هو إله مع الله، وإنما هو عبد الله ورسول الله. ثم تقريراً لمبدأ الوحي وتأكيداً له قال تعالى لرسوله أيضاً، وما كنت لديهم أي عند علماء بني إسرائيل وصلحائهم وفي حضرتهم، وهم يقترعون على النذيرة: "مريم" من يكفلها فرموا بأقلامهم في النهر فمن وقف قلمه في الماء كان كافلها بإذن الله، فالقوا أقلامهم تلك الأقلام التي كانت تكتب الحق والهدى لا الباطل والضلال كما هي أغلب أقلام أرباب الصحف والمجلات اليوم، فوقف قلم زكريا ففاز بكفالتها٣ بإذن الله تعالى وقد تقدم قول الله تعالى: فكفلها زكريا، بهذا قامت الحجة على أهل الكتاب وغيرهم بأنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدين الحق هو الإسلام وما عداه فباطل وضلال!.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- فضل مريم عليها السلام وأنها ولية صديقة، وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من كمل النساء ففي
٢ فيه دليل على صلاة المرأة في الجماعة، وقد سن ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل قوله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" وإن كان قوله ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ لا يستلزم الصلاة في جماعة إذ هو أمر بالركوع فقد تركع وحدها أو مع غيرها.
٣ قال القرطبي دلت هذه الآية: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ على أن الخالة أحق بالحضانة من سائر القرابات ما عدا الجدة. وقد قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ابنة حمزة "أمة الله" لجعفر لأن خالتها كانت تحته. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما الخالة بمنزلة الأم".