آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

العلماء في وجوب هجرة صاحبه من ديار الأعداء، فقال بعضهم: تجب لقوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة ٢/ ١٩٥] وللنهي عن إضاعة المال،
ولقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجه، وابن حبان عن سعيد بن زيد: «من قتل دون ماله فهو شهيد».
وقال آخرون: لا تجب لأنها مصلحة دنيويّة ولا تضرّ بالدّين. ولكن الراجح أن الهجرة قد تجب هنا أيضا إذا خاف هلاك نفسه أو أقاربه أو هتك عرضه.
٤- مداراة الناس بإظهار المحبة والولاء والموافقة: إن كانت فيما لا يؤدي إلى ضرر الغير، كما أنها لا تخالف أصول الدّين، فهي جائزة. وإن كانت تؤدي إلى ضرر الغير كالقتل والسرقة وشهادة الزّور، فلا تجوز. قال الحسن البصري: التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل.
٥- ينبغي دوام الحذر من عقاب الله وغضبه، حتى يكون الإنسان على طهر من المعاصي، ويحرص على زيادة القربات إلى ربّه، فهي التي تنفعه يوم القيامة، فيجازي كل إنسان بعمله: إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.
٦- علم الله واسع شامل، يعلم كل شيء كبيرا أو صغيرا، ويعلم ما في السموات والأرض، ويعلم خفيات النفوس وجلياتها، فسواء أظهر الإنسان شيئا أو أخفاه في صدره، فإن الله تعالى عالم به علما دقيقا تامّا، لا يختلف عليه شيء.
محبّة الله باتّباع الرّسول وطاعته
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)

صفحة رقم 205

البلاغة:
فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ أقام الظاهر وهو اسم الجلالة مقام المضمر، لتربية المهابة والرّوعة وتعظيم الله في النفوس.
ويوجد جناس مماثل في تُحِبُّونَ ويُحْبِبْكُمُ، وجناس مغاير في تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وفي يَغْفِرْ لَكُمْ وغَفُورٌ.
المفردات اللغوية:
تُحِبُّونَ اللَّهَ المحبّة: ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه، قال ابن عرفة: المحبّة عند العرب: إرادة الشيء على قصد له. وقال الأزهري: محبّة العبد لله ورسوله: طاعته لهما واتّباعه أمرهما، ومحبّة الله للعباد: إنعامه عليهم بالغفران، قال الله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ أي لا يغفر لهم.
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ أي يثيبكم. وَيَغْفِرْ لَكُمْ أي يتجاوز عن سيئاتكم وأباطيلكم.
أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فيما يأمركم به من التوحيد. فَإِنْ تَوَلَّوْا أعرضوا عن الطاعة، ولم يجيبوا دعوتك فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ أي يعاقبهم.
سبب النزول:
نزول الآية (٣١) :
أخرج ابن المنذر عن الحسن البصري قال: قال أقوام على عهد نبيّنا: والله يا محمد، إنا لنحبّ ربّنا، فأنزل الله: قُلْ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي الآية.
وقال محمد بن جعفر بن الزبير: نزلت في وفد نجران إذ زعموا أن ما ادّعوه في عيسى حبّ لله عزّ وجلّ.
وقال ابن عباس: إن اليهود لما قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ أنزل الله تعالى هذه الآية، فلما نزلت عرضها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على اليهود، فأبوا أن يقبلوها.

صفحة رقم 206

وعلى كلّ فالخطاب في الآية عام يشمل كل من ادّعى حبّ الله، أي طاعته واتّباع أمره، ولم يتّبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال ابن كثير: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادّعى محبّة الله، وليس هو على الطريقة المحمديّة، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتّبع الشّرع المحمدي والدّين النّبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت
في الصحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ».
المناسبة:
بعد أن نهى الله المؤمنين عن موالاة الكافرين، أوضح هنا أن طريق محبّة الله تعالى متابعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وامتثال أوامره واجتناب ما نهى عنه.
التفسير والبيان:
قل يا محمد لهم: إن كنتم تطيعون الله وترغبون في ثوابه، فامتثلوا ما أنزل الله علي من الوحي، يرض الله عنكم، ويغفر لكم ذنوبكم، أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبّتكم إياه، وهو محبّته إياكم، وهو أعظم من الأوّل.
والله غفور لمن أطاعه، واتّبع دينه، رحيم به في الدّنيا والآخرة، والطاعة تكون باتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
روي أنه لما نزل قوله: قُلْ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ.. قال عبد الله بن أبيّ زعيم المنافقين: إنّ محمدا يجعل طاعته كطاعة الله تعالى، ويأمرنا أن نحبّه، كما أحبّ النصارى عيسى، فنزل قوله: قُلْ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ.
أي قل لهم: أطيعوا الله باتّباع أوامره، واجتناب نواهيه، وأطيعوا الرّسول باتّباع سنّته والاهتداء بهديه واقتفاء أثره. وهذا يدلّ على أنّ الله إنما أوجب عليكم متابعة نبيّه لأنه رسوله، لا كما يقول النّصارى في عيسى عليه السلام.

صفحة رقم 207

فإن تولوا وأعرضوا، وخالفوا أمره، ولم يجيبوا دعوته غرورا منهم، بادّعاء أنهم أبناء الله وأحباؤه، أي محبون لله، فإنّ الله يجازي الكافرين ولا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم ويغضب عليهم لأنهم اتّبعوا أهواءهم، ولم يهتدوا إلى الدّين الحنيف. وهذا دليل على أنّ مخالفة النّبي صلّى الله عليه وسلّم في الطريقة والمنهج كفر، والله لا يحبّ من اتّصف بذلك، وإن ادّعى وزعم في نفسه أنه محبّ لله ويتقرّب إليه.
فقه الحياة أو الأحكام:
إن محبّة الله والرّسول تتجلّى في اتّباع الإسلام وإطاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعمل بشريعته، واتّباع أوامره واجتناب نواهيه.
ومحبة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا لذاته وإنما لكونه رسولا مرسلا من عند الله إلى جميع الثقلين: الجنّ والإنس.
فاتّباع شرع النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم هو دليل الحبّ الصادق، كما قال الورّاق:

تعصي الإله وأنت تظهر حبّه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
وقال سهل بن عبد الله: علامة حبّ الله: حبّ القرآن، وعلامة حبّ القرآن: حبّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلامة حبّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: حبّ السّنّة، وعلامة حبّ الله وحبّ القرآن وحبّ النّبي وحبّ السّنّة: حبّ الآخرة، وعلامة حبّ الآخرة: أن يحبّ نفسه، وعلامة حبّ نفسه: أن يبغض الدّنيا، وعلامة بغض الدّنيا: ألا يأخذ منها إلا الزّاد والبلغة.
وروى مسلم في صحيحة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله إذا أحبّ عبدا دعا جبريل فقال: إني أحبّ فلانا فأحبّه، قال: فيحبّه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه، قال: فيحبّه أهل السماء، وإذا

صفحة رقم 208
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية