آيات من القرآن الكريم

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

فَأَصْحَابُ الرَّأْيِ الْأَوَّلِ يَرَوْنَ تَعْلِيقَ الْمَحَبَّةِ بِذَاتِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا مَجَازًا بِتَشْبِيهِ الرَّغْبَةِ فِي مَرْضَاتِهِ بِالْمَحَبَّةِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ الثَّانِي يَرَوْنَهُ حَقِيقَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَمِنْ آثَارِ الْمَحَبَّةِ تَطَلُّبُ الْقُرْبِ مِنَ الْمَحْبُوبِ وَالِاتِّصَالِ بِهِ وَاجْتِنَابُ فِرَاقِهِ. وَمِنْ آثَارِهَا مَحَبَّةُ مَا يَسُرُّهُ وَيُرْضِيهِ، وَاجْتِنَابُ مَا يُغْضِبُهُ، فَتَعْلِيقُ لُزُومِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الرَّسُولَ دَعَا إِلَى مَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ وَإِلَى إِفْرَادِ الْوِجْهَةِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ.
وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْمَحَبَّةِ فِي قَوْلِهِ: يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ فَهُوَ مَجَازٌ لَا مَحَالَةَ أُرِيدَ بِهِ لَازِمُ المحبّة وَهُوَ الرضى وَسَوْقُ الْمَنْفَعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ تَجَلِّيَاتٍ لِلَّهِ يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ. وَهُمَا الْمُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ: يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْمَحَبَّةِ وَفِي الْقُرْآنِ:
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [الْمَائِدَة: ١٨].
وَتَعْلِيقُ مَحَبَّةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى فَاتَّبِعُونِي الْمُعَلَّقِ عَلَى قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ يَنْتَظِمُ مِنْهُ قِيَاسٌ شَرْطِيٌّ اقْتِرَانِيٌّ. وَيَدُلُّ عَلَى الْحُبَّ الْمَزْعُومَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ فَهُوَ حُبٌّ كَاذِبٌ، لِأَنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعٌ، وَلِأَنَّ ارْتِكَابَ مَا يَكْرَهُهُ الْمَحْبُوبُ إِغَاضَةٌ لَهُ وَتَلَبُّسٌ بِعَدُوِّهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ:

أَأُحِبُّهُ وَأُحِبُّ فِيهِ مَلَامَةً إِنَّ الْمَلَامَةَ فِيهِ مِنْ أَعْدَائِهِ
فَعُلِمَ أَنَّ حُبَّ الْعَدُوِّ لَا يُجَامِعُ الْحُبَّ وَقَدْ قَالَ الْعِتَابِيُّ:
تَوَدُّ عَدُوِّي ثُمَّ تَزْعُمُ أَنَّنِي صَدِيقُكَ لَيْسَ النَّوْكُ عَنْكَ بِعَازِبِ
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فِي قُوَّةِ التَّذْيِيلِ مِثْلَ جُمْلَةِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الْبَقَرَة: ٢٨٤] الْمُتَقَدِّمَةِ. وَلَمْ يُذْكَرْ مُتَعَلِّقٌ لِلصِّفَتَيْنِ لِيَكُونَ النَّاسُ سَاعِينَ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة.
[٣٢]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٣٢]
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)
عودة إِلَى الْمَوْعِظَةِ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ الْبَحْتِ: فَذْلَكَةً لِلْكَلَامِ، وَحِرْصًا عَلَى الْإِجَابَةِ،
- فَابْتَدَأَ الْمَوْعِظَةَ أَوَّلًا بِمُقَدِّمَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [آل عمرَان: ١٠]
- ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمَوْعِظَةِ بِقَوْلِهِ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ [آل عمرَان: ١٢] الْآيَةَ.

صفحة رقم 228
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية