
فهذا جملة تفسير وإعراب (اللَّهُمَّ).
ومعنى: (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) على ما ذَكَرْنا في (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ).
ومعنى: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ).
أي بِيَدِكَ الْخَيْرُ كله، خيرُ الدنيا وخيرُ الآخرة.
* * *
وقوله جلَّ وعزَّ: (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧)
المعنى: تدخل أحدهما في الآخر يقال: ولج الشيءُ إذا دخل يلج
وُلُوجاً وَوَلْجَة، وَالْوَلْج والوَلْجَةُ شيء يكون بين يدي فناء.
فمعنى: (تولج الليل في النهار) أي تنقص من الليل فتدخل ذلك
النقصان زيادة في النهار، وتنقص من النهار فتدخل ذلك النقصان زيادة في
الليل.
(وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ).
أي تخرج الإنسان من النطْفَةِ، والطائِر من البَيضةِ، وتخرج للناس
الحب الذي يعيشون به من الأرض الميتة.
(وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ).
أي تخرج النطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر.
ومعنى (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
أي بغير تقتير، وهذا مستعمل في اللغة، يقال للذي ينفق موسعا: فلان
ينفق بغير حساب، أي يوسع على نفسه، وكأنه لا يحسب ما أنفقه إنفاقاً.
وذكر الله جلَّ وعزَّ بعد هذا التقديس والتعظيم أمر المنافقين فقال:
(لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨)
القراءة بالجزم، وكسر الذال لالتقاءِ السَّاكنين، ولو رفعت لكان وجهاً

فقلت: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
المعنى: أنه من كان مؤمناً فلا ينبغي أن يتخذ الكافر ولياً لأن ولي الكافر راض بكفره، فهو كافر.
قال الله جلَّ وعزَّ: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).
وقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
ومعنى: (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي لا يجعل ولاية لمن هو غير مؤمن، أي
لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين، وهذا كلام جرى على المثل
في المكان كما تقول زيد دونك فلست تريد أنه في موضع مستقل وأنك في
موضع مرتفع، ولكنك جعلتَ الشرفَ بمنزلةِ الارتفاعِ - في المكان، وجعلت
الخِسَّة كالاستقبال في المكان.
فالمعنى: أن المكان المرتفع في الولاية مكان المؤْمنين.
فهذا بيان قوله: (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
ومعنى: (ومَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيءٍ).
أي من يَتَول غيرَ المؤمنين فاللَّهُ بَرِيءٌ منه.
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً).
و (تَقِيَّةً) قُرئَا جَمِيعاً. فأباح الله جلَّ وعزَّ الكفر مع القصة.
والتَقِيَّةُ خوفُ القتل، إِلا أن هذه الِإباحة لا تكون إِلا مع سلامة النية وخوف القتل.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ).