
وقوله: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
قيل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ): يعرف الخلق عدده ومقداره.
وقيل: بغير تبعة ولا طلبة؛ أي: لا يحاسبهم فيما أعطاهم من بعد ما أعطاهم.
ويحتمل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ)، أي: لا يعطيهم بحساب أعمالهم، ولكن بتفضل، خلافًا للمعتزلة.
ويحتمل: (بِغَيْرِ حِسَابٍ): في الآخرة.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " بغير هنداز - فارسية معربة ".
وعن مقاتل: " لا يقدر ذلك غيره؛ يقول: ليس فوقي ملك يحاسبني، أنا الملك أُعطي من شئت بغير حساب، لا أخاف من أحد يحاسبني ". واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)
وقوله: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل وجهين:
يحتمل: (لَا يَتَخِذِ)، أي: لا يكونون أولياء لهم، وإن اتخذوا أولياء؛ بل هم لهم أعداء؛ كقوله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...)، إلى آخر الآية.
ويحتمل: على النهي، أي: لا تتخذوا أولياء؛ كقوله: (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)

وكقوله: (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ).
وقوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً): اختلف فيه: قيل: إلا أن يكون بينكم وبينهم قرابة ورحم؛ فتصلون أرحامهم من غير أن تتولوهم في دينهم، على ما جاء عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما مات أبوه أبو طالب -: " إِنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ تُوفي "، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - " اذْهَبْ فَوَارِهِ ".
ويحتمل قوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) على أنفسكم (مِنْهُمْ تُقَاةً)، إلا أن تخافوا منهم فتظهروا لهم ذلك مخافة الهلاك، وقلوبكم على غير ذلك.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " التَّقِيَّةُ: التكلُّمُ بِاللسَانِ، وَقَلْبُه مُطْمَئِن بِالإيمَانِ ".
وقوله: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ):
قيل: عقوبته.
وقيل: نقمته؛ يقول الرجل لآخر: احذر فلانًا، إنما يريد نقمته وبوائقه؛ فعلى