
مقتضى الظاهر أن يقال: وما لهم من أنصار أو وماله من أنصار، مراعاة لمعنى «من» أو لفظها، ولكنه أظهر إشعارا بتخصيص الخزي بهم.
الفوائد:
قال أبو حيان: «سمع» إن دخل على مسموع تعدّى لواحد نحو: سمعت كلام زيد، كغيره من أفعال. وإن دخل على ذات وجاء بعده فعل أو اسم في معناه، نحو: سمعت زيدا يتكلم، وسمعت زيدا يقول كذا، ففي هذه المسألة خلاف، منهم من ذهب الى أن ذلك الفعل أو الاسم إن كان قبله نكرة كان صفة لها، أو معرفة كان حالا منها. ومنهم من ذهب الى أن ذلك الفعل أو الاسم هو في موضع المفعول الثاني ل «سمع» وجعل «سمع» مما يتعدى الى واحد إن دخل على مسموع والى اثنين إن دخل على ذات».
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩٤ الى ١٩٥]
رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤) فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥)

الإعراب:
(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) كلام معطوف على ما تقدم من ابتهالات وربنا منادى مضاف وآتنا عطف على أفعال الدعاء المتقدمة ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول وما اسم موصول مفعول به ثان وجملة وعدتنا صلة الموصول وعلى رسلك جار ومجرور متعلقان بوعدتنا، ولا بد من حذف مضاف أي: على ألسنة رسلك، أو على تصديق رسلك، ولك أن تعلقهما بمحذوف حال أي:
منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك، لأن الرسل محملون ذلك (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) الواو عاطفة ولا ناهية وتخزنا فعل مضارع مجزوم بلا ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به ويوم القيامة ظرف زمان متعلق بتخزنا (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) الجملة تعليلية لا محل لها لتعليل السؤال منهم، وهو باب من أبواب اللجوء الى الله، وإلا فإن الله لا يخلف الميعاد. وإن واسمها، وجملة «لا يخلف الميعاد» خبر إنّ (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) الفاء استئنافية واستجاب فعل ماض ولهم جار ومجرور متعلقان باستجاب وربهم فاعل وأني: ان واسمها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان باستجاب لتبيان السبب كأنه قال: فاستجاب لهم ربهم بسبب أني لا أضيع، وجملة لا أضيع خبر أنّ وعمل عامل مفعول به ومنكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لعامل (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من عامل بعد وصفه أي استقر منكم حاله كونه من ذكر أو أنثى، أو صفة ثانية لعامل. وأعربه أبو البقاء بدلا مطابقا من منكم، وهو سائغ أيضا، وبعضكم مبتدأ ومن بعض جار ومجرور متعلقان

بمحذوف خبر، والجملة مستأنفة مسوقة لتبيين شركة النساء مع الرجال في الثواب، وجعلها بعضهم معترضة، وما أحسبها بعيدة، لأنها وقعت بين قوله «عمل عامل» وبين ما فصل به عمل العاملين فصح كونها واقعة بين كلامين متصلين ورجحها الزمخشري (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) الفاء استئنافية للتفريع وذلك للدلالة على أن الجزاء لا يكون إلا لمن جمع هذه الصفات متعددة، فالجملة مستأنفة لا محل لها والذين مبتدأ وجملة هاجروا صلة الموصول وأخرجوا عطف على هاجروا ومن ديارهم جار ومجرور متعلقان بأخرجوا (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا) الجملة كلها معطوفة داخلة في حيز الصلة (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) اللام جواب قسم محذوف وأكفرن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والجملة القسمية خبر الذين، وهنا لا بد من دفع اعتراض معترض يقول: إن الجملة الواقعة جوابا للقسم لا محل لها فكيف ساغ أن تكون هنا خبرا ويتلخص الدفع بأن المقصود مجموع القسم وجوابه.
وعنهم جار ومجرور متعلقان بأكفرن وسيئاتهم مفعول به (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الواو عاطفة ولأدخلنهم عطف على لأكفرن والهاء مفعول به وجنات منصوب بنزع الخافض أو مفعول به ثان على السعة وجملة تجري من تحتها الأنهار صفة لجنات (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ثوابا مفعول مطلق لفعل محذوف يفيد التأكيد، وأجازوا إعرابها حالا من جنات أي: مثابا بها، أو من الضمير الواقع مفعولا به أي حال كونهم مثابين، وهو جائز. ومن عند الله جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لثوابا (وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) الواو استئنافية والله مبتدأ وعنده ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم وحسن الثواب مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية خبر «الله».

البلاغة:
١- في هذه الآية فن منقطع النظير يمكن تسميته «الاسجال» وحدّه أن يقصد المتكلم غرضا من الأغراض فيأتي بألفاظ تقرر ذلك الغرض: فقد سجل المولى سبحانه على ألسنة عباده تحقيق موعوده على لسان رسوله، وتأمل كلمة «ما وعدتنا» تجد أن هذا الوعد قد أصبح مبرما لا انفكاك لإبرامه. ومن طريف ما ورد منه شعرا قول ابن نباتة السعديّ:
جاء الشتاء وما عندي له عدد | إلا ارتعادي وتصفيقي بأسناني |
فإن هلكت فمولانا يكفنني | هبني هلكت فهبني بعض أكفاني |
٢- الالتفات في قوله «فاستجاب لهم ربهم» فقد التفت من الغيبة الى التكلم لاظهار كمال الاعتناء بصدد الاستجابة وتشريف الداعين وتسوية الرجال والنساء وشركة النساء مع الرجال في العمل والجزاء عليه بعد أن كانت المرأة مغموطة الحق في الجاهلية.
روي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، إني أسمع الله تعالى يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت. صفحة رقم 142