آيات من القرآن الكريم

رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﲿ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

وكبرياء سلطانه. وعن سفيان الثوري أنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء، فلما رأى الكواكب غشى عليه، وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته. وعن النبىّ صلى اللَّه عليه وسلم «بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال: أشهد أنّ لك رباً وخالقاً، اللهمّ اغفر لي، فنظر اللَّه إليه فغفر له» «١» وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم «لا عبادة كالتفكر «٢» » وقيل: الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات، وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة. وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له في كل يوم مثل عمل أهل الأرض» «٣» قالوا:
وإنما كان ذلك التفكر في أمر اللَّه الذي هو عمل القلب، لأن أحداً لا يقدر أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا على إرادة القول. أى يقولون ذلك وهو في محل الحال، بمعنى يتفكرون قائلين. والمعنى: ما خلقته خلقاً باطلا بغير حكمة، بل خلقته لداعي حكمة عظيمة، وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك ولذلك وصل به قوله فَقِنا عَذابَ النَّارِ لأنه جزاء من عصى ولم يطع. فإن قلت:
هذا إشارة إلى ماذا؟ قلت: إلى الخلق على أن المراد به المخلوق، كأنه قيل: ويتفكرون في مخلوق السموات والأرض، أى فيما خلق منها. ويجوز أن يكون إشارة إلى السموات والأرض لأنها في معنى المخلوق. كأنه قيل: ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلا. وفي هذا ضرب من التعظيم كقوله: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ويجوز أن يكون باطلا حالا من هذا. وسبحانك:
اعتراض للتنزيه من العبث، وأن يخلق شيئاً بغير حكمة.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩٢ الى ١٩٤]
رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢) رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤)

(١). أخرجه الثعلبي من رواية زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة وفي إسناده من لا يعرف.
(٢). أخرجه ابن حبان في الضعفاء، والبيهقي في الشعب من رواية أبى رجاء محمد بن عبد اللَّه الخرطى من أهل شر عن شعبة عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على رضى اللَّه عنه أنه قال لابنه الحسن «يا بنى، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: لا مال أعوز من العقل، ولا فقر أشد من الجهل، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كحسن الخلق، ولا عبادة كالتفكر... الحديث بطوله» وأبو رجاء، قال البيهقي: ليس بالقوى، وقال ابن حبان يروى عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات.
(٣). لم أجده.

صفحة رقم 454

فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ فقد أبلغت في إخزائه. وهو نظير قوله فقد فاز. ونحوه في كلامهم: من أدرك مرعى الصمان «١» فقد أدرك، ومن سبق فلانا فقد سبق وَما لِلظَّالِمِينَ اللام إشارة إلى من يدخل النار وإعلام بأنّ من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها «٢»، تقول:
سمعت رجلا يقول كذا، وسمعت زيداً يتكلم. فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع، لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالا عنه فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد، وأن يقال سمعت كلام فلان أو قوله. فإن قلت: فأىّ فائدة في الجمع بين المنادى وينادى؟ قلت: ذكر النداء مطلقاً ثم مقيداً بالإيمان تفخيما لشأن المنادى لأنه لا منادى أعظم من مناد ينادى للإيمان. ونحوه قولك: مررت بهاد يهدى للإسلام. وذلك أنّ المنادى إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب، أو لإطفاء النائرة، أو لإغاثة المكروب، أو لكفاية بعض النوازل، أو لبعض المنافع، وكذلك الهادي قد يطلق على من يهدى للطريق ويهدى لسداد الرأى وغير ذلك فإذا قلت: ينادى للإيمان، ويهدى للإسلام، فقد رفعت من شأن المنادى والهادي وفخمته. ويقال: دعاه لكذا وإلى كذا، وندبه له وإليه، وناداه له وإليه. ونحوه: هداه للطريق وإليه، وذلك أن معنى انتهاء الغاية ومعنى الاختصاص واقعان جميعاً، والمنادى هو الرسول (أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ)، (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ). وعن محمد بن كعب: القرآن. أَنْ آمِنُوا أى آمنوا، أو بأن آمنوا ذُنُوبَنا كبائرنا سَيِّئاتِنا صغائرنا مَعَ الْأَبْرارِ مخصوصين بصحبتهم، معدودين في جملتهم. والأبرار: جمع برّ أو بارّ، كرب وأرباب، وصاحب وأصحاب عَلى رُسُلِكَ على هذه صلة للوعد، كما في قولك: وعد اللَّه الجنة على الطاعة. والمعنى: ما وعدتنا على تصديق رسلك. ألا تراه كيف أتبع ذكر المنادى للإيمان وهو الرسول وقوله آمنا وهو التصديق ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف، أى ما وعدتنا منزلا على رسلك، أو محمولا على رسلك، لأن الرسل محملون ذلك (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) وقيل: على ألسنة رسلك. والموعود هو الثواب. وقيل:
النصرة على الأعداء. فإن قلت: كيف دعوا اللَّه بإنجاز ما وعد واللَّه لا يخلف الميعاد؟ قلت: معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد أو هو باب من اللجأ إلى اللَّه والخضوع له، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون مع علمهم أنهم مغفور لهم، يقصدون بذلك

(١). قوله «من أدرك مرعي الصمان» في الصحاح: موضع إلى جنب رمل عالج. وعالج: موضع بالبادية به رمل. (ع)
(٢). قوله «فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة، فمن يدخل النار من المؤمنين يخرج بالشفاعة أو بالعفو، كما حقق في محله. (ع)

صفحة رقم 455
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية