آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ

لظُهُورِ رُشدِهِ، وموضع الحظِّ (١) فيه، فيجب التَّمَسُّكُ به (٢).
ومعنى قول ابن عباس: (مِنْ حقيقة الإيمان)؛ أي: مِمَّا عَزَمْتم عليه مِنَ الأمر، وهو الإيمانُ والتصديق لِوَعْدِ الله بالنُّصْرِةِ.
١٨٧ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ الآية.
قال ابن عباس (٣)، والسدّي (٤)، والكلبي (٥)، والمفسِّرون (٦): نَزَلت في يهود المدينة، أخَذَ اللهُ ميثاقهم في التوراة، لَيُبَيِّنُنَّ شأن محمد - ﷺ -، ونَعْتِهِ، وَمَبْعَثِهِ، ولا يُخْفُونَه، فَنَبَذوا الميثاقَ، ولم يَعْمَلُوا به (٧).

(١) في (ج): (الخط).
(٢) العَزْمُ -في اللغة-: الجِدُّ، وما عَقَد عليه قلْبُك مِنْ أنك فاعله. و (عَزَمَ الأمْرُ): جَدَّ الأمر. و (عزائم الأمور، وعَوازِمُها): فرائضها التي عَزَمَ اللهُ علينا بفعلها، أو التي يُؤَكَد الرأي أو النية والعزم عليها. و (عزائم الله): فرائضه التي أوجبها علينا.
انظر (عزم) في: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٥، و"اللسان" ٥/ ٢٩٣٢، و"الكُلِّيَّات" لأبي البقاء ٦٥٠، و"المصباح المنير" ١٥٥.
(٣) قوله في: "تفسير الطبري" ٤/ ٢٠٢، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٨٣٥، و"النكت والعيون" ١/ ٤٤١، و"زاد المسير" ١/ ٥٢١، و"الدر المنثور" ٢/ ١٨٩.
(٤) قوله في: "تفسير الطبري" ٤/ ٢٠٢، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٨٣٦، و"النكت والعيون" ١/ ٤٤١، و"زاد المسير" ١/ ٥٢١.
(٥) لم أقف على مصدر قوله.
(٦) منهم: سعيد بن جبير، وابن جريج، ومقاتل.
انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٣٢٠، و"تفسير الطبري" ٤/ ٢٠٢، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٨٣٥ - ٨٣٦، و"زاد المسير" ١/ ٥٢١، و"الدر المنثور" ٢/ ١٩٠.
(٧) وذهب قتادة إلى أن الآية مَعنِيٌّ بها كل من أوتي علمًا بأمر الدين. انظر: "تفسير الطبري" ٧/ ٤٦١، و"ابن أبي حاتم" ٩٤٨، و"الثعلبي" ٣/ ١٦٨أ، و"الدر المنثور" ٢/ ٤٠٢، وزاد نسبة إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر. وهو قول محمد بن كعب، والحسن. انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٦٨ أ، و"تفسير =

صفحة رقم 239

قوله تعالى: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ (١) يُقرأ بالياء والتاء (٢). فَمَن قرأ بالياء؛ فلأنهم غَيْبٌ. ومن قرأ بالتاء؛ حَكَى المخاطبةَ التي كانت في وقت أخذ الميثاق.
ومثل (٣) هذه الآية: قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: ٨٣]، بالياء والتاء (٤). وقد تقدم القول في ذلك.

= القرطبي" ٤/ ٣٠٤.
ولا تعارض بين القولين؛ لأن الآية وإن كانت خاصة في اليهود، إلا أنَّ العِبْرَة بعموم لفظها، فيدخل فيها هم وغيرُهم مِنْ أصحابِ العِلْمِ، ولذا قال ابن عَطِيَّة: (الآية توبيخ لِمُعاصِرِي النبي - ﷺ -، ثم هو مع ذلك خبر عامٌّ لهم ولغيرهم)، ثم تابع قائلاً: (وقال جمهورٌ من العلماء: الآية عامَّةٌ في كلِّ مَنْ عَلَّمه اللَهُ عِلْما، وعلماءُ الأمَّةِ داخلون في هذا الميثاق).
"المحرر الوجيز" ٣/ ٤٤٩ - ٤٥٠، وانظر: "تفسير القرطبي" ٤/ ٣٠٤، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٤٧٢.
(١) (أ)، (ب)، (ج): ﴿ولا يكتمونه﴾. والمثبت وفق رسم المصحف الشريف.
(٢) قرأ بالياء فيهما -على الغيبة-: ﴿لَيُبَيِّنُنَّهُ﴾، ﴿ولا يَكتُمُونَه﴾: ابنُ كثير، وأبو عمرو، وعاصم -في رواية أبي بكر عنه-.
وقرأ الباقون -نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم، في رواية حفص- بالتاء فيهما -على الخطاب-.
انظر: "السبعة" ٢٢١، و"القراءات"، للأزهري ١/ ١٣٤، و"إعراب القراءات السبع" لابن خالويه ١/ ١٢٥، و"الحجة" للفارسي ٣/ ١٠٦، و"الإقناع" ٢/ ٦٢٥.
(٣) في (ج): (وميث) بدلًا من: (ومثل).
(٤) قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: ﴿لا يَعبدون﴾ -بالياء-. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وعاصم، وابن عامر: ﴿لَا تَعْبُدُونَ﴾ -بالتاء-.
انظر: "الحجة" للفارسي ٢/ ١٢١، و"الكشف" لمكي ١/ ٢٤٩.

صفحة رقم 240

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ (١) ولم (٢) يقل: ولا تكتُمُنَّهُ (٣)؛ كما قال: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾ (٤)؛ لأنه في معنى الحال (٥)، لا في معنى الاستقبال المعطوفِ على ما قبله.
كأن المعنى: لَتُبَيِّنُنَّه للناس غيرَ كاتِمِينَ (٦). و (الهاء) في ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾، يعود (٧) على محمد - ﷺ -، في قول أكثر المفسرين (٨). فهو عائدٌ على معلوم، ليس بمذكور.
وفي قول الحسن، وقَتَادة (٩): يعود على الكتاب، في قوله: ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾، [ويدخُلُ فيه بَيانُ أمرِ النبي - ﷺ -؛ لأنه في الكتاب] (١٠).

(١) في (أ)، (ب)، (ج): ﴿ولا يكتمونه﴾. والمثبت وفق رسم المصحف الشريف.
(٢) في (ج): (فلم).
(٣) في (ج): (ولاي كتمنه).
(٤) في (أ): (ليبيننه)، والمثبت من (ب)، ورسم المصحف الشريف. ومن قوله: (لتبيننه..) إلى (.. كأن المعنى): ساقط من (ج).
(٥) أي: أن الواوَ واوُ الحال. والفعل بعدها منصوب على الحال.
(٦) واستحسن أبو حيان أن تكون الواو للعطف، وأن الفعل بعدها من جملة المقسم عليه، ولكنه لم يُؤَكَّد؛ لأنه منفيٌّ؛ كما تقول: (والله لا يقوم زيد). وقال: (وهذا الوجه -عندي- أعْرَب وأفصح). "البحر المحيط" ٣/ ١٣٦.
(٧) في (ج): (تعود).
(٨) منهم: السدي، وسعيد بن جبير، ومقاتل. وإليه ذهب الطبري. وقال ابن الجوزي: (وهذا قول من قال: هم اليهود)، أي: المَعْنِيِّينَ بالآية.
انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٣٢٠، و"تفسير الطبري" ٤/ ٢٠٢، و"زاد المسير" لابن الجوزي ١/ ٥٢١، و"الدر المنثور" ٢/ ١٩٠.
(٩) انظر قولهما في: "النكت والعيون" ١/ ٤٤٢، و"زاد المسير" ١/ ٥٣١، و"تفسير القرطبي" ٤/ ٣٠٤.
(١٠) ما بين المعقوفين زيادة من (ج).

صفحة رقم 241

قال الحسن (١): هذا ميثاق الله على علماء أهل الكتاب، أن يُبَيِّنوا للناس ما في كتابهم، وفيه ذكر رسول الله - ﷺ -، والإسلام، فَنَبَذُوه وَرَاءَ ظُهورهم.
وقال قتادة (٢)، والقُرَظِيُّ (٣): كلّ مَنْ أوتي عِلْمَ شيءٍ مِنْ كُتُبِ (٤) الله -جل وعز- (٥)، فقد أخذَ ميثاقُهُ: أنْ يُبَيِّنَه للناس ولا يكتُمَه.
وقوله تعالى: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾.
قال (٦) ابن عباس (٧): يريد: ألقوا ذلك الميثاقَ خَلْفَ ظهورهم.
وقال أهل المعاني (٨): تركوا العَمَلَ (٩) به (١٠)، وقد كانوا

= قال ابن الجوزي عن هذا الرأي: (وهو أصح؛ لأن الكتاب أقرب المذكورين، ولأن مِنْ ضرورة تَبْيِينِهم ما فيه، إظهار صفة محمد - ﷺ -). "زاد المسير" ١/ ٥٢١.
(١) لم أقف على مصدر قوله.
(٢) قوله في: "تفسير الطبري" ٤/ ٢٠٣، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٨٣٦، و"معاني القرآن"، للنحاس ١/ ٥٢٠، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٦٨ أ، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٢/ ١٩٠ وزاد نسبة إخراجه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٣) قوله في: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٦٨ أ، و"تفسير القرطبي" ٤/ ٣٠٤.
(٤) في (ب): (كتاب).
(٥) (جل وعز): ليس في (ج).
(٦) من قوله: (قل..) إلى (.. خلف ظهورهم): ساقط من (ج).
(٧) لم أقف على مصدر قوله.
(٨) ممن قال بذلك: الشعبي. انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ٢٠٤، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٨٣٧. وقال به أبو عبيدة في "مجاز القرآن" ١/ ١١١، وأبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ٣٢٢.
(٩) في (ج): (العلم).
(١٠) (به): ساقطة من (ج).

صفحة رقم 242
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية