آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

والتقوى، فقال: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾ فإن صبركم وتقواكم مما أوجب الله تعالى عليكم وليس هو من باب الندب والاستحباب بل هو من باب الفرض والوجوب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- ليست الدار الدنيا بدار جزاء وإنما هي دار عمل.
٢- تعريف الفوز الحق وهو الزحزحة عن النار ودخول الجنة.
٣- بيان حقيقة هذه الحياة وأنها كمتاع خادع لا يلبث أن يتلاشى ويضمحل.
٤- الابتلاء ضروري فيجب الصبر والتقوى فإنهما من عزائم الأمور لا من رخصها.
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ١ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) ﴾
شرح الكلمات:
الميثاق: العهد المؤكد باليمين.
﴿أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ : اليهود والنصارى.
الكتمان: إخفاء الشيء وجحوده حتى لا يرى ولا يعلم.
﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ : ألقوه وطرحوه ولم يلتفتوا إليه، وهو ما أخذ عليهم العهد والميثاق فيه من الإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به من الإسلام.

١ الضمير عائد إلى الكتاب، أي: أقسم عليكم بجلالي وكمالي لتظهرن جميع ما في الكتاب من الأحكام والأخبار، ومنها: نعوت النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفاته.

صفحة رقم 422

﴿وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ : اعتاضوا عنه حطام الدنيا ومتاعها الزائل إذ كتموه. إبقاء على منافعهم الدنيوية.
﴿أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ : أي: يثني عليهم ويذكروا بخير وهم لم يفعلوا ما يوجب لهم ذلك.
﴿بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ﴾ : بمنجاة من العذاب في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في اليهود فيقول تعالى لنبيه، واذكر لهم إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، وهم اليهود والنصارى أخذ على علمائهم العهد المؤكد بأن يبينوا للناس نعوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتابهم، وأن يؤمنوا به ويتابعوه على ما جاء به من الهدى ودين الحق وهو الإسلام، ولكنهم كتموه ونبذوه وراء ظهورهم فلم يلتفتوا إليه واستبدلوا بذلك ثمناً قليلاً وهو الجاه والمنصب والمال، قال تعالى: ﴿وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ وذم الله تعالى ذلك الثمن القليل فقال: ﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾، هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٨٧)، وأما الآية الثانية (١٨٨) ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا١ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. فإن الله تعالى يقول لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تحسبن يا رسولنا الذين يفرحون بما أتوا من الشر والفساد بتحريف كلامنا وتبديل أوامرنا وتغيير شرائعنا وهم مع ذلك يحبون أن يحمدهم الناس أي يشكروهم ويثنوا عليهم، ما لم يفعلوا من الخير والإصلاح إذ عملهم كان العكس وهو الشر والفساد من اليهود، ولا تحسبنهم بمفازة، أي: بمنجاة من العذاب، ولهم عذاب أليم يوم القيامة. وأما الآية الثالثة ١٨٩) فقد أخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض، وأنه على كل شيء قدير فدلل بذلك على قدرته على البطش بالقوم والانتقام منهم، وأنه منجز وعيده لهم وهو عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة فقال: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

١ روى البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري: أن رجالاً من المنافقين كانوا إذا خرج الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغزو اعتذروا وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت هذه الآية. وروي في سبب نزولها الخبر الآتي: إن مروان بعث بأحد رجاله إلى ابن عباس يسأله قائلاً: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعين؟ فقال ابن عباس: "ما لكم وهذه إنما نزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ﴾ إلى قوله: ﴿ولَهمْ عَذَابْ أليِم﴾.

صفحة رقم 423

هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- أخذ الله الميثاق على علماء أهل الكتاب ببيان الحق يتناول علماء١ الإسلام فإن عليهم أن يبثوا الحق ويجهروا به، ويحرم عليهم كتمانه٢ أو تأويله إرضاء للناس ليحوزوا على مكسب دنيوي مالاً أو جاهاً أو سلطاناً.
٢- لا يجوز للمسلم أن يحب أن يحمد بما لم يفعل من الخير والمعروف، بل من الكمال أن لا يرغب المسلم في مدح الناس وثنائهم وهو فاعل لما يستوجب ذلك فكيف بمن لم يفعل ثم يحب أن يحمد. بل بمن يفعل الشر والفساد ويحب أن يحمد عليه بالتصفيق٣ له وكلمة يحي فلان...
٣- ملك الله تعالى لكل شيء وقدرته على كل شيء توجب الخوف منه والرغبة إليه وأكثر الناس عن هذا غافلون، وبه جاهلون.
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ

١ قال محمد بن كعب لا يحل لعالم أن يسكت على علمه ولا لجاهل أن يسكت على جهله، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ الآية، وقال: ﴿فأسْأَلوُا أَهْل الذِكرْ إنْ كُنتمْ لا تَعْلَموُن﴾، وقال على رضي الله عنه: "ما أخذ الله على الجاهلين أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا".
٢ شاهده ما جاء من طرق متعددة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "من سُئل عن عمل فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار". وشاهده أيضاً: حديث البخاري: "من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة".
٣ هذا حال الكثير من زعماء أمة الإسلام في عصور انحطاطها وفساد عقائدها وأخلاقها وانحراف سلوكها نتيجة كيد المجوس لها واليهود والنصارى كذلك.

صفحة رقم 424
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية