آيات من القرآن الكريم

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ
ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠) [آل عمران: ٣/ ١٩٠].
والرسول يزكّي النفوس، ويطهرها من كل دنس وفحش ورذيلة وكفر ومعصية، واستطاع أن يخرج من العرب الجاهليين أمة لها نظام وحكم وسياسة وإدارة فاقت كل نظام سابق، ويعلّم الرسول أمته القرآن والكتابة والحكمة والسنة النبوية حتى صار منهم الكتّاب والعلماء والحكماء والقادة في جميع العلوم والمعارف، وإن كانوا سابقا في متاهة وضلال مبين.
والخلاصة: إن رسالة السماء تتطلب من الناس الحفاظ على الحقوق فلا سرقة ولا خيانة من المغنم، وهم أمة الحضارة والمدنية إن اتبعوا تعاليم القرآن وفهموا أسرار التشريع وعملوا بمنهج النبي صلّى الله عليه وسلّم وسيرته العطرة.
إرشاد المؤمنين ببيان قبائح المنافقين
يظن بعض الناس خطأ أن النصر على العدو ينبغي أن يكون دائما في جانب المسلمين مهما كان وضعهم، ومهما خالفوا وعصوا أوامر دينهم، ويظن آخرون خطأ أيضا أن الدفاع عن الوطن وتخليص الأراضي المحتلة من الغاصب المحتل ليس جهادا في سبيل الله، وأن الشهداء من أجل ذلك ليسوا شهداء في الجنة.
لقد أجاب القرآن عن هذين الخطأين، وردّ تلك الشبهتين بما يبين الحقيقة والصواب، ويرشد إلى واجب المؤمنين في الأخذ بالأسباب وتصحيح الأخطاء بين التصور وواقع الأمر، فقال الله تعالى، معلّما ومبينا وجه الحق والاستفادة من الأحداث، ومعرّفا لهم أن ما أصابهم من قلق للمصيبة التي نزلت بهم بعد أحد إنما كان ذلك لسبب من أنفسهم، قال سبحانه:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٦٥ الى ١٦٨]
أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨)

صفحة رقم 258

«١» «٢». [آل عمران: ٣/ ١٦٥- ١٦٨].
ترشد هذه الآيات الكريمات أهل الإيمان والحق إلى معرفة أسباب الهزيمة في أحد من خلال هذا العتاب الإلهي، فإن كنتم أيها المؤمنون هزمتم في معركة أحد وقتل منكم سبعون، فقد هزمتم المشركين في معركة بدر وقتلتم من المشركين سبعين وأسرتم سبعين، على أن هزيمتكم في أحد كنتم أنتم سببها، كما قال سبحانه: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: ٣/ ١٦٥] علما بأن الله قادر على نصركم لأنه سبحانه القادر على كل شيء، فلا يقع شيء خارج عن قدرته، ولكنه سبحانه أراد أن يعلّمكم من دروس الهزيمة ما تتمكنون به من تجنب أسبابها في معارك أخرى. وما أصابكم من مصيبة وقلق يوم أحد، وقتل سبعين من المسلمين، يوم التقى الجمعان والجيشان، جيش المسلمين وجيش المشركين، فبإذن الله وإرادته وتقديره لأن كل شيء في الوجود خاضع لإرادته وحكمته.
لقد حدثت الهزيمة في معركة أحد، ليعلم إيمان المؤمنين، ويعلم نفاق الذين نافقوا، أي ليتحقق في الظاهر والواقع والتطبيق موقف أهل الإيمان وموقف أهل النفاق، ويتميز أعيان المؤمنين من أعيان المنافقين، لقد قيل للمنافقين: تعالوا قاتلوا في سبيل الله وجاهدوا للدفاع عن الدين والحق والعدل، ابتغاء مرضاة الله، لا

(١) من أين لنا هذا الخذلان؟
(٢) فادفعوا.

صفحة رقم 259

لمكسب دنيوي، أو تعالوا قاتلوا دفاعا عن النفس والأهل والوطن، فما كان من هؤلاء المنافقين إلا أن قعدوا وتكاسلوا قائلين للمؤمنين: لو نعلم أنكم تتعرضون للقتال لا تبعناكم وسرنا معكم، ولكننا نعلم أنكم لا تقاتلون، إنهم بهذه المقالة وتخلفهم عن جيش المسلمين هم يومئذ للكفر أقرب منهم للإيمان، فإن من يقعد عن الجهاد في سبيل الله، أو الدفاع عن الأوطان، ليس من المؤمنين: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) [الحجرات: ٤٩/ ١٥].
إن هؤلاء الذين تخلفوا عن المشاركة في القتال يوم أحد هم جماعة تظاهروا بالإيمان بأفواههم فقط، ولم يؤمنوا حقا بالإسلام، فهم المنافقون. إنهم قالوا لأمثالهم المنافقين المشاركين في المعركة، وقعدوا هم عن الجهاد: لو أطاعونا ولم يسيروا مع المسلمين ما قتلوا، وكأنهم يظنون أن الموت والهلاك فقط بسبب الذهاب إلى ساحات القتال. إنهم جبناء. فلو أن أجل الموت جاءهم في السلم، وهم في بيوتهم، هل يستطيعون أن يدفعوا الموت عن أنفسهم؟ لا، فهم أينما وجدوا يدركهم الموت، ولو كانوا في بروج مشيدة.
والخلاصة: إن النصر ليس لازما أن يكون دائما في صف المسلمين، وبخاصة إذا خالفوا أوامر دينهم، والجهاد كما يكون من أجل إعلاء كلمة الله والدين والحق، يكون من أجل البلاد والديار والأوطان، وتخليص الأراضي من أيدي المعتدين.
منزلة الشهداء والمجاهدين وجزاؤهم
إن الصراع قائم منذ القديم بين أتباع الدين الحق وبين الأعداء الذين يقاومون دعوة الأنبياء، ويحرصون على حفظ مصالحهم الدنيوية وزعاماتهم ومناصبهم، ولا

صفحة رقم 260
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية