
قو له تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦١)
الغلول: تناول مال الغير بضرب من المكيدة، وكثر استعماله
في الغنيمة، وسبب نزول ذلك، قال ابن عباس: هو أن فُقِد
قطيفة حمراء يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل النبي - ﷺ - أخذها، وقال الضحاك: هو عتاب لمن استُحفظوا الثنيّة

يوم أحد، حيث قال بعضهم: ربما يقول النبي - ﷺ -: "من تناول شيئاً فهو له " فَنَبقى بلا غنيمة، فعلى هذا يكون هذا القول ثناء
عليه - ﷺ -، وقال بعضهم: بل ذلك حثٌّ، للنبي على التعفف، وإن كان معلوماً أنه لا يغُل، كقوله: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ).
ومن قرأ (يُغَلَّ) فقد قيل: نهي للناس أن ينسبوا ذلك إلى النبي - ﷺ -

من قولهم: أغللت فلانا. كقولهم: أكذبته.
وقرأ رجل بحضرة ابن عباس "يُغَل" فقال: بلى ويُقَتل.
فكأنه حمله على الخبر، ولم يرتض قراءته.
وقال الحسن: نَهْي أن يَخُونوه.
فإن قيل: فلم خصّه والخيانة معه ومع غيره مذمومة؟
قيل: قد قال بعض الناس: إن تخصيصه تعظيم له.
فإن الخيانة وإن كانت مستقبحة مع كل أحد.
فمع من يُرشح لهداية الناس أقبح،

وقال بعض الناس: إن ذلك في الحقيقة نهي عن الخيانة رأسا في
كل ما أتى به النبيِ - ﷺ - من الأحكام، كقوله: (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ).
وقال بعض الناس: قراءة من قرأ؟ (يَغُلَّ) أولى، لأن كل ما جاء في التنزيل من هذا النحو فمسندٌ إلى الفاعل دون المفعول.
نحو (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ).
وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ).
وقوله: (وَمَن يَغلُل) تعظيم للغلول، وأنه لا انفكاك له من جزائه، فكأنّ ما قد غلّه يَصحبُه، وعلى هذا ما قال النبي - ﷺ -:
"لا أعرفنُّ رجلًا يأتي بفرسٍ له حَمْحَمة").
وعلى هذا ما قاله - ﷺ -:
"لا أعرفن رجلًا يأتي ببعير قد غلّه له رغاء".