آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِنْكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

قتلِ النبيِّ - ﷺ -، إلّا بأنْ (١) يُقال: إنَّ ذلك الغَمَّ، لَمْ يتحققْ؛ لأنَّهُ لَم يَصْدُقْ نعْيُ الرسول.
وحُكي عن المُفَضَّلِ (٢) أنه كان يَجْعَلُ (لا) -في هذه الآية- صِلَةً (٣)، ويقول: المعنى: لِكَيْ تَحْزَنُوا على ما فاتكم وما أصابكم؛ عُقُوبَةً لكم في خِلافِكُمْ إيَّاهُ؛ كقوله: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ﴾ (٤) [الحديد: ٢٩].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾. تذكيرٌ؛ للتَّحْذِير (٥).
١٥٤ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ الآية.
قال المُفسِّرون (٦): إنَّ المشركين لَمَّا انصرفوا يوم أُحُد، كانوا يتوَعَّدُون المسلمينَ بالرجوع، ولم يَأمَن المسلمون (٧) كَرَّتَهم، وكانوا تحت الحَجَفِ (٨)؛ مُتَأَهِّبِينَ للقتال، فأنزَل اللهُ -تعالى-[عليهم] (٩) -دونَ المنافقين- أمَنَةً؛ فأخذهم النُّعَاسُ.

(١) في (ج): (أن).
(٢) حكى قولَ المُفضَّل: الثعلبيُّ في "تفسيره" ٣/ ١٣٣ ب، والقرطبى في "تفسيره" ٤/ ٢٤١.
(٣) بمعنى: (زيادة).
(٤) انظر: "تفسير البيضاوي" ٢/ ٢٥٠، و"تفسير النسفي" ٤/ ٢٢١.
(٥) في (أ)، (ب): (التحذير)، والمثبت من (ج).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١٤٠، ١٤١، و"النكت والعيون" ١/ ٤٣٠.
(٧) في (ج): (المسلمين).
(٨) (الحَجَفُ)، جمعٌ، ومفردُها: (حَجَفَةٌ)، وهي: التُّرُوسُ الصغيرة، والمُتَّخَذَةُ من الجلود، وليس فيها خَشب، يُطَارَقُ بين جِلْدين، ويُجعل منها حَجَفة.
انظر: (حجف) في: "المجمل" ١/ ٢٦٥، و"القاموس" (٧٩٨)، و"المعجم الوسيط" ١/ ١٠٨.
(٩) ما بين المعقوفين زيادة من (ج).

صفحة رقم 87

قال ابن عباس (١): آمَنَهُم (٢) -يومئذ- بِنُعَاس يَغْشاهم بعد خوف، وإنَّمَا يَنْعُسُ مَنْ يَأمَنُ، والخائف لا ينام.
قال أبو طَلْحَة (٣): رَفَعْتُ رَاسِي يوم أُحُد، فَجَعَلْتُ (٤) ما (٥) أرى أحَدًا مِنَ القوم، إلّا وَهُوَ يَمِيد تحت حَجَفَتِهِ؛ مِنَ النُّعَاس. قال (٦): وكنت مِمَّن

(١) قوله، في: "تفسير الطبري" ٤/ ١٤٠، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٣٤ أ.
(٢) عند الطبري: أمَّنهم. وعند الثعلبي: أمَنَهم.
(٣) أخرج قوله: ابن أبي شيبة في: "المصنف" ٧/ ٣٧٢ رقم (٣٦٧٨٠). والترمذي في: "السنن" رقم (٢٠٠٧) كتاب التفسير. باب سورة آل عمران. وقال: (حسن صحيح).
والطبري في: "تفسيره" ٤/ ١٤٠، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٢٩٧. وقال: (صحيح على شرط مسلم)، ووافقه الذهبيُّ.
والطبراني في: "المعجم الكبير" ٥/ ٩٨ رقم (٤٧٠٧)، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" ٤٨٧ رقم (٤٢١)، والثعلبي في "تفسيره" ٣/ ١٣٤ أ، والبغوي في "تفسيره" ٢/ ١٢١. وأبو طلحة، هو: زيد بن سهل بن الأسود، النَجَّاري الأنصاري. من فضلاء الصحابة، اشتهر بكُنْيَتِه، شهد العَقَبة، وبدرا، وأحدًا، وهو زوج أم سُلَيم بنت مِلْحان، أم أنس بن مالك، -رضي الله عنهم-، اختلف في تاريخ وفاته على السنوات التالية: (٣٢، ٣٣، ٣٤، هـ)، وقيل: (٥١ هـ). انظر: "أسد الغابة" ٢/ ٢٨٩، و"الإصابة" ٤/ ١١٣.
(٤) (فجعلت): ساقطة من (ج).
(٥) في (ج): (فما).
(٦) أخرج قوله هذا: البخاري في: "صحيحه" (٤٠٦٨) كتاب المغازي. باب (ثم أنزل عليكم..)، كتاب التفسير. سورة آل عمران. باب قوله: أمنة نعاسا..
والنسائي في "تفسيره" ١/ ٣٣٧، ٥١٦، والترمذي في "السنن" رقم (٣٠٠٨) كتاب التفسير. باب: (سورة آل عمران). وأحمد في "المسند" ٤/ ٢٩، والطبراني في "المعجم الكبير" ٥/ ٩٦ رقم (٤٧٠٠)، والطبري في "تفسيره" ٤/ ١٤١، وابن أبي حاتم ٣/ ٧٩٣، والثعلبي ٣/ ١٣٤ أ، والبغوي ٢/ ١٢١.

صفحة رقم 88

أُلْقيَ عليه النُّعَاس -يومئذٍ -، فكان السَّيْفُ سقُطُ مِن يدِي فَآخُذُهُ، ثم يَسْقُطُ السَّوْطُ من يدي فَآخُذُه.
وقال أبو إسحاق (١) -في قوله: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾: أي: أعْقَبَكم- بما نالكم (٢) مِنَ الرُّعْب-؛ أنْ آمَنَكم (٣) أمْنًا تنامون معه؛ لأنَّ الشَّدِيدَ الخوفِ لا يكاد يَنَام.
والأَمَنَةُ: مصدرٌ، كـ (الأمْنِ). ومثله من المصادر: (العَظَمَةُ)، و (الغَلَبَةُ).
وقال اللِّحْيانيُّ (٤): يُقال: (أَمِنَ فلانٌ، يَأمَنُ، أَمْنًا، وأَمَنَةً، وأَمْنَةً (٥)،

(١) في "معاني القرآن"، له ١/ ٤٧٩. نقله عنه بنصه.
(٢) في (ج): (أنالكم).
(٣) في "معاني القرآن" (أمنَكم).
(٤) قوله، في "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٩ (أمن).
(٥) (وأمْنَةً): ساقطة من (ج). وليست في "تهذيب اللغة".
ويبدو أنَّ إثبات هذه الكلمة، سبق قلم من الناسخ؛ حيث أبدلها بـ (أمَنًا) التي وردت في قول اللحياني في (التهذيب)، ولم يذكرها المؤلفُ هنا، ولم أقف في مصادر اللغة التي رجعت إليها، على مجيء (أمْنةً) مصدرًا لـ (أمِنَ)، إلا أنها وردت في قراءة ابن محيصن، ورُويت عن يحيى، وإبراهيم من القُرَّاء. وقال ابن جِنِّي: (روينا عن قطرب أنه قال: (الأمْنَةُ): الأمْنُ. و (الأمَنَة) -بفتح الميم-، أشبه بمعاقبة الأمْن). "المحتسب" ١/ ١٧٤.
وانظر: "تفسير القرطبي" ٤/ ٢٤١، و"فتح القدير" ١/ ٥٨٩، و"القراءات الشاذة" لعبد الفتاح القاضي: ٣٠.
وورد من مصادرها: (.. إمْنًا) -بالكسر-. انظر: "القاموس" ١١٧٦. وفي "اللسان" "ما أحسن أمَنَتَك، وإمْنَتَك"؛ أي: دينك وخلقك. ١/ ١٤١ (أمن). و (أَمَنَةً) -إضافةً إلى مجيئها مصدرًا- فإنها تأتي صفة، بمعنى: الذي يثق بكلِّ أحد، أما (الأُمَنَة) -بضم الهمزة، وفتح الميم والنون-، فإنها صفهَ فقط، كـ (الأمَنَة)، ولا تأتي مصدرًا.

صفحة رقم 89

وأمَانًا). والنعاس: بَدَلٌ مِنَ (الأمَنَة) (١).
وقوله تعالى: ﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾ قُرِئ بالياء والتَّاءِ (٢). فَمَن قرأ بالياء؛ فلأن النُّعَاسَ هو الغاشي، والعرب تقول: (غَشِيَنِي النُّعاسُ)، وقلّما تقول: (غَشِيَني الأمْنُ).
و-أيضًا- فإنَّ النعاسَ مذكورٌ بالغِشْيَانِ في قوله: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾ [الأنفال: ١١] ولأن النعاسَ يَلِي الفِعْلَ، وهو أقرب في اللفظ إلى ذِكْرِ الغِشْيانِ مِنَ الأمَنَة. فالتذكير أولى.
ومن قرأ بالتَّاءِ: جعل الأمَنَةَ هي الغاشِيَةَ.
والأَمَنَةُ والنُّعاسُ، أحدهما بَدَلٌ عن الثاني، فيجوز وَيحْسُن رَدُّ الكِنَايَةِ (٣) إلى أيِّهما شئت؛ كقوله: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي﴾ [الدخان: ٤٣ - ٤٥]، وَ ﴿وتَغْلِي﴾ (٤).

= انظر (أمن) في: "الصحاح" ٥/ ٢٠٧١، و"اللسان" ١/ ١٤٠، و"التاج" ١٨/ ٢٣ وما بعدها.
(١) وهو بدل اشتمال، ويكون بدلًا في حالة إعراب ﴿أَمَنَةً﴾ مفعولًا به لـ ﴿أَنزَلَ﴾. وقيل: هو عطف بيان، ويجوز أن يكون ﴿نُّعَاسًا﴾ مفعولًا، و ﴿أَمَنَةً﴾ حال منه. وقيل غير ذلك.
انظر: "معاني القرآن"، للزجاج ١/ ٤٧٨، و"البيان" للأنباري ١/ ٢٢٦، و"التبيان" للعكبري (٢١٥)، و"الدر المصون" ٣/ ٤٤٤، و"فتح القدير" ١/ ٥٨٩.
(٢) قرأ ابنُ كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر ﴿يَغْشَى﴾ -بالياء-. وقرأ حمزة، والكسائي ﴿وَتَغشَى﴾ بالتاء.
انظر: "القراءات" للأزهري ١/ ١٢٨، و"الحجة" ٨٨، و"الكشف" ١/ ٣٦٠.
(٣) الكناية: الضمير.
(٤) قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم: ﴿يَغْلِي﴾. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، ونافع، وحمزة، والكسائي، وعاصم -في رواية أبي بكر-: ﴿تَغْلِي﴾.=

صفحة رقم 90

ومِمَّا يُقَوِّي القراءة بالتَّاء: أنَّ الأصل: الأَمَنَةُ، و (النُّعَاس): بَدَلٌ. وَرَدُّ الكناَيَةِ إلى الأصْلِ أحْسَنُ. والأَمَنةُ هي المقصودة، فإذا حَصَلَتْ (١) الأمَنَةُ، حَصلَ (٢) النُّعَاسُ، لأنها سَبَبُهُ، فإنَّ الخائفَ لا يكادُ يَنْعُسُ.
وقوله تعالى: ﴿طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾ قال ابن عباس (٣): هم المهاجرون، وعامَّةُ الأنْصَارِ (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ هؤلاء هم المنافقون: عبد الله بن أُبَي، ومُعَتِّبُ بن قُشَيْر (٥)، وأصحابُهُما، كان هَمُّهُم خَلاَصَ أنفسِهِم (٦). يقال: (أهَمَّنِي الشيءُ): إذا كان مِنْ هِمَّتِي وقَصْدِي.
والواو في قوله ﴿وَطَاَئِفَةٌ﴾، واو الحال.

قال الفراء: (إذا كانت ﴿تغلي﴾، فهي الشجرة، وإذا كانت ﴿يَغلِى﴾، فهو المُهْل). "معاني القرآن" ١/ ٢٤٠. وانظر: "السبعة" ٥٩٢، و"تفسير الطبري" ٤/ ١٣٩، و"المدخل" للحدادي ١٤٧ - ١٤٩، و"المسائل العضديات" ١٦٦.
(١) في (ج): (حصل).
(٢) في (ج): (وحصل).
(٣) لم أقف على مصدر قوله.
(٤) انظر: "تفسير البغوي" ٢/ ١٢١، و"زاد المسير" ١/ ٤٨٠، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٤٥١، و"فتح القدير" ١/ ٥٩٠.
(٥) ويقال: مُعتِّب بن بشير الأوسي الأنصاري. شهد العقبة وبدرًا وأُحدًا، وقال ابن هشام بأنه ليس من المنافقين، وقيل: إنه تاب مما قاله يوم أحد.
انظر: "سيرة ابن هشام" ٣/ ٢٣٨، ٣٤٤، و"الاستيعاب" ٣/ ٤٨٢، و"أسد الغابة" ٥/ ٢٢٥، و"الإصابة" ٣/ ٤٤٣.
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١٤١، و"النكت والعيون" ١/ ٤٣٠، و"تفسير البغوي" ٢/ ١٢٢.

صفحة رقم 91

قال سيبويه (١): المعنئ: إذْ طائِفةٌ قد أهَمَّتْهُم أنفُسُهم، وهو (٢) رَفْعٌ بالابتداء، وخبرُهُ: ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾. وجائزٌ أن يكون الخَبَرُ: ﴿يَظُنُّونَ﴾، ويكون ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾: مِنْ صِفَةِ النَّكِرَةِ، ويكون المعنى: وطائفةٌ مُهِمَّتُهُمْ أنفُسُهم، يَظنُّونَ.
قال أبو الفَتْحِ المَوصِلِيُّ (٣): هذه الواو للحال، وهي وما بعدها في مَوْضِعٍ نَصْب، على تقدير: يَغْشَى طائفَةً منكم، مُهِمَّةً (٤) طائفةً أخرى منكم أنفُسُهم، في وقت غِشْيَانِهِ تلكَ الطائفة (٥) الأولى. ولا بُدَّ مِن هذا التقدير؛ كما أنَّ قولك: (جاءت هند، وعمرٌو ضاحكٌ)، في تقدير: (جاءت هند ضاحكًا (٦) عمرو في وقت مجيئها)، حتى يعود من الجملة التي هي حالٌ، ضميرٌ على صاحب الحال، ولهذا شبَّهَهَا سيبويه بـ (إذ) (٧).

(١) في "الكتاب" ١/ ٩٠. نقله عنه بمعناه.
وانظر: "الكامل" للمبرد ١/ ٣٢٧، ٣٢٨، وكتاب "معاني الحروف" للرماني ٦٠، و"الصاحبي" ١٥٧، و"أمالي ابن الشجري" ٣/ ١١، و"تذكرة النحاة" ٦٤٨.
(٢) من قوله: (وهو..) إلى (.. وطائفة مهمتهم أنفسهم): ساقط من (ج).
(٣) هو ابن جِنِّي في: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤٤ - ٦٤٥. نقله عنه بعضه بتصرف، ونقل أكثره بنصه.
(٤) في (أ): مهمةٌ -بضم التاء المربوطة المُنوَّنة-. وفي (ب)، (ج): مهملة من الشكل. والمثبت من: "سر صناعة الإعراب"؛ وهو الصواب؛ لأن موقعها في الجملة حال منصوب.
(٥) في (ب): (النعاس) بدلًا من: الطائفة.
(٦) في (أ)، (ب)، (ج): (ضاحك)، والمثبت من: سر الصناعة، لأن ابن جِنِّي أراد أنها حال منصوبة.
(٧) بـ (إذ): ساقط من (ج).

صفحة رقم 92

قال أبو علي (١): إنما فَعَلَ ذلك من حيث كانت (إذْ) منتصبةَ المَوْضعِ في الحال (٢)، وأنَّ ما بعد (إذْ) لا يكون إلّا جملةً، كما أنّ ما بعد واو الحال لا يكون إلّا جملةً مرَكَّبَةً مِن مبتدأ وخَبَر، كقولك: (مَرَرْتُ بزَيْد، وعمرٌو قائمٌ) (٣).
وقوله تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ أي: يظنون أنَّ أمرَ النبي - ﷺ - مضمَحِلٌّ، وأنّه لا يُنْصر (٤).
وقوله تعالى: ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾. الجاهلية: زَمَان الفَتْرَةِ، قبل الإسلام (٥). والمعنى: إنهم على جاهليتهم في ظنهم هذا. وتقدير الكلام: يَظنُّونَ ظَنَّ أهلِ الجاهلية (٦).
وقوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي: ما لنا. استفهام يتضمن الجَحْدَ.
قال الحَسَنُ (٧): يقولون: أُخْرِجْنَا كَرْهًا، ولو كان الأمرُ إلينا ما

(١) قول أبي الفارسي -هنا- من تتمة كلام ابن جني في: المصدر السابق: ٢/ ٦٤٥ نقله المؤلف عنه بمعناه
وانظر رأي أبي علي الفارسي حول هذه المسألة في كتابيه: "المسائل المشكلة" ٥٩٣، و"المسائل الحلبيات" ١٥١.
(٢) عبارة أبي علي -كما نقلها ابن جني-، هي: (.. من حيث كانت (إذ) منتصبة الموضع بما قبلها، أو بعدها، كما أن (أو) منتصبة الموضع في الحال..).
(٣) في (ب): (قائما).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧٩، و"زاد المسير" ١/ ٤٨١.
(٥) قال النووي: (سموا بذلك؛ لكثرة جهالاتهم). "صحيح مسلم بشرح النووي" ٣/ ٨٧، وانظر: "المزهر" للسيوطي ٢/ ٢٠٢.
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١٤٢، و"معاني القرآن"، للزجاج ١/ ٤٣١.
(٧) قوله، في: "تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٩٥، و"النكت والعيون" ٢/ ٩٠٩، و"زاد المسير" ١/ ٤٨١.

صفحة رقم 93

خَرَجْنَا (١) وقال الأكثرون (٢): أي: ليس لَنا مِنَ النَّصْرِ والظَّفَرِ شيءٌ كما وعدنا، بل هو للمشركين. يقولون ذلك (٣) على جهة التكذيب. فقال الله: ﴿إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾، أي: النَّصْرُ بيد الله عز وجل.
وقال عطاء، عن ابن عباس (٤): يريد: القضاء والقدر، والنُّصْرَةُ والشَّهادة. واختلف القرّاء (٥) في قوله: ﴿كُلَّهُ﴾:
فَنَصَبَهُ [أكثرُهُم] (٦)؛ لأن (٧) الكُلَّ بمنزلة (أجمعين)، وجُمَعَ؛ في أنه للإحَاطَةِ والعُمُوم.

(١) لفظه عند ابن أبي حاتم: (.. ذلك المنافق، لما قُتِل مِن أصحاب محمد، أتَوا عبد اللهَ بن أبَي، فقالوا له: ما تَرَى؟ فقال: إنَّا والله ما نُؤامَر، لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا). وما أورده المؤلف هو معنى هذا اللفظ.
(٢) في (ب): (وقال الآخرون الأكثرون).
ولم أقف على من قال بهذا القول، وقد أوردته بعض كتب التفسير ولم تعزه انظر: "النكت والعيون" ١/ ٤٣١، و"زاد المسير" ١/ ٤٨١، و"تفسير القرطبي" ٤/ ٢٤٢، و"فتح القدير" ١/ ٥٩٠.
(٣) (ذلك): ساقطة من (ج).
(٤) لم أقف على مصدر هذ الرواية. وأورد الثعلبي، والقرطبي -من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس- ما نصه: (يعني: القدر خيره وشره من الله). وهي بمعنى رواية عطاء عنه.
انظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٣٤ ب، و"تفسير القرطبي" ٤/ ٢٤٢.
(٥) في (ب): (واختلفوا القراء).
(٦) ما بين المعقوفين في (أ): غير واضح. والمثبت من (ب)، (ج). انظر هذه القراءة في: "السبعة" ٢١٨٧، و"الحجة" للفارسي ٣/ ٩٠.
(٧) من قوله: (لأن..) إلى (.. إذا قال كله): نقله -بتصرف يسير- عن "الحجة" للفارسي ٣/ ٩٠.

صفحة رقم 94

ولو قيل: (إن الأمرَ أجْمَعَ)، لم يكن إلّا النَّصبُ، -كذلك- إذا (١) قال ﴿كُلَّهُ﴾ (٢).
وقرأ أبو عمروٍ بالرَّفْعِ (٣)، وذلك أنه لم يُجْرِهِ على ما قَبْلَهُ، ورَفَعَهُ على الابتداء، و ﴿لِلَّهِ﴾: الخَبَر.
قال الفَرّاءُ (٤): ومثله مِمَّا قُطِعَ مِمَّا (٥) قبلَهُ: قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ (٦) [الزمر: ٦٠]، ومِنْ هذا -أيضًا-: ما أجازه سيبويه مِن قولِهِم: (أينَ تَظُنُّ زيدٌ ذاهِبٌ).
وقوله تعالى: ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾ أي: مِنَ الشَّكِّ والنِّفَاقِ، وتكذيب الوَعْدِ بالاستعلاء على أهل الشرك.
وقوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾
رُوي (٧) عن الزُّبَيْر بن العَوَام -رضي الله عنه -، أنَّه قال (٨): أَرْسَلَ اللهُ علينا النَّوْمَ،

(١) (أ)، (ب): (إذ). والمثبت من: (ج)، و"الحجة".
(٢) فنصب ﴿كُلَّهُ﴾ إما على التوكيد، أو النعت، أو البدل.
انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٤٣، و"معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢١٨، و"الأصول في النحو" لابن السراج ٢/ ٢٣، و"إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٧١، و"التبيان" للعكبري ص ٢١٦.
(٣) أي: ﴿كُلَّهُ﴾ انظر: المصادر السابقة.
(٤) في "معاني القرآن"، له ١/ ٢٤٣. نقله عنه بمعناه.
(٥) في (ج): (من).
(٦) قوله تعالى: ﴿وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾، جملة مكونة من: مبتدإ، وهو: ﴿وُجُوهُهُمْ﴾، وخبر، وهو: ﴿مُّسْوَدَّةٌ﴾. والجملة في محل نصب على الحال. ويجوز من الناحية النحوية أن تُنْصبَ ﴿وُجُوهُهُمْ﴾ على أنها بدل من ﴿الَّذِينَ﴾. انظر: "البيان" للأنباري ٢/ ٣٢٥
(٧) في (أ): (رَوَي). والمثبت من: (ب)، (ج).
(٨) أخرج قوله: الواقدي في "المغازي" ١/ ٣٢٣، والطبري في "تفسيره" ٤/ ١٤٣،=

صفحة رقم 95

وإنِّي لأَسْمَعُ قولَ مُعَتِّب بن قُشَيْر -والنُّعَاس يغشاني-، ما أسمعه إلّا كالحُلم (١)، يقول: لو كان لنا من الأمر شىِءٌ، ما قُتلنا ههنا (٢). يَعْنُونَ أنهم أُخْرِجُوا كُرْهًا، ولو كان الأمر بيدهم لم يخرجوا.
وقال المفسرون (٣): إنَّ المُنافِقِينَ قال بعضُهم لِبَعضٍ: لَوْ كانَ لنا عُقُولٌ، لم نخرجْ مع محمد لِقِتال أهل مكة، وَلَمَا قُتِلَ رُؤَساؤُنا. وهذا منهم تكذيبٌ بالقَدَرِ؛ حين ظَنُّوا أنهم لو لم يخرجوا لم يُقْتَلوا. فَرَدَّ اللهُ -تعالى- عليهم هذا الكلام بقوله: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ أيها المُنافِقُونَ، وَلم تَخْرُجوا إلى أُحُد.
﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ يعني: لو تَخلَّفتم عن القتال؛ لَخَرَج منكم الذين كُتِب عليهم القَتْل، ولم يكن لِيُنْجِيهم قُعُودهم.
ومعنى (بَرَزَ): صار إلى (بَرَاز)؛ وهو المكان المنكشف (٤).
والمضاجع: جمعُ (المَضْجَع)؛ وهو الموضع الذي يَضْجَعُ عليه الإنسانُ. ومنه قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦].

= وابن أبي حاتم ٣/ ٧٩٥، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" ٤٨٧ فصل ٢٥. رقم (٤٢٣)، وأورده السيوطي في "لباب النقول" ٥٩، و"الدر المنثور" ٢/ ١٥٦، وزاد نسبة إخراجه إلى ابن إسحاق، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في "الدلائل". وانظر: "سيرة ابن هشام" ٣/ ٦٨.
(١) في (أ): (كالحِكم). والمثبت من: (ب)، (ج)، ومصادر الخبر.
(٢) في (أ): (هنا). والمثبت من: (ب)، (ج)، ومصادر الأثر.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١٤٢، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٣٤ ب، والنَّصُّ له.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٨٠، و"نزهة القلوب" للسجستاني ١٤٤، و"المقاييس" ١/ ٢١٨ (برز).

صفحة رقم 96

قال الهُذَلِيُّ (١):

أَم ما لجنْبِكَ لا يُلائِمُ مَضْجَعًا إلّا أَقَضَّ عليكَ ذاكَ المَضْجَعُ (٢)
وقال: (أضْجَعْتُ فُلانا): إذا وَضَعْت جَنْبَهُ بالأرض. و (ضَجَعَ)، فهو يَضْجَعُ بنَفْسِهِ. ويريد بـ ﴿المَضَاجِعِ﴾ ههنا: مَصارِعَهم للقتل؛ أي: حيث يَسْقُطُون (٣) -هناك- قتلى.
وقوله تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ قال الكسائيُّ وغيرُهُ (٤): وليَبْتَلِيَ اللهُ ما في صدوركم، فَعَلَ ما فَعَلَ يومَ أُحُد. فَحُذِفَ واختُصِرَ؛ لِبَيَان المعنى.
ومعنى ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾: ليعاملكم معامَلَة المُبْتَلِي، المُخْتَبِرِ لكم.
(١) هو أبو ذؤيب، خويلد بن خالد الهذلي.
(٢) البيت ورد منسوبًا له في: "المفضليات" ٤٢١، و"الزاهر" ١/ ٤٧٣، و"الأمالي" ١/ ١٨٢، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٨٢ (قضض)، و"شرح أشعار الهذليين" ١/ ٥، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٢١ (قضض)، و"جمهرة أشعار العرب" ص ٢٤١، و"اللسان" ٦/ ٣٦٦٢ (قضض).
ورد في (التهذيب): (.. أقضَّ عليه ذاك..)، وفي "المقاييس" (أم ما لجسمك). البيت من مرثيته التي يرثي بها أبناءه الخمسة الذين ماتوا في عام واحد. وقبل هذا البيت:
قالتْ أُمَيْمَةُ ما لجسمك شاحبا منذ ابْتُلِيتَ ومثل مالِكَ يَنفَع
(أم) في البيت هي المنقطعة، بمعنى: (بل) والاستفهام. وقوله: (لا يُلائِم): لا يوافق، (أقضَّ عليك ذاك المضجع)؛ أي: لم يطمئن بك النوم، كأن تحت جنبك (قَضِيضا)، وهو: الحصى الصغار.
انظر: "الزاهر" ١/ ٤٧٣، و"التهذيب" ٣/ ٢٩٨٢، و"شرح أشعار الهذليين" ١/ ٦.
(٣) (يسقطون): مطموسة في (ج).
(٤) لم أقف على مصدر قول الكسائي، ولا على مصدر قول غيره ممن قال هذا القول.

صفحة رقم 97

وقال أبو إسحاق (١): أي: لِيَخْتَبِرَ ما في صدوركم، لِيَعلَمَهُ مُشَاهدَةً، كما يعلمه غَيْبًا؛ لأن المُجَازَاةَ تَقَعُ على ما عَلِمَهُ مُشَاهَدَةً.
وقيل (٢): لِيَبتلي أولياءُ اللهِ ما في صدوركم. إلّا أنه أُضِيفَ الابتلاءُ إلى
اللهِ -تعالى-، تفخيما لشأنهم؛ كقوله: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾ (٣).

(١) في "معاني القرآن" له ١/ ٤٨٠. نقله عن بتصرف.
(٢) ممن قال ذلك: الطبري في "تفسيره" ٤/ ١٤٣، وقد أورد هذا القول الماورديُّ في: "النكت والعيون" ١/ ٤٣١ ولم يعزه
(٣) الزخرف: ٥٥. ومعنى ﴿آسَفُونَا﴾: أغضبونا. وهو قول: ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القرظي، وقتادة، والسدي، وغيرهم من المفسرين. انظر: "تفسير الطبري" ٢٥/ ٨٤، و"تفسير ابن كثير" ٤/ ١٣٧.
والمؤلف يقصد -هنا- أن معنى الآية: فلما أغضبوا موسى عليه السلام ومن معه من أولياء الله، ولكن نُسِب الغضبُ إلى الله تعالى؛ تفخيمًا لشأن أولياء الله.
ولا مانع من قبول هذا التأويل الذي يراه المؤلف، مع إثبات صفة الغضب لله تعالى، ولكن قد يكون الدافع لهذا التأويل هو الهرب من نسبة هذه الصفة إليه تعالى، وحينها، فإن هذا التأويل لا يُسَلَّم؛ وذلك أنَّ الأشاعرة -والمؤلف منهم- يرون أن الغضب من صفات المخلوقين التي يجب أن لا تنسب إلى الله على الحقيقة؛ حيث إن الغضبَ عندهم هو: غَلَيَانُ دَمِ القَلْب؛ لإرادة الانتقام، وذاك محال على الله، وانما يُنْسَب إلى الله -عز وجل- على سبيل المجاز، ويراد به -حينها-: إرادة العقوبة، فيكون صفة ذات، أو يُراد به العقوبة ذاتها، فيكون صفة فعل.
ولكنْ سَلَفُ الأُمَّةِ -وقد شق بيان مذهبهم الحق في صفات الباري تعالى- يرون أن الغضب من صفات الله، يُنْسبُ إليه -تعالى- على الحقيقة، بما يليق بذاته، والشأن في الصفات أن تُمَرَّ كما جاءت، دون تعطيل ولا تشبيه ولا تحريف ولا تأويل، ولا بيان لكيفيَّتها، كما أن صفة الغضب تنسب إلى المخلوق على الحقيقة، بما يتناسب مع خَلْقِهِ، وطبيعته، ومن توابع هذه الصفة، ولوازمها في المخلوق: هو ما ذكره المُؤَوِّلُونَ مِنْ غَلَيَان دَمِ القلب، وبذا تفترق صفة الخالق عن المخلوق. انظر: "النكت والعيون" ٥/ ٢٣١ - ٢٣٢، و"تفسير الفخر الرازي" ٢٧/ ٢٢٠،=

صفحة رقم 98

وقوله تعالى: ﴿وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ قد ذكرنا للتَّمْحِيصِ ثلاث مَعَانٍ، عند قوله -تعالى-: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: ١٤١]: التَّطْهِير، والكَشْف، والابْتِلاء. وهذ كلها مُحْتَمَلَةٌ في هذه الآية.
قال قتادة (١) - في قوله: ﴿وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾، أي: يُظْهِرها (٢) مِنَ الشَّكِّ والارْتِيَاب؛ بما يُرِيكم من عجائب صُنعه في إلقاء الأَمَنَةِ، وصَرْفِ العدُوِّ، وإعلانِ سَرَائِرِ المنافقين. وهذا (٣) التمحيص خاصٌّ للمؤمنين؛ فابن عباس قال (٤): يريد: يُمَحِّص قلوب أوليائه من الخطأ.
وقال الكَلْبِيُّ (٥): ﴿وَلِيُمَحِّصَ﴾: يُبَيِّن ما في قلوبكم. يعني: أن المؤمن يُظْهِر الرِّضَا بِقَدَرِ الله، والمنافق يُظْهر مثلَ ما أظهرَ مُعَتِّب بن قُشَيْر وأصحابُه. فَعَلَ اللهُ ما فَعَلَ يومَ أُحُد؛ لِيُبَيِّنَ ما في قلوب الفريقين.
ويَحْتَمِلُ التَّمْحِيصُ -ههنا- معنى الابتلاء، غير أن القولين الأَوَّلَيْن أجودُ؛ لِزِيَادَةِ الفائدة؛ فإنَّ الابتلاءَ قد ذُكِرَ في قوله: ﴿وَلِيَبْتَلىَ اللَّهُ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (ذاتُ الصدور)، تحتمل معنيين: أحدهما: أن (ذات الصدور) هي: الصدور؛ لأن ذاتَ الشيء

= ولوامع الأنوار" للسفاريني ١/ ٢٢١ - ٢٢٣، و"روح المعاني" ٢٥/ ٩١، و"أضواء البيان" ٧/ ٢٥٦، و"العقائد السلفية" لأحمد بن حجر ١/ ٨٦
(١) لم أقف على مصدر قوله. وقد أورده ابن الجوزي في: "الزاد" ١/ ٤٨٢.
(٢) في (ب)، (ج): (يطهرها) بالطاء.
انظر:"بحر العلوم" ١/ ٣٠٩، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٣٤ ب، و"تفسير البغوي" ٢/ ١٢٢، و"زاد المسير" ١/ ٤٨٢.
(٣) من قوله: (وهذا..) إلى (.. يمحص قلوب): ساقط من (ج).
(٤) لم أقف على مصدر قوله.
(٥) لم أقف على مصدر قوله.

صفحة رقم 99
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية