آيات من القرآن الكريم

هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ

المنَاسَبَة: لما حث تعالى على الصبر والتقوى ونبه المؤمنين إِلى إِمداد الله لهم بالملائكة في غزوة بدر، عقّبه بالأمر بالمسارعة إِلى نيل رضوان الله، ثم ذكر بالتفصيل غزوة أُحد وما نال المؤمنين فيها من الهزيمة بعد النصر بسبب مخالفة أمر الرسول، ثم بيّن أن الابتلاء سنة الحياة، وأن قتل الأنبياء لا ينبغي أن يُدخل الوهن إِلى قلوب المؤمنين، ثم توالت الآيات الكريمة في بيان الدروس والعبر من غزوة أُحد.
اللغَة: ﴿وسارعوا﴾ بادروا ﴿السَّرَّآءِ﴾ الرخاء ﴿الضرآء﴾ الشدة والضيق ﴿الكاظمين﴾ كظم الغيظ: ردّه في الجوف يقال: كظم غيظه أي لم يظهره مع قدرته على إِيقاعه بالعدو مأخوذ من كظم القربة إِذا ملأها وشد رأسها ﴿فَاحِشَةً﴾ الفاحشة: العمل الذي تناهى في القبح ﴿خَلَتْ﴾ مضت ﴿سُنَنٌ﴾ السنن: جمع سنة وهي الطريقة التي يقتدى بها ونها سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمراد بها هنا الوقائع التي حصلت للمكذبين ﴿قَرْحٌ﴾ جرح بالفتح والضم قال الفراء: هو بالفتح الجرح وبالضم ألَمه، وأصل الكلمة الخلوص ومنه ماء قُراح ﴿نُدَاوِلُهَا﴾ نصرّفها والمداولة: نقل الشيء من واحد إِلى آخر يقال: تداولته الأيدي إذا انتقل من شخص إلى شخص ﴿وَلِيُمَحِّصَ﴾ التمحيص: التخليص يقال: محصته إذا خلَّصته من كل عيب وأصله في اللغة: التنقية والإِزالة ﴿وَيَمْحَقَ﴾ المحق: نقص الشيء قليلاً قليلاً ﴿أَعْقَابِكُمْ﴾ جمع عقب وهو مؤخر الرجل يقال: انقلب على عقبه أي رجع إِلى ما كان عليه ﴿مُّؤَجَّلاً﴾ له وقت محدّد لا يتقدم ولا يتأخر ﴿وَكَأَيِّن﴾ كم وهي للتكثير وأصلها أي دخلت عليها كاف التشبيه فأصبح معناها التكثير ﴿رِبِّيُّونَ﴾ جمع ربِّي نسبة إِلى الربّ كالربانيين وهم العلماء الأتقياء العابدون لربهم وقيل: نسبة إِلى الربّة وهي الجماعة ﴿استكانوا﴾ خضعوا وذلّوا وأصله من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليصنع به ما يريد.
التفسِير: ﴿وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي بادروا إِلى ما يوجب المغفرة بطاعة الله وامتثال أوامره ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض﴾ أي وإِلى جنة واسعة عرضها السماء والأرض كما قال في سورة «الحديد» ﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء والأرض﴾ [الآية: ٢١] والغرض بيان سعتها فإِذا كان هذا عرضها فما ظنك بطولها؟ ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي هيئت للمتقين لله ﴿الذين يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ والضرآء﴾ أي يبذلون أموالهم في اليسر والعسر، وفي الشدة والرخاء، ﴿والكاظمين الغيظ﴾ أي يمسكون غليظهم مع قدرتهم على الانتقام ﴿والعافين عَنِ الناس﴾ أي يعفون عمن أساء إِليهم وظلمهم ﴿والله يُحِبُّ المحسنين﴾ أي يحب المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة وغيرها ﴿والذين إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ أي ارتكبوا ذنباً قبيحاً كالكبائر ﴿أَوْ ظلموا أَنْفُسَهُمْ﴾ بإِتيان أي ذنب {ذَكَرُواْ الله

صفحة رقم 210

فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ} أي تذكروا عظمة الله ووعيده لمن عصاه فأقلعوا عن الذنب وتابوا وأنابوا ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله﴾ استفهام بمعنى النفي أي لا يغفر الذنوب إِلا الله وهي جملة اعتراضية لتطييب نفوس العباد وتنشيطهم للتوبة ولبيان أن الذنوب - وإِن جلَّت - فإِن عفوه تعالى أجل ورحمته أوسع ﴿وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لم يقيموا على قبيح فعلهم وهم عالمون بقبحه بل يقلعون ويتوبون ﴿أولئك جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أي الموصوفون بتلك الصفات الحميدة جزاؤهم وثوابهم العفو عما سلف من الذنوب ﴿وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي ولهم جنات تجري خلال أشجارها الأنهار ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي ماكثين فيها أبداً ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين﴾ أي نعمت الجنة جزاءً لمن أطاع الله، ثم ذكر تعالى تتمة تفصيل غزوة أُحد بعد تمهيد مبادئ الرشد والصلاح فقال ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ أي قد مضت سنة الله في الأمم الماضية بالهلاك والاستئصال بسبب مخالفتهم الأنبياء ﴿فَسِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ أي تعرفوا أخبار المكذبين، وما نزل بهم لتتعظوا بما ترون من آثار هلاكهم ﴿هذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾ أي هذا القرآن فيه بيانٌ شاف للناس عامة ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أي وهداية لطريق الرشاد وموعظة وذكرى للمتقين خاصة، وإِنما خصّ المتقين بالذكر لأنهم هم المنتفعون به دون سائر الناس، ثم أخذ يسليهم عمّا أصابهم من الهزيمة في وقعة أُحد فقال ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا﴾ أي لا تضعفوا عن الجهاد ولا تحزنوا ما أصابكم من قتلٍ أو هزيمة ﴿وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾ أي وأنتم الغالبون لهم المتفوقون عليهم فإِن كانوا قد أصابوكم يوم أُحد فقد أبليتم فيهم يوم بدر ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ أي إِن كنتم حقاً مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ أي إِن أصابكم قتلٌ أو جراح فقد أصاب المشركين مثل ما أصابكم ﴿وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس﴾ أي الأيام دولن، يوم لك ويوم عليك، ويوم تُساء ويوم تُسر ﴿وَلِيَعْلَمَ الله الذين آمَنُواْ﴾ أي فعل ذلك ليمتحنكم فيرى من يصبر عند الشدائد ويميز بين المؤمنين والمنافقين ﴿وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ﴾ أي وليكرم بعضكم بنعمة الشهادة في سبيل الله ﴿والله لاَ يُحِبُّ الظالمين﴾ أي لا يحب المعتدين ومنهم المنافقون الذين انخذلوا عن نبيه يوم أُحد ﴿وَلِيُمَحِّصَ الله الذين آمَنُواْ﴾ أي ينفيهم ويطهرهم من الذنوب ويميزهم عن المنافقين ﴿وَيَمْحَقَ الكافرين﴾ أي يهلكهم شيئاً فشيئاً ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة﴾ استفهام على سبيل الإِنكار أي هل تظنون يا معشر المؤمنين أن تنالوا الجنة بدون ابتلاء وتمحيص؟ ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين﴾ أي ولما تجاهدوا في سبيله فيعلم الله جهادكم وصبركم على الشدائد؟ قال الطبري المعنى: أظننتم يا معشر أصحاب محمد أن تنالوا كرامة ربكم ولّما يتبين لعبادي المؤمنين المجاهدون منكم في سبيل الله والصابرون عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من ألم ومكروه!! ﴿وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت﴾ أي كنتم تتمنون لقاء الأعداء لتحظوا بالشهادة ﴿مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ﴾ أي من قبل

صفحة رقم 211

أن تذوقوا شدته، والآية عتاب في حق من انهزم ﴿رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ أي رأيتموه بأعينكم حين قُتل من إِخوانكم وشارفتم أن تقتلوا، ونزل لما أشاع الكافرون أن محمداً قد قتل وقال المنافقون: إِن كان قد قتل فتعالوا نرجع إِلى ديننا الأول ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل﴾ أي ليس محمد إِلا رسول الله مضت قبله رسل، والرسل منهم من مات ومنهم من قتل ﴿أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ﴾ أفإِن أماته الله أو قتله الكفار ارتددتم كفاراً بعد إِيمانكم؟ ﴿وَمَن يَنقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئاً﴾ أي ومن يرتد عن دينه فلا يضر الله، وإِنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب ﴿وَسَيَجْزِي الله الشاكرين﴾ أي يثيب الله المطيعين وهم الذين ثبتوا ولم ينقلبوا، ثم أخبر تعالى أنه جعل لكل نفسٍ أجلاً لا يتقدم ولا يتأخر فقال ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ أي بإِرادته ومشيئته ﴿كِتَاباً مُّؤَجَّلاً﴾ أي كتب لكل نفسٍ أجلها كتاباً مؤقتاً بوقت معلوم لا يتقدم ولا يتأخر، والغرض تحريضهم على الجهاد وترغيبهم في لقاء العدو، فالجبنُ لا يزيد في الحياة، والشجاعة لا تنقص منها، والحذر لا يدفع القدر والإِنسان لا يموت قبل بلوغ أجله وإِن خاض المهالك واقتحم المعارك ﴿وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ أي من أراد بعمله أجر الدنيا أعطيناه منها وليس له في الآخرة من نصيب، وهو تعريض بالذين رغبوا في الغنائم، فبيّن تعالى أن حصول الدنيا للإِنسان ليس بموضع غبطة لأنها مبذولة للبر والفاجر ﴿وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخرة نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ أي ومن أراد بعمله أجر الآخرة أعطيناه الأجر كاملاً مع ما قسمنا له من الدنيا كقوله
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠] ﴿وَسَنَجْزِي الشاكرين﴾ أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا بحسب شكرهم وعملهم ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ أي كم من الأنبياء قاتل لإِعلاء كلمة الله وقاتل معه علماء ربانيون وعُبَّاد صالحون قاتلوا فقُتل منهم من قتل ﴿فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي ما جبنوا ولا ضعفت هممهم لما أصابهم من القتل والجراح ﴿وَمَا ضَعُفُواْ﴾ عن الجهاد ﴿وَمَا استكانوا﴾ أي ما ذلّوا ولا خضعوا لعدوهم ﴿والله يُحِبُّ الصابرين﴾ أي يحب الصابرين على مقاساة الشدائد والأهوال في سبيل الله ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ أي ما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين إِلا طلب المغفرة من الله ﴿وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا﴾ أي وتفريطنا وتقصيرنا في واجب طاعتك وعبادتك ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ أي ثبتنا في مواطن الحرب ﴿وانصرنا عَلَى القوم الكافرين﴾ أي انصرنا على الكفار ﴿فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة﴾ أي جمع الله لهم بين جزاء الدنيا بالغنيمة والعز والظفر والتمكين لهم بالبلاد وبين جزاء الآخرة بالجنة ونعيمها ﴿والله يُحِبُّ المحسنين﴾ أي يحب من أحسن عمله وأخلص نيته، وخص ثواب الآخرة بالحسن إِشعاراً بفضله وأنه المعتد به عند الله.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - ﴿عَرْضُهَا السماوات والأرض﴾ أي كعرض السماوات والأرض حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه يسمى هذا «التشبيه البليغ».

صفحة رقم 212

٢ - ﴿وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ﴾ من باب تسمية الشيء باسم سببه أي إِلى موجبات المغفرة.
٣ - ﴿السَّرَّآءِ والضرآء﴾ فيه الطباق وهو من المحسنات البديعية.
٤ - ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله﴾ استفهام يقصد منه النفي أي لا يغفر.
٥ - ﴿أولئك جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ﴾ الإِشارة بالبعيد للإِشعار ببعد منزلتهم وعلو طبقتهم في الفضل.
٦ - ﴿وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين﴾ المخصوص بالمدح محذوف أي ونعم أجر العاملين ذلك.
٧ - ﴿وَلِيَعْلَمَ الله﴾ هو من باب الالتفات لأنه جاء بعد لفظ ﴿نُدَاوِلُهَا﴾ فهو التفات من الحاضر إلى الغيبة، والسرُّ في هذا الالتفات تعظيم شأن الجهاد في سبيل الله.
٨ - ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾ قصر موصوف على صفة.
٩ - ﴿انقلبتم على أَعْقَابِكُمْ﴾ قال في تلخيص البيان: هذه استعارة والمراد بها الرجوع عن دينه، فشبّه سبحانه الرجوع في الإِرتياب بالرجوع على الأعقاب.
الفوَائِد: الأولى: في هذه الآيات الكريمة ﴿وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ﴾ أمهات مكارم الأخلاق من البذل وكظم الغيظ والعفو عن المسيئين والتوبة من الذنوب، وكلٌ منها مصدر لفضائل لا تدخل تحت الحصر.
الثانية: قدم المغفرة على الجنة لأن التخلية مقدمة على التحلية فلا يستحق دخول الجنة من لم يتطهر من الذنوب والآثام.
الثالثة: تخصيص العرض بالذكر للمبالغة في وصف الجنة بالسعة والبسطة فإِذا كان هذا عرضها فكيف يكون طولها؟ قال ابن عباس: كسبع سماوات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض.
الرابعة: كتب هرقل إِلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِنك دعوتني إِلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال عليه السلام: «سبحان الله أين الليل إِذا جاء النهار».
الخامسة: أمر تعالى بالمسارعة إِلى عمل الآخرة في آيات عديدة ﴿وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ﴾ و ﴿سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ﴾ [الحديد: ٢١] ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ [البقرة: ١٤٨] ﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله﴾ [الجمعة: ٩] ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون﴾ [المطففين: ٢٦] وأما لعمل الدنيا فأمر بالهوينى ﴿فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ [الملك: ١٥] ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض﴾ [الزمر: ٢٠] فتدبر السرّ الدقيق.

صفحة رقم 213
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية