
فسقطت الفاء مع (فيقال). والقول قد يضمر. ومنه فِي كتاب اللَّه شيء كثير من ذلك قوله (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) «١» وقوله (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) «٢» وفي قراءة عَبْد اللَّه «ويقولان ربنا».
وقوله: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ... (١٠٨)
يريد «٣» : هذه آيات اللَّه. وقد فسر شأنها فِي أول البقرة.
وقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ... (١١٠)
فِي التأويل: فِي اللوح المحفوظ. ومعناه أنتم خير أمة كقوله (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) «٤»، و (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) «٥» فإضمار كان فِي مثل هذا وإظهارها سواء.
وقوله: يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ... (١١١)
مجزوم لأنه جواب للجزاء ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ مرفوع على الائتناف، ولأن رءوس الآيات بالنون، فذلك مما يقوى الرفع كما قال (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) «٦» فرفع، وقال تبارك وتعالى (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) «٧».
(٢) آية ١٢٧ سورة البقرة.
(٣) يريد أنه وضع إشارة البعيد فى مكان إشارة القريب. والمسوّغ لهذا أن المشار إليه كلام، يجوز أن يراعى فيه انقضاؤه فيكون بعيدا. وانظر ص ١٠ من هذا الجزء.
(٤) آية ٨٦ سورة الأعراف.
(٥) آية ٢٦ سورة الأنفال.
(٦) آية ٣٦ سورة المرسلات.
(٧) آية ٣٦ سورة فاطر.

وقوله: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ... (١١٢)
يقول: إلا أن يعتصموا بحبل من اللَّه فأضمر ذلك، وقال الشاعر «١» :
رأتني بحبليها فصَدَّت مخافةً... وَفِي الحبل روعاء الفؤاد فروق
أراد: أقبلت بحبليها، وقال الآخر «٢» :
حنتني حانيات الدهر حَتَّى... كأني خاتلٍ أدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآني... ولست مقيدا أنى بقيد
يريد: مقيدا بقيد.
وقوله: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ... (١١٣)
ذكر أمة ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبني على أخرى يراد لأن سواء لا بد لها من اثنين فما زاد.
ورفع الأمة على وجهين أحدهما أنك تكره على سواء كأنك قلت:
لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمة كذا وأمة كذا، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان فِي الكلام دليل عليه، قال الشاعر «٣» :
عصيت إليها القلب إنى لأمرها... سميع فما أدرى أرشد طلابها
(٢) هو أبو الطمحان القينى حنظلة بن الشرقىّ، وكان من المعمرين. و «حابل» أي ينصب الحبالة للصيد. وهى آلة الصيد. والرواية المشهورة «خاتل» من الختل وهو المخادعة. وانظر اللسان (ختل) وكتاب المعمرين لأبى حاتم ٤٧.
(٣) هو أبو ذؤيب الهذلىّ. والرواية المعروفة: «عصانى إليها القلب». وانظر ديوان الهذليين (الدار) ١/ ٧٢.