آيات من القرآن الكريم

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ
ﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

مِنَ الْغُيُوبِ، ثُمَّ يُوحُونَ بِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ فِيمَا (يُوحِي) «١» بِهِ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ يُسْمِعُونَهُمْ مَا لَمْ يَسْمَعُوا وَثَانِيهَا: يُلْقُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمُ السَّمْعَ أَيِ الْمَسْمُوعَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَثَالِثُهَا: الْأَفَّاكُونَ/ يُلْقُونَ السَّمْعَ إِلَى الشَّيَاطِينِ فَيُلْقُونَ وَحْيَهُمْ إِلَيْهِمْ وَرَابِعُهَا: يُلْقُونَ الْمَسْمُوعَ مِنَ الشَّيَاطِينِ إِلَى النَّاسِ، وَأَكْثَرُ الْأَفَّاكِينَ كَاذِبُونَ يَفْتَرُونَ عَلَى الشَّيَاطِينِ مَا لَمْ يُوحُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنْ قُلْتَ يُلْقُونَ مَا مَحَلُّهُ؟ قُلْتُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ تَنَزَّلُ مُلْقِينَ السمع، وفي محل الجر صفة لكل أَفَّاكٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَحَلٌّ بِأَنْ يَسْتَأْنِفَ كَأَنَّ قَائِلًا قال: لم ننزل عَلَى الْأَفَّاكِينَ؟ فَقِيلَ يَفْعَلُونَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإِنْ قلت كيف قال: وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ بعد ما قَضَى عَلَيْهِمْ أَنَّ كَلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَفَّاكٌ؟ قُلْتُ: الْأَفَّاكُونَ هُمُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ الْكَذِبَ، لَا أَنَّهُمُ الَّذِينَ لَا يَنْطِقُونَ إِلَّا بِالْكَذِبِ، فَأَرَادَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَفَّاكِينَ قَلَّ مَنْ يَصْدُقُ مِنْهُمْ فِيمَا يَحْكِي عَنِ الْجِنِّ وَأَكْثَرُهُمْ يَفْتَرِي عَلَيْهِمْ.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٢٤ الى ٢٢٧]
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)
اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنَزَّلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا أَنَّهُمْ يَنْزِلُونَ بِالْكَهَانَةِ عَلَى الْكَهَنَةِ وَبِالشِّعْرِ عَلَى الشُّعَرَاءِ؟ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَرَّقَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الكهنة، فذكر هاهنا مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَيْنَ الشُّعَرَاءِ، وَذَلِكَ هُوَ أَنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَيِ الضَّالُّونَ، ثُمَّ بَيَّنَ تِلْكَ الْغِوَايَةَ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الطُّرُقُ الْمُخْتَلِفَةُ كَقَوْلِكَ أَنَا فِي وَادٍ وَأَنْتَ فِي وَادٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَمْدَحُونَ الشَّيْءَ بَعْدَ أَنْ ذَمُّوهُ وَبِالْعَكْسِ، وَقَدْ يُعَظِّمُونَهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَحْقَرُوهُ وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ بِشِعْرِهِمُ الْحَقَّ وَلَا الصِّدْقَ بِخِلَافِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ إِلَى آخِرِهِ بَقِيَ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالتَّرْغِيبُ فِي الْآخِرَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الدنيا الثاني: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ عَلَامَاتِ الْغُوَاةِ، فَإِنَّهُمْ يُرَغِّبُونَ فِي الْجُودِ وَيَرْغَبُونَ عَنْهُ، وَيُنَفِّرُونَ عَنِ الْبُخْلِ وَيُصِرُّونَ عَلَيْهِ، وَيَقْدَحُونَ فِي النَّاسِ بِأَدْنَى شَيْءٍ صَدَرَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَسْلَافِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَا يَرْتَكِبُونَ إِلَّا الْفَوَاحِشَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْغِوَايَةِ وَالضَّلَالَةِ.
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشعراء: ٢١٣] ثُمَّ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ حَيْثُ قَالَ اللَّه تَعَالَى له: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ طَرِيقَةِ الشُّعَرَاءِ، فَقَدْ ظهر بهذا الذي بيناه أن حلال مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يُشْبِهُ حَالَ الشُّعَرَاءِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الشُّعَرَاءَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ بَيَانًا لِهَذَا الْفَرْقِ اسْتَثْنَى عَنْهُمُ الْمَوْصُوفِينَ بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: الْإِيمَانُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا، وَثَانِيهَا: الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ،

(١) في الكشاف (يوحون) ٣/ ١٣٢) ط. دار الفكر.

صفحة رقم 538

وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ شِعْرُهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَدَعْوَةِ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً، وَرَابِعُهَا: أَنْ لَا يَذْكُرُوا هَجْوَ أَحَدٍ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الِانْتِصَارِ مِمَّنْ يَهْجُوهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا قَالَ اللَّه تَعَالَى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النِّسَاءِ: ١٤٨] ثُمَّ إِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ تَرْكُ الِاعْتِدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٩٤] وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ عَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَكَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَهْجُونَ قُرَيْشًا،
وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مالك: «أن رسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: اهْجُهُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ»
وَكَانَ يَقُولُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ «قُلْ وَرُوحُ الْقُدُسِ مَعَكَ».
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ واللَّه اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا يُزِيلُ الْحُزْنَ عَنْ قَلْبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلَائِلَ عَلَى نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ ذَكَرَ سُؤَالَ الْمُشْرِكِينَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً بِالْكَاهِنِ، وَتَارَةً بِالشَّاعِرِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَاهِنِ أَوَّلًا: ثُمَّ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاعِرِ ثَانِيًا: خَتَمَ السُّورَةَ بِهَذَا التَّهْدِيدِ الْعَظِيمِ، يَعْنِي أَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَعْرَضُوا عَنْ تَدَبُّرِ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَالتَّأَمُّلِ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَاتِ فَإِنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ مِنْهُ الزَّجْرُ عَنِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّه بِهَا هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءَ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى نَظْمِ السُّورَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا واللَّه أَعْلَمُ.
وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى التَّابِعَيْنِ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

صفحة رقم 539
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية