آيات من القرآن الكريم

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ

لكان وجهًا جيدًا من القراءة. ويكون «١» قوله (يَدْعُوا) التي بعد (الْبَعِيدُ) مكرورة على قوله (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ) يدعو مكرّرة، كما تَقُولُ: يدعو يدعو دائبًا، فهذا قوّه لمن نضب اللام ولم يوقع (يدعو) عَلَى (مَنْ) والضلال البعيد الطويل.
وقوله: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ [١٥] جزاء جوابه فى قوله (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ) والهاء فى (قوله «٢» ) (يَنْصُرَهُ اللَّهُ) للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أي من كَانَ منكم يظن أن الله لن ينصر محمدًا بالغلبة حَتَّى يظهر دين الله فليجعل فِي سماء بيته حبلًا ثُمَّ ليختنق بِهِ «٣» فذلك «٤» قوله (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) اختناقًا وَفِي قراءة عبد الله (ثُمَّ ليقطعه) يعني السبب وهو الحبل: يقول (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) إذا فعل ذَلِكَ غَيظه. وَ (مَا يَغِيظُ) فِي موضع نصب:
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا [١٧] إلى قوله (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) ثم قال (إِنَّ اللَّهَ) فجعل فِي خبرهم (إنّ) وَفِي أول الكلام (إنّ) وأنت لا تَقُولُ فِي الكلام: إن أخاكَ إنه ذاهب، فجاز ذَلِكَ لأن المعنى كالجزاء، أي من كَانَ مؤمنًا أو عَلَى شيء من هَذِه الأديان ففصلُ بينهم وحسابُهم عَلَى الله. وربما قالت العرب: إنّ أخاكَ إن الدين عَلَيْهِ لكثير، فيجعلونَ (إنّ) فِي خبره إذا كَانَ إنما يرفع باسم مضاف إلى ذكره «٥» كقول الشاعر «٦» :

إن الخليفة إن الله سربَله سربال مُلكٍ بِهِ ترجَى الخواتيم
ومن قَالَ «٧» هَذَا لَمْ يقل: إنك إنك قائم، ولا يقول: إنّ أباكَ إنه قائم لأن الاسمين قد اختلفا فحسن رفض الأول، وجعل الثاني كأنه هُوَ المبتدأ فحسُن للاختلاف وقبح للاتّفاق.
(١) هذا الوجه غير ما قبله.
(٢) ا: «أن لن ينصره».
(٣) سقط في ا.
(٤) ش، ب: «كذلك».
(٥) أي الضمير العائد عليه.
(٦) هو جرير من قصيدة يمدح بها بنى مروان والرواية فى الديوان ٤٣١ (طبع بيروت) :
يكفى الخليفة أن الله سربله
(٧) ا: «ذلك».

صفحة رقم 218

وقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ [١٨] يريد: أهل السموات (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) يعني كل خلق من الجبال ومن الجن وأشباه ذَلِكَ (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) من أهل الطاعة (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) فيقال. كيف رفع الكثير وهو لَمْ يسجد؟ فالجواب فِي ذَلِكَ أَنَّ قوله (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) يدلّ عَلَى أَنَّهُ: وكثير أبَى السّجود، لأنه لا يحِقّ عَلَيْهِ العذاب إلا بترك «١» السجود والطاعة. فترفعه بما عاد من ذكره فِي قوله (حَقَّ عَلَيْهِ) فتكون (حَقَّ عَلَيْهِ) بمنزلة أَبَى. ولو نصبت: وكثيرًا حق العذاب كَانَ وجهًا بمنزلة قوله (فَرِيقاً هَدى «٢» وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ينصب «٣» إذا كَانَ فِي الحرف واو وعاد ذكره بفعل قد وقع عَلَيْهِ. ويكون فِيهِ الرفع لعودة ذكره كما قَالَ الله (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) «٤» وكما قال (وَأَمَّا ثَمُودُ «٥» فَهَدَيْناهُمْ).
وقوله (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يقول: ومن يشقه الله فما لَهُ من مُسعد. وقد تقرأ «٦» (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) يريد: من إكرام.
وقوله: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [١٩] فريقين «٧» أهل دينين. فأحد الخصمين المسلمون، والآخر اليهود والنصارى.
وقوله (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) فِي دين ربهم. فقال اليهود والنصارى للمسلمين: ديننا خيرٌ من دينكم لأنا سبقناكم. فقال المسلمون: بَلْ ديننا خيرٌ من دينكم. لأنّا آمنّا بنبينا والقرآن، وآمنّا بأنبيائكم وكتبكم، وكفرتم بنبيِّنا وكتابنا. فعلاهم المسلمون بالحجة وأنزل الله هذه الآية.

(١) ا: «بتركه». [.....]
(٢) الآية ٣٠ سورة الأعراف.
(٣) ا: «فينصب».
(٤) الآية ٢٢٤، سورة الشعراء.
(٥) الآية ١٧ سورة فصلت.
(٦) هى قراءة ابن أبى عبلة كما فى البحر ٦/ ٣٥٩.
(٧) هو حال من الضمير فى «اختصموا».

صفحة رقم 219
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية