آيات من القرآن الكريم

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ

المعنى الجملي
لما ذكر فى الآية السالفة حال عباده المنافقين وحال معبوديهم- عطف على ذلك بذكر حال المؤمنين الذين آمنوا بقلوبهم، وصدّقوا إيمانهم بأفعالهم، وعملوا الصالحات وتركوا المنكرات.
الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي إن الله سبحانه يتفضل على المؤمنين الذين عملوا صالح الأعمال، ويكافئهم لقاء إحسانهم، بدخول الجنات التي تجرى من تحت أشجارها الأنهار جزاء وفاقا على ما قاموا به من جليل الأعمال، وما زكّوا به أنفسهم من جميل الخصال:
ولما بين سبحانه حال الفريقين ذكر أنه قادر على أن يفعل بهما ما يشاء فقال:
(إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من إكرام من يطيعه وإهانة من يعصيه، لا رادّ لحكمه، ولا مانع لقضائه، فهو يعطى المتقين ضروبا من الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال: «فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» ويدخل الكافرين نارا وقودها الناس والحجارة، لما دسّوا به أنفسهم من أنواع الرجس والفسوق.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٥ الى ١٦]
مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)
تفسير المفردات
بسبب: أي بحبل، إلى السماء: أي إلى سقف بيته، ليقطع: أي ليختنق، فلينظر: أي فليقدر فى نفسه النظر، كيده: أي فعله، ما يغيظ: أي غيظه.

صفحة رقم 96

المعنى الجملي
بعد أن ذكر حال المجادل بالباطل وخذلانه فى الدنيا، لأنه لا يدلى بحجة من العقل ولا ببرهان من الوحى، ثمّ بيّن ما يئول إليه أمره من النكال فى الدنيا والخزي فى الآخرة، ثم ذكر مشايعيه وعمم خسارهم فى الدارين، وأردف ذلك ذكر حال المؤمنين وما يلقونه من السعادة والنعيم فى الدار الآخرة- قفى على ذلك بذكر المجادل عنهم وعن دين الله بالتي هى أحسن، وهو رسول الله ﷺ وبالغ فى إثبات نصره بما لا مزيد عليه، ثم ذكر شأن كتابه وأنه آيات واضحات ترشد إلى سواء السبيل.
الإيضاح
(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) أي من كان يحسب أن الله لن ينصر محمدا ﷺ فى الدنيا والآخرة فليمدد بحبل إلى سماء بيته ثم ليختنق به، ثم ليصور فى نفسه النظر، هل يذهبنّ ذلك الكيد الذي كاده، والفعل الذي فعله ما يغيظه من النصرة- كلّا.
وخلاصة المعنى- من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدا ولا كتابه ولا دينه فليذهب وليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة كما قال: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» وسيعلى فى الدنيا كلمته ويظهر دينه، ويرفع فى الآخرة درجته ويدخل من صدقه جنات تجرى من تحتها الأنهار وينتقم ممن كذّبه، ويذيقه عذاب الحريق، فمن كان من أعاديه يغيظه ذلك فليبالغ فى كيده إلى أقصى مجهوده، فقصارى أمره خيبة مسعاه ودوام غيظه دون أن يصل إلى غاية، أو يبلغ أمنيّة.
وتلخيص هذا- أيها الكاره لمحمد الذي أرسل لإنقاذك، إن نعم الله على

صفحة رقم 97
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية