
أى: إن الله- تعالى- بفضله وكرمه، يدخل عباده «الذين آمنوا» إيمانا حقا، «وعملوا» الأعمال «الصالحات جنات تجرى من» تحت أشجارها، «الأنهار» إن الله- تعالى- يفعل ما يريد فعله على حسب ما تقتضيه حكمته ومشيئته دون أن ينازعه في ذلك منازع. أو يعارضه معارض، فهو- سبحانه- لا يسأل عما يفعل.
ثم بين- سبحانه- أن نصره لنبيه صلّى الله عليه وسلّم آت لا شك فيه مهما كره ذلك الكارهون، فقال- تعالى-:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٥ الى ١٦]
مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)
وللعلماء في تفسير الآية الأولى أقوال:
أولها أن الضمير في قوله يَظُنُّ يعود إلى أعداء النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي قوله يَنْصُرَهُ يعود إليه صلّى الله عليه وسلّم والمعنى: «من كان يظن» من الكافرين الكارهين للحق الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم «أن لن ينصره الله». أى: أن لن ينصر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم «في الدنيا والآخرة فليمدد» هذا الكافر «بسبب» أى: بحبل إلى السماء، أى: سقف بيته، لأن العرب تسمى كل ما علاك فهو سماء.
«ثم ليقطع» ثم ليختنق هذا الكافر بهذا الحبل، بأن يشده حول عنقه ويتدلى من الحبل المعلق بالسقف حتى يموت.
«فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ» أى: فليتفكر هذا الكافر في أمره، هل يزيل فعله هذا ما امتلأت به نفسه من غيظ لنصر الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم؟
كلا، فإن ما يفعله بنفسه من الاختناق والغيظ، لن يغير شيئا من نصر الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، فليمت هذا الكافر بغيظه وكيده.
فالمقصود بالآية الكريمة: بيان أن ما قدره الله- تعالى- من نصر لنبيه صلّى الله عليه وسلّم لن

يحول بين تنفيذه حائل، مهما فعل الكافرون، وكره الكارهون، فليموتوا بغيظهم، فإن الله- تعالى- ناصر نبيه لا محالة.
وصح عود الضمير في قوله أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مع أنه لم يسبق له ذكر، لأن الكلام دال عليه في الآيات السابقة، إذ المراد بالإيمان في قوله- تعالى- في الآية السابقة إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ... الإيمان بصدق النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به عند ربه- تعالى-.
وعبر- سبحانه- عن اختناق هذا الحاقد بالحبل بقوله: ثُمَّ لْيَقْطَعْ لأن قطع الشيء يؤدى إلى انتهائه وهلاكه، والمفعول محذوف. والتقدير: ثم ليقطع نفسه أو حياته.
وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره للآية بهذا القول فقال: هذا كلام قد دخله اختصار.
والمعنى: إن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة، فمن كان يظن من حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك.. فليستقص وسعه، وليستفرغ مجهوده في إزالة ما يغيظه. بأن يفعل ما يفعله من بلغ به الغيظ كل مبلغ، حتى مد حبلا إلى سماء بيته فاختنق، فلينظر- هذا الحاسد- وليصور في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه؟
وسمى- سبحانه- فعل هذا الكافر كيدا، لأنه وضعه موضع الكيد، حيث لم يقدر على غيره، أو سماه كذلك على سبيل الاستهزاء، لأنه لم يكد به محسوده، إنما كاد نفسه.
والمراد: إنه ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه... » «١».
وثانيها: إن الضمير في قوله: لَنْ يَنْصُرَهُ يعود إلى «من» في قوله مَنْ كانَ يَظُنُّ وأن النصر هنا بمعنى الرزق..
فيكون المعنى: من كان من الناس يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة فليختنق، وليقتل نفسه، إذ لا خير في حياة ليس فيها رزق الله وعونه، أو فليختنق، فإن اختناقه لن يغير شيئا مما قضاه الله- تعالى-.
قال الآلوسى: واستظهر أبو حيان كون الضمير في «ينصره» عائدا على «من» لأنه المذكور، وحق الضمير أن يعود على مذكور... وفسر النصر بالرزق.
قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بنى بكر فقال: من ينصرني نصره الله- أى: من يرزقني رزقه الله.