آيات من القرآن الكريم

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ

الخير، ومنه قوله: ﴿صَرْحٌ مُمَرَّدٌ﴾ [النمل: ٤٤] وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ [التوبة: ١٠١].
٤ - قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾.
قال ابن عباس: قضى الله تعالى أن من أطاع إبليس أضله ولم يرشده وصيره إلى عذاب السعير (١).
والكناية في قوله ﴿عَلَيْهِ﴾ (٢) عائدة على (٣) الشيطان، وكذلك في قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ﴾ (٤) (٥).
وهذه الآية دليل على أنَّ (٦) الله قد كتب في الأزل وقضى على الشيطان إضلال من تولاه، وأنَّ ذلك من الله تعالى حكم (٧) لا نكير (٨) عليه فيه.

(١) ورد نحوه باختصار عن مجاهد وقتادة. انظر الطبري ١٧/ ١١٦، "الدر المنثور" ٦/ ٨.
(٢) (عليه): ساقطة من (ظ).
(٣) في (ظ): (إلى).
(٤) (فأنّه): ساقطة من (ظ).
(٥) وقيل الكناية في "عليه"، "أنّه"، تعود على "من" الأولى، أي المجادل. واستظهره أبو حيّان.
وقيل الضميران في "عليه"، "أنه" عائدان على "من" الأولى. والضمير في "فأنّه" ضمير الشأن.
وقال ابن عطية -بعد أن ذكر أن الضمير في "عليه" عائد على الشيطان ثم ذى احتمالاً أنه يعود على المتولي-: والذي يظهر لي أن الضمير في "أنّه" الأولى للشيطان، وفي الثانية لـ"من" الذي هو المتولي. "المحرر" لابن عطية ١٠/ ٢٧، "البحر المحيط" ٦/ ٣٥١، "الدر المصون" ٨/ ٢٢٩ - ٢٣٠.
(٦) (أن): ساقطة من (أ).
(٧) (حكم): ساقطة من (ظ).
(٨) في (ع): (لا يكبر)، وهو خطأ.

صفحة رقم 252

وفيه تكذيب للقدرية في امتناعهم عن إضافة القدر إلى الله تعالى في الضلال والكفر، وعندهم أن شيئًا من اللطف لم يبق إلا وقد فعله الله بعباده فلم يؤمنوا، ولو منع شيئًا من اللطف خرج عن الإلهية، فإلاههم بزعمهم في صورة عاجز على الحقيقة لا يقدر أن يفعل ما يصير الناس به (١) مؤمنين وهم أبدا يقولون (٢): إضلاله إياهم وقضاؤه عليهم بالكفر سفه. فيقال (٣) ففي خلقه إيّاهم مع علمه بما سيكون منهم مثل ذلك السفه فلم خلقهم وهو يعلم أنهم لا يتعاطون سوى الكفر؟ وفي خلق القدرة لهم حتى يكفروا بها!.
فبان بهذا أن الدين كله في الاستسلام للقدرة وتفويض الأمر إلى المشيئة من غير تحكم، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
قال (٤) أبو إسحاق: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ (أنَّه) في] (٥) موضع أرفع (فأنَّه] (٦) يضله) عطف عليه، والفاء الأجود فيها أن تكون [في معنى الجزاء، وجائز كسر إنَّ مع الفاء وتكون (٧) جزاءً] (٨) لا غير. والتأويل: كتب على الشيطان [إضلال متوليه (٩) وهدايتهم إلى عذاب السعير. وحقيقة

(١) في (ظ)، (د)، (ع): زيادة (إليه) بعد قوله الناس.
(٢) في (أ): (يقول)، وهو خطأ.
(٣) في (ظ): (فقال)، وهو خطأ.
(٤) في (ظ): (يزعمون).
(٥) في (أ): (وقال).
(٦) بين المعقوفين كشط من (ظ).
(٧) في المعاني: ويكون.
(٨) بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٩) في (أ): (متوالية)، وهو خطأ.

صفحة رقم 253

"أن"] (١) الثانية أنها مكررة على جهة التوكيد؛ لأن المعنى: كتب عليه أنه من تولاه أضله. انتهى كلامه (٢).
قال أبو علي: إعراب هذه الآية مشكل، وأنا أشرحه -إن شاء الله- وأبيّن موضع السَّهو فيه.
قوله ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ (أنه) في موضع رفع وهي توصل من الجمل (٣) بالابتداء والخبر. وخبر الابتداء معلومٌ وجوهه. وقوله ﴿مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ لا تخلو "مَن" مِن أن تكون (٤) بمنزلة "الذي" وتكون بمعنى الجزاء. [فإن كان بمعنى الجزاء] (٥) فالفاء في "فأنَّه" إنّما هو جواب الجزاء، ولا تكون العاطفة [لأنَّها إذا كانت جوابًا للجزاء لم يجز أن تكون العاطفة] (٦) كما أنها إذا كانت داخلة على خبر المبتدأ إذا كان المبتدأ موصولاً، وكانت جملته بمعنى الجزاء لم تكن العاطفة نحو قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٤] فـ"من" على هذا الوجه في موضع رفع، و ﴿تَوَلَّاهُ﴾ في موضع جزم لكونه شرطًا، والفاء وما بعدها في موضع جزم لوقوعه موقع جزاء الشرط، و"أن" من قوله "فأنه يضله" موضعه رفع بإضمار مبتدأ بين الفاء و"إنّ"، لترتفع "أنَّ" على أنَّه (٧)

(١) ما بين المعقوفين كشط في (ظ).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤١١.
(٣) في "الإغفال" ص ١٠٣١: وهي ما توصل بالجمل.
(٤) في "الإغفال" ص ١٠٣١: فلا يخلو "من" فيه من أن تكون...
(٥) ساقط من (ظ)، (د)، (ع) وليس موجودًا في الإغفال.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٧) (أنه): ساقطة من (ظ).

صفحة رقم 254

خبرُ مبتدأ (١) محذوف تقديره: فشأنه أنَّه يُضلّه، أو أمره، أو نحو ذلك مما يصلح أن يكون مبتدأ لهذا الخبر، إذ كانت "أنَّ" لا تكون مبتدأة وإنَّما تكون مبنية على شيء، ومثل هذا قوله ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٦٣] فارتفاع "أنَّ" بما ارتفع به "أنّ" في قوله ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ وقوله] (٢) ﴿مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ في موضع رفع لوقوع جميع ذلك خبرًا لـ"أنّ". كما أنَّ ﴿مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ﴾ إلى قوله ﴿خَالِدًا فِيهَا﴾ (٣) في موضع رفع لوقوعها خبرًا لـ"أنَّ"، فالفاء في "فإنه" ليست بعاطفة في (٤) هذا الوجه.
وإن كان "من" من قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ بمعنى "الذي" (٥) فالتقدير: كتب على الشيطان أن الشيطان الذي تولاه. فاسم "أنَّ" الهاء التي هي ضمير الشيطان و"من" اسم مبتدأ وخبره ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ فالقول في ارتفاع "أنَّ" من قوله "فأنه" على هذا الوجه كالقول في الوجه الأول وما يقدر فيه من الإضمار الذي يكون "أنَّ" مبنيًّا عليه، وتقديره: الذي تولاه ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾] (٦) فله إضلاله [أو"فشأنه إضلاله] (٧) وهدايته إياه إلى عذاب

(١) في (أ): (لمبتدأ).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) فيها: ساقطة من (أ).
(٤) في "الإغفال" ص ١٠٣٥: على.
(٥) هذا هو شرح الاحتمال الثاني في معنى "من" من قول "من تولاه" الذي ذكره أبو علي في أول كلامه بقوله: وقوله "من تولاه" لا تخلو "من" من أن تكون بمنزلة الذي أو تكون بمعنى الجزاء.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).

صفحة رقم 255

السعير. فالفاء في هذا الوجه أيضًا داخلة لمعنى الجزاء، ولا يجوز أن تكون العاطفة. ألا ترى أنك لا تقول: زيد فمنطلق. فتعطف الخبر على مبتدأه، وإنّما دخلت هنا لما في الصلة من معنى الجزاء كقوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٤]، وقوله: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٥٣]. ومثله في التنزيل كثير.
فإذا لم يخل من الوجهين اللذين ذكرنا، وكانت الفاء في كلا الوجهين متعلقة بها لا على جهة العطف لما بينا ثبت أنَّ قول أبي إسحاق: أنّ (١) "فأنه" عطف على "أنَّ" خطأ؛ إذ كانت الفاء لا تخلو: إما أن تكون مع ما بعدها في موضع جزم لوقوعه جزاء للشرط، واما أن تكون مع ما بعدها في موضع رفع لوقوعها خبرًا لمبتدأ واقع مع خبره موقع خبر "أنَّ" من قوله ﴿أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾.
وإذا بطل أن تكون الفاء للعطف بطل قول أبي إسحاق في "أنَّ" من قوله "فأنّه يضله" موضعها رفع أيضًا أن يكون مرفوعًا من الجهة التي ذكر وهو خطأ (٢) ثانٍ (٣) لزمه لجعله الفاء عاطفة و"أن" من قوله "فأنّه يضله" لا يجوز أن تكون معطوفة على الأولى (٤)؛ لأنه لا يخلو من أن يكون خبر مبتدأ، أو يكون جواب شرط، ومحال أن يعطف خبر المبتدأ على المبتدأ

(١) أنّ: ساقطة من (ظ).
(٢) في (أ): (التي ذكره)، هو خطأ.
(٣) في (أ): (فإن)، وهو خطأ.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (الأول)، والمثبت مش (أ). وهو الموافق لما في "الإغفال" ص ١٠٤٠.

صفحة رقم 256
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
عدد الأجزاء
1