آيات من القرآن الكريم

كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

الجزء السادس
من تفسير روح البيان
تفسير سورة الحج
مكية الاست آيات من (هذانِ خَصْمانِ) الى آخر (الْحَمِيدِ) (وهى ثمان وسبعون آية) بسم الله الرحمن الرحيم
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ اى احذروا من عقوبة مالك أموركم ومربيكم بطاعته إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ الزلزلة التحريك الشديد بطريق التكرير كما يدل عليه تكرير الحروف لان زلزل مضاعف زل والساعة عبارة عن القيامة سميت بذلك لسرعة حسابها كما فى المفردات اختلف العلماء فى وقت هذه الزلزلة فقال بعضهم تكون فى الدنيا قبيل طلوع الشمس من مغربها فيكون الذهول والوضع الإتيان على حقيقتهما وقال بعضهم تكون يوم القيامة فيحملان على التمثيل والأظهر ما قال ابن عباس رضى الله عنهما ان زلزلة الساعة قيامها فيكون معناها ان الزلزلة الواقعة عند قيام الساعة شىء عظيم لا يحيط به الوصف فلا بد من التقوى لتخليص النفس من العذاب يَوْمَ تَرَوْنَها
منتصب بما بعده اى وقت رؤيتكم تلك الزلزلة تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
الذهول الذهاب عن الأمر مع دهشة والمرضعة المرأة المباشرة للارضاع بالفعل وبغير التاء هى التي من شأنها الإرضاع لكن لم تلابس الفعل ومثلها حائض وحائضة والتعبير عن الطفل بما دون من لتأكيد الذهول وكونه بحيث لا يخطر ببالها انه ماذا أي تغفل مع حيرة عما هى بصدد ارضاعه من طفلها الذي ألقمته ثديها اشتغالا بنفسها وخوفا: وبالفارسية [غافل شود وفراموش كند از هيبت آن هر شير دهنده از ان فرزندى كه ويرا شير ميدهد با وجود مهربانى مرضعه بر رضيع] اى لو كان مثلها فى الدنيا لذهلت المرضعة عما ارضعته لغير فطام وكذا قوله

صفحة رقم 2

تعالى وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
اى تلقى وتسقط جنينها لغير تمام من شدة ما غشيها والحمل بالفتح ما كان فى البطن او على رأس الشجر وبالكسر ما كان على الظهر وفى التأويلات النجمية يشير الى مواد الأشياء فان لكل شىء مادة هى ملكوته ترضع رضيعها من الملك وذهولها عنه بهلاك استعدادها للارضاع وذات حمل هى ما تسمى هيولى فانها حامل بالصور اى تسقط حمل الصور الشهادية املاك الهيولى وَتَرَى النَّاسَ
اهل الموقف سُكارى
جمع سكران اى كأنهم سكارى وافراد الخطاب هنا بعد جمعه فى ترونها لان الزلزلة يراها الجميع لكونها امرا مغايرا للناس بخلاف الحالة القائمة بهم من اثر السكر فان كل أحد لا يرى الا ما قام بغيره والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله واكثر ما يستعمل ذلك فى الشراب وقد يعترى من الغضب والعشق ولذا قال الشاعر
سكران سكر هوى وسكر مدامة
ومنه سكرات الموت قال جعفر رضى الله عنه اسكرهم ما شاهدوا من بساط العز والجبروت وسرادق الكبرياء حتى الجأ النبيين الى ان قالوا نفسى نفسى

در ان روز كز فعل پرسند وقول أولوا العزم را تن بلرزد ز هول
بجايى كه دهشت خورد انبيا تو عذر كنه را چهـ دارى بيا
وَما هُمْ بِسُكارى
حقيقة قال الكاشفى [زيرا زوال عقل از خوف وحيرت سكر نباشد واگر رأى العين مانند سكر نمايد] وفيه اشارة الى ان الصور الاخروية وان كانت مثل الصور الدنيوية فى ظاهر النظر لكن بين الحقيقتين تخالف ولذا قال ابن عباس رضى الله عنهما لا يشبه شىء مما فى الجنة شيئا مما فى الدنيا الا بالاسم واعلم ان السكر من انواع شتى. فمن شراب الغفلة والعصيان. ومن حب الدنيا وشهواتها. ومن التنعم. ومن لذة العلم. ومن الشوق. ومن المحبة. ومن الوصال. ومن المعرفة. ومن المحبية والمحبوبية كما قال بعضهم
لى سكرتان وللندمان واحدة شىء خصصت به من بينهم وحدي
وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
فغشيهم هوله وطير عقولهم وسلب تمييزهم وللعذاب نيران نار جهنم ونار القطيعة والفراق ونار الاشتياق ونار الفناء فى النار والبقاء بالنار كقوله تعالى (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) وكانت استغاثة النبي عليه السلام بقوله (كلمينى يا حميراء) من فوران هذه النار وهيجانها والله اعلم قال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله لو أمرنى الله ان اقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذابا: قال الحافظ
هر چند غرق بحر كناهم ز صد جهت كر آشناى عشق شوم ز اهل رحمتم
قال بعضهم نزلت هاتان الآيتان فى غزوة بنى المصطلق ليلا فقرأهما رسول الله على أصحابه فلم ير اكثر باكيا من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدرا وكانوا بين حزين وباك ومفكر فقال عليه السلام (أتدرون اى يوم ذلك) فقالوا الله ورسوله اعلم قال (ذلك يوم يقول الله لآدم يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك فيقول اخرج بعث النار فيقول من كل كم قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين) قال عليه السلام (فذلك) اى التقاول (حين يشيب الصغير وتضع كل ذات

صفحة رقم 3

حمل حملها وترى الناس سكارى) اى من الخوف (وَما هُمْ بِسُكارى)
اى من الخمر (وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
فكبر ذلك على المسلمين فبكوا وقالوا يا رسول الله أينا ذلك فقال (ابشروا فان من يأجوج ومأجوج الفا ومنكم رجل) ثم قال (والذي نفسى بيده انى لارجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة) فكبروا وحمدوا الله ثم قال والذي نفسى بيده انى لأرجو ان تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال (والذي نفسى بيده انى لارجو ان تكونوا ثلثى أهل الجنة وان اهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منها أمتي وما المسلمون الا كالشامة فى جنب البعير او كالرقمة فى ذراع الحمار بل كالشعرة السوداء فى الثور الأبيض او كالشعرة البيضاء فى الثور الأسود) ثم قال (ويدخل من أمتي سبعون الفا الجنة بغير حساب) فقال عمر رضى عنه سبعون ألفا قال (نعم ومع كل ألف سبعون الفا) فقام عكاشة بن محصن رضى الله عنه فقال يا رسول الله ادع الله ان يجعلنى منهم فقال عليه السلام (أنت منهم فقام رجل من الأنصار فقال ادع الله ان يجعلنى منهم فقال عليه السلام (سبقك بها عكاشة) قال بعض ارباب الحقائق وجه كون هذه الامة ثمانين صفا ان الله تعالى قال فى حقهم (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) ولما كانت الجنة دار أبيهم آدم فالاقرب اليه من أولاده يحجب الأبعد واقرب بنيه اليه وأفضلهم على الإطلاق هو محمد عليه السلام وأمته فكان ثلثا الجنة للاصل الأقرب وبقي الثلث للفرد الا بعد وذلك ان الامة المحمدية اقرب الى الكمال من سائر الأمم كالذكر اقرب الى الكمال من الأنثى وللذكر مثل حظ الأنثيين ولهذا السر يكنى آدم فى الجنة بابى محمد ولا شك انه عليه السلام ابو الأرواح كما ان آدم ابو البشر فالاب الحقيقي يحجب أولاد أولاده فأمته هم الأولاد الأقربون وسائر الأولاد هم الأبعدون وَمِنَ النَّاسِ مبتدأ اى وبعض الناس وهو النضر بن الحارث وكان جدلا يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا بعث بعد الموت مَنْ يُجادِلُ الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمقاتلة وأصله من جدلت الحبل اى أحكمت فتله كان المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه فِي اللَّهِ اى فى شأنه ويقول فيه ما لا خير فيه من الأباطيل حال كون ذلك المجادل ملابسا بِغَيْرِ عِلْمٍ [بي دانشى وبي معرفتى وبي برهانى وحجتى] والآية عامة فى كل كافر يجادل فى ذات الله وصفاته بالجهل وعدم اتباع البرهان وفى التأويلات النجمية يشير الى ان من يجادل فى الله ما له علم بالله ولا معرفة به والا لم يجادل فيه ولم يستسئل وانما يجادل لاتباعه الشيطان كما قال وَيَتَّبِعُ فى جداله وعامة أحواله كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ متجرد للفساد متعر من الخيرات وهم رؤساء الكفرة الذين يدعون من دونهم الى الكفر أو إبليس وجنوده يقال مرد الشيء إذا جاوز حد مثله وأصله العرى يقال غلام امرد وغصن امرد إذا عرى من الشعر والورق وروى (اهل الجنة مرد) فقد حمل على ظاهره وقيل ان معناه معرّون عن المقابح والشوائب كُتِبَ عَلَيْهِ اى قضى على كل شيطان من الجن والانس كما فى التأويلات النجمية قال الكاشفى [نوشته شده است بر ان ديو در لوح محفوظ] أَنَّهُ اى الشأن مَنْ [هر كس كه]

صفحة رقم 4
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية