آيات من القرآن الكريم

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ

يقول الكافر: لمن ضره أقرب من نفعه في قول المسلمين: هو معبودي وإلهي، لبئس المولى في التناصر، ولبئس المعاشر والصاحب والخليل.
٣- يثيب الله من يشاء، ويعذب من يشاء، فللمؤمنين الجنة بحكم وعده الصدق وبفضله، وللكافرين النار بما سبق من عدله، لا أن فعل الرب معلل بفعل العبد.
٤- ما أروع هذه المقارنة والموازنة في الآيات بين حال المشركين وحال المنافقين، وحال المؤمنين في الآخرة! فالعاقل هو الذي ينحاز آليا لصف الإيمان ليبرأ في عالم الآخرة، والجاهل الغبي أو المعاند أو المتلاعب هو الذي يبقى في عكر العقيدة ومفاسدها وخبائثها، فيتلقى جزاءه عدلا، ولا ظلم في الحساب.
حال اليائس من نصرة الرسول وإنزال الآيات البينات
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١٥ الى ١٦]
مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)
الإعراب:
آياتٍ بَيِّناتٍ حال منصوب، وبَيِّناتٍ صفة، أي ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله آيات واضحات.
وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي.. معطوف على هاء: أَنْزَلْناهُ.

صفحة رقم 172

المفردات اللغوية:
أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ أي أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة، فمن كان يظن خلاف ذلك ويتوقعه من غيظه فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ أي فليمدد حبلا إلى سقف بيته يشده فيه وفي عنقه، ثم ليختنق به، بأن يقطع أنفاسه من الأرض، والمراد: فليستقص في إزالة غيظه أو جزعه، بأن يفعل كل ما يفعله الممتلئ غضبا أو غيظا، حتى يمد حبلا إلى سماء بيته، فيختنق.
وليس هذا دعوة إلى الانتحار، وإنما كما يقول المثل العامي: اشرب البحر، للدلالة على عدم الفائدة من الفعل.
فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ أي فليتصور في نفسه، هل يذهبن كيده في عدم نصرة النبي صلّى الله عليه وسلم غيظه، والمعنى: فليختنق غيظا منها، فلا بد منها.
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ أي مثل إنزالنا الآية السابقة أَنْزَلْناهُ أي القرآن الباقي آياتٍ بَيِّناتٍ ظاهرات واضحات وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ هداه، أي ولأن الله يهدي به أو يثبّت على الهدى من يريد هدايته أو ثباته، أنزله كذلك مبينا.
المناسبة:
بعد بيان حال المشركين المجادلين بالباطل، والمنافقين، والمؤمنين، بيّن الله تعالى حال أمرين: هما نصرته رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة لييأس المجادلون، وإنزاله القرآن آيات واضحات ترشد إلى الحق والصواب.
التفسير والبيان:
من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلّى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فليمدد بحبل إلى سقف بيته، ثم ليختنق به، ثم ليتأمل ويتصور في نفسه: هل يذهب فعله الذي فعله غيظه من نصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ كلا.
وسمي الاختناق قطعا لأن المختنق يقطع حياته، وسمي فعله وهو نصب المشنقة كيدا استهزاء لأنه لم يكد به محسوده، وإنما كاد به نفسه، أو لأنه كالكيد، حيث لم يقدر على غيره.

صفحة رقم 173

وقال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل في هذه الآية أن المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلّى الله عليه وسلم، وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه، فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء، ثم ليقطع النصر إن تهيأ له، ثم لينظر هل يذهبن كيده وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلّى الله عليه وسلم؟. والفائدة في الكلام أنه إذا لم يتهيأ له الكيد والحيلة بأن يفعل مثل هذا، لم يصل إلى قطع النصر.
وعلى كلا المعنيين، إن الله ناصر دينه وكتابه ورسوله لا محالة، فليفعل أهل الغيظ ما شاؤوا.
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ أي ومثل ذلك الإنزال للآية المتقدمة أنزلنا القرآن كله آيات واضحات الدلالة على معانيها، ليتعظ بها المعتبر.
وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ أي ولأن الله يهدي به ويوفق الذين يعلم أنهم يؤمنون، ومستعدون للإيمان بما أنزل، ويريد الله هدايتهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية الأولى على حسم الموقف بين النبي صلّى الله عليه وسلم وبين معاديه، فالله تعالى لا محالة ناصر رسوله، ومؤيد دينه وكتابه ودعوته، ومحبط مكائد الأعادي، وقاطع أطماعهم، ورادّ كيدهم في نحورهم، فلا أمل لهم بعدئذ في إحباط دعوة الإسلام، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف ٦١/ ٩] وقال سبحانه: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ [غافر ٤٠/ ٥١].
والله تعالى أيضا مؤيد رسوله صلّى الله عليه وسلم بوحيه، وبما أنزله عليه من الآيات البينات الواضحات، ليفهمها الناس، أي القرآن، وكذلك أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ قال القرطبي: علق وجود الهداية بإرادته، فهو الهادي لا هادي سواه.

صفحة رقم 174
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية