آيات من القرآن الكريم

مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

اللغَة: ﴿زَلْزَلَةَ﴾ الزلزلة: شدة الحركة وأصل الكلمة من زلَّ عن الموضع أي زال عنه وتحرك، وزلزل الله قدمه أي حركها، وهذه اللفظة تستعمل في تهويل الشيء ﴿تَذْهَلُ﴾ ذهل عن الشيء اشتغل عنه بشاغل من هم أو وجع أو غيره ﴿مُّضْغَةٍ﴾ المضغة: اللحمة الصغيرة قدر ما يُمضغ {

صفحة رقم 256

مُّخَلَّقَةٍ} تامة الخِلْقة ﴿بَهِيجٍ﴾ حسن سار للناظر ﴿عِطْفِهِ﴾ العطف: الجانب ومنه قولهم: فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه ويسمى الرداء العِطاف والمعطف لأنه يوضع على الجانبين ﴿العشير﴾ الصاحب والخليل.
التفسِير: ﴿ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ﴾ خطاب لجميع البشر أي خافوا عذاب الله وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وجماع القول في التقوى هو: طاعةُ الله واجتناب محارمه ولهذا قال بعض العلماء: التقوى أن لا يراك حيث نه اك، وأن لا يفقدك حيث أمرك ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ تعليلٌ للأمر بالتقوى أي إن الزلزال الذي يكون بين يدي الساعة أمر أمر عظيم وخطب جسيم لا يكاد يتصور لهوله ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ أي في ذلك اليوم العصيب الذي تشاهدون فيه تلك الزلزلة وترون هول مطلعها ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ أي تغفل وتذهل - مع الدهشة وشدة الفزع - كل أنثى مرضعة عن رضيعها، إذ تنزع ثديها من فم طفلها وتنشغل - لهول ما ترى - عن أحب الناس إليها وهو طفلها الرضيع ﴿وَتَرَى الناس سكارى﴾ أي تراهم كأنهم سكارى يترنحون ترنح السكران من هول ما يدركهم من الخوف والفزع ﴿وَمَا هُم بسكارى﴾ أي وما هم على الحقيقة بسكارى من الخمر ﴿ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ﴾ استدراك لما دهاهم أي ليسوا بسكارى ولكن أهوال الساعة وشدائدها أطارت عقولهم وسلبت أفكارهم فهم من خوف عذاب الله مشفقون ﴿وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي وبعضٌ من الناس من يخاصم وينازع في قدرة الله وصفاته بغير دليل ولا برهان ويقول ما لا خير فيه من الأباطيل قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلاً يثول الملائكة بناتُ الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا بعث بعد الموت قال أبو السعود: والآية عامة له ولأضرابه من العُتاة المتمردين ﴿وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ أي يطيع ويقتدي بكل عاتٍ متمرجد كرؤساء الكفر الصادّين عن الحق ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ﴾ أي حكم الله وقضى أنه من تولى الشيطان واتخذه ولياً ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير﴾ أي فأن الشيطان يفويه ويسوقه إلى عذاب جهنم المستعرة، وعبر بلفظ ﴿وَيَهْدِيهِ﴾ على سبيل التهكم، ولما ذرك تعالى المجادلين في قدرة الله، المنكرين للبعث والنشور ذكر دليلين واضحين على إمكان البعث أحدهما في الإِنسان، والثاني في النبات فقال ﴿ياأيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ﴾ أي إن شككتم في قدرتنا على إحيائكم بعد موتكم فانظروا في أصل خلقكم ليزول ريبكم فقد خلقنا أصلكم «أدم» من التراب، ومن قدر على خلقكم أول مرة قادر على أن يعيدكم ثاني مرة، والذي قدر على إخراج النبات من الأرض، بعد موتها قادر على أن يخرجكم من قبوركم ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ أي ثم جعلنا نسلة من المني الذي ينطف من صلب الرجل قال القرطبي: والنطف: القطر سمي نطفة لقلته ﴿ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ وهو الدم الجامد الذي يشبه العلقة التي تظهر حول الأحواض والمياه ﴿ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ﴾ أي من قطعة من لحم مقدار ما يمضغ ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ أي مستبينة الخلق مصورة وغير مصوة قال ابن زيد: المخلقة التي خلق الله فيها الرأس واليدين والرجلين، وغير مخلقة التي لم يخلق فيها شيء ﴿لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ أي

صفحة رقم 257

خلقناكم على هاذ النموذج البديع لنبين لكم أسرار قدرتنا وحكمتنا قال الزمخشري: أي لنبين لكم بهذا التدريج قدرتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا، ثم من نطفة ثانياً، ولا تناسب بين التراب والماء، وقدر على ان يجعل النطفة علقة وبينهما تباين ظاهر، ثم يجعل العلقة مضغة والمضغة عظاماً، قادر على إعادة ما بدأه، بل هذا أدخل في القدرة وأهون في القياس ﴿وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَآءُ﴾ أي ونثبت من الحمل في أرحام الأمهات من أردنا أن نُقرَّه فيها حتى يتكامل خلقه ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي إلأى زمن معين هو وقت الوضع ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ أي ثم نخرج هاذ الجنين طفلاً ضعيفاً في بدنه وسمعه وبصره وحواسه، ثم نعطيه القوة شيئاً فشيئاً ﴿ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ﴾ أي كمال قوتكم وعقلكم ﴿وَمِنكُمْ مَّن يتوفى﴾ أي ومنكم من يموت في ريعان شبابه ﴿وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر﴾ أي ومنكم من يعمر حتى يصل إلأى الشيخوخة والهرم وضعف القوة والخرف ﴿لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ أي ليعود إلى ما كان عليه في أوان الطفولة من ضعف البنية، وسخافة العقل، وقلة الفهم، فينسى ما علمه وينكر ما عرفه ويعجز عما قدر عليه كما قال تعالى
﴿وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق﴾ [يس: ٦٨] ﴿وَتَرَى الأرض هَامِدَةً﴾ هذه هي الحجة الثانية على إمكان البعث أي وترى أيها المخاطب أو أيها المجادل الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها ﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ﴾ أي فإذا أنزلنا عليها المطر تحركت بالنبات وانتفخت وزادت وحييت بعد موتها ﴿وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ أي واخرجت من كل صنفٍ عجيب ما يسر الناظر ببهائه ورونقه ﴿ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق﴾ أي ذلك المذكور من خلق الإِنسان والنبات لتعلموا أن الله هو الخالق المدبر وأن ما في الكون من آار قدرته وشاهد بأن الله هو الحق ﴿وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى﴾ أي وبأنه القادر على إحياء الموتى كما أحيا الأرض الميتة بالنبات ﴿وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي وبأنه قادر على ما أراد ﴿وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا﴾ أي وليعلموا أن الساعة كائنة لا شك فيها ولا مرية ﴿وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور﴾ أي يحيي الأموات ويعيدهم بعدما صاروا رمماً، ويبعثهم أحياء إلى موقف الحساب ﴿ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ أي يجادل في شأنه تعالى من غير تمسك بعلمٍ صحيح يهدي إلى المعرفة ولا كتابٍ نير بيّن الحجة بل بمجرد الرأي والهوى قال ابن عطية: كرر هذه على وجه التوبيخ فكأنه يقول: هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان ومن الناس مع ذلك من يجادل في الله بغير دليل ولا برهان ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ أي معرضاً عن الحق لاوياً عنقه كفراً قال ابن عباس: مستكبراً عن الحق إذا دُعي إليه قال الزمخشري: وثنيُ العطف عبارة عن الكِبر والخيلاء فهو كتصعير الخد ﴿لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي ليصُدَّ الناس عن دين الله وشرعه ﴿لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ﴾ أي له هوان وذل في الحياة الدنيا ﴿وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق﴾ أي ونذيقه في الآخرة النار المحرقة ﴿ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ أي ذلك الخزي والعذاب بسبب ما اقترفته من الكفر والضلال ﴿وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ﴾ أي وأن الله عادل لا يظلم أحداً من خلقه ﴿وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ﴾ أي ومن الناس من يعبد الله على جانب وطرفٍ من الدين، وهذا تمثيلُ للمذبذبين الذين لا

صفحة رقم 258

يعبدون الله عن ثقة ويقين بل عن قلق واضطراب كالذي يكون على طرف من الجيش فإن أحسَّ بظفر أو غنيمة استقر وإلا فرَ قال الحسن: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه وقال ابن عباس: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خليه قال: هذا دين سوء ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ﴾ أي فإن ناله خير في حياته من صحةٍ ورخاء أقام على دينه ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ﴾ أي وإن ناله شيء يفتتن به من مكروه وبلاء ارتد فرجع إلى ما كان عليه من الكفر ﴿خَسِرَ الدنيا والأخرة﴾ أي أضاع دنياه وآخرته فشقي الشقاوة الأبدية ﴿ذلك هُوَ الخسران المبين﴾ أي ذلك هو الخسران الواضح الذي لا خسران مثله ﴿يَدْعُو مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ﴾ أي يعبد الصنم الذي لا ينفع ولا يضر ﴿ذلك هُوَ الضلال البعيد﴾ أي ذلك هو نهاية الضلال الذي لا ضلال بعده، شبه حالهم بحال من أبعد في التيه ضالاً عن الطريق ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ﴾ أي يعبد وثناً أو صنماً ضره في الدنيا بالخزي والذل أسرع من نفعه الذي يتوقعه بعبادته وهو الشفاعة له يوم القيامة، وقيل: الآية على الفرض والتقدير: أي لو سلمنا نفعه أو ضره لكان ضره أكثر من نفعه، والآية سيقت تسفيهاً وتجهيلاً لمن يعتقد أنه ينتفع بعبادة غير الله حين يستشفع بها ﴿لَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العشير﴾ أي بئس الناصر وبئس القريب والصاحب ﴿إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ لما ذكر حال المشركين وحال المنافقين المذبذبين ذكر حال المؤمنين في الآخرة والمعنى إن الله يدخل المؤمنين الصادقين جنات تجري من تحت قصورها وغرفها أنهار اللبن والخمر والعسل وهم في روضات الجنات يحبرون ﴿إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ أي يثيب من يشاء ويعذب من يشاء لا معقب لحكمه، فللمؤنين الجنة بفضله، وللكافرين النار بعدله ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة﴾ أي من كان يظن أن لن ينصر الله رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الدنيا والآخرة ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السمآء ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ أي فليمدد بحبل إلى السقف ثم ليقطع عنقه وليختنق به ﴿فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ أي فلينظر هل يشفي ذلك ما يجد في صدره من الغيظ؟ قال ابن كثير: وهذا القول قول ابن عباس وهو أظهر في المعنى وأبلغ في التهكم فإن المعنى: من كان يظنُّ أنَّ الله ليس بناصر محمداً وكتابه ودينه فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه فإن الله ناصره لا محالة ﴿وكذلك أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي ومثل ذلك الإنزال البديع المنطوي على الحكم البالغة أنزلنا القرآن الكريم كله آيات واضحات الدلالة على معانيها الرائقة ﴿وَأَنَّ الله يَهْدِي مَن يُرِيدُ﴾ أي وأن الله هو الهادي لا هادي سواه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ﴾ أي صدقوا الله ورسوله وهم أبتاع محمد عليه السلام ﴿والذين هَادُواْ﴾ أي اليهود وهم المنتسبون إلى موسى عليه السلام ﴿والصابئين﴾ هم قوم يعبدون النجوم ﴿والنصارى﴾ هم

صفحة رقم 259

المنتسبون إلى ملة عيسى عليه السلام ﴿والمجوس﴾ هم عبدة النيران ﴿والذين أشركوا﴾ هم العرب عبدة الأوثان ﴿إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ أي يقضي بين المؤمنين وبين الفرق الخمسة الصالة فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ أي شاهد على أعمال خلقه عالم بكل ما يعملون ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض﴾ أي يسجد لعظمته كل شيء طوعاً وكرهاً، الملائكة في أقطار السماوات، والإِنس والجن وسائر المخلوقات في العالم الأرضي ﴿والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب﴾ أي وهذه الأجرام العظمى مع سائر الجبال والأشجار والحيوانات تسجد لعظمته سجود انقياد وخضوع، قال ابن كثير: وخص الشمس والقمر والنجوم بالذكر لأنها قد عبدت من دون الله، فبيّن أنها تسجد لخالقها وأنها مربوبة مسخرة.
والغرض من الآية: بيان عظمته تعالى وانفراده بألوهيته وربوبيته بانقياد هذه العوالم العظمى له وجريها على وفق أمره وتدبيره ﴿وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس﴾ أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب﴾ أي وكثير من الناس وجب له العذاب بكفره واستعصائه ﴿وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ أي من اهانه الله بالشقاء والكفر فلا يقدر أحد على دفع الهوان عنه ﴿إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ﴾ أي يعذب ويرحم، ويعز ويذل، ويُغني ويُفقِر، ولا اعتراض لأحد عليه.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التشبيه البليغ المؤكد ﴿وَتَرَى الناس سكارى﴾ أي كالسكارى من شدة الهول، حذفت أداة التشبيه والشبه.
٢ - الاستعارة ﴿شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ استعار لفظ الشيطان لكل طاغية متمرد على أمر الله
٣ - الطباق بين ﴿يُضِلُّهُ.. وَيَهْدِيهِ﴾.
٤ - أسلوب التهكم ﴿وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير﴾.
٥ - طباق السلب ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾.
٦ - الاستعارة اللطيفة ﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ﴾ شبه الأرض بنائم لا حركة له ثم يتحرك وينتعش وتدب فيه الحياة بنزول المطر عليه ففيها استعارة تبعية.
٧ - الكناية ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ كناية عن التكبر والخيلاء.
٨ - المجاز المرسل ﴿بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ علاقته السببية لأن اليد هي التي تفعل الخير أو الشر.
٩ - الاستعارة التمثيلية ﴿مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ﴾ مثل للمنافقين وما هم فيه من قلق واضطراب في دينهم بمن يقف على شفا الهاوية يريد العبادة والصلاة، ويا له من تمثيل رائع!
١٠ - المقابلة البديعة بين ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ.. وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ﴾.
١١ - الطباق بين ﴿يَضُرُّهُ.. ويَنفَعُهُ﴾ وبين ﴿يُهِنِ.. فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾.
١٢ - السجع اللطيف بين كثير من الآيات.
فَائِدَة: المُرضع التي شأنها أن ترضع، ولامرضعة هي التي في حال الإِرضاع ملقمة ثديها

صفحة رقم 260

لطفلها ولهذا قال ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾ ولم يقل: مرضع ليكون ذلك أعظم في الذهول إذ تنزع ثديها من فم الصبي - أحب الناس إليها - وذلك غاية في شدة الهول والفزع.
تنبيه: روى ابن أبي حاتم أنه قيل لعلي: «إن هاهنا رجلاً يتكلم في المشيئة فاستدعاه فقال له، يا عبد الله: خلقك كما يشاء أو كما تشاء؟ قال بل كما شاء، قال فيمرضك إذا أو إذا شئت، قل: بل إذا شائ، قال: فيشفيك إذا شاء أو إِذا شئت؟ قال: بل إذا شاء، قال: فيدخلك حيث شئت أو حيث يشاء؟ قال: بل حيث يشاء، قال والله لو قلت غير ذكل لضربت الذي بين عينيك بالسيف».

صفحة رقم 261
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية