آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٨ الى ٨٢]

وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢)
تفسير المفردات
الحرث هنا: الزرع، والنفش: رعى الماشية فى الليل بلا راع، وشاهدين: أي حاضرين، واللبوس: الدروع، والبأس: الحرب، والريح العاصف: الشديدة الهبوب، إلى الأرض التي باركنا فيها: هى أرض الشام، والغوص: النزول إلى قاع البحار لإخراج شىء منها، ودون ذلك: أي غير ذلك كبناء المدن والقصور واختراع الصناعات الغريبة.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر ما أنعم الله به على نوح عليه السلام من النعم الجليلة- قفّى على ذلك بذكر الإحسان العظيم الذي آتاه داود وسليمان عليهما السلام وهو قسمان:
(١) نعم مشتركة بينهما وبين غيرهما من النبيين وهى العلم والفهم وإلى ذلك أشار بقوله: وكلا آتينا حكما وعلما.
(٢) نعم خاصة بواحد دون الآخر.

صفحة رقم 56

(ا) فأنعم على داود بتسخير الجبال والطير للتسبيح معه، وتعليم صنعة الدروع للوقاية من أذى الحرب.
(ب) وأنعم على سليمان بتسخير الريح العاصفة التي تجرى بأمره، وبتسخير الشياطين تغوص فى البحار، لتخرج له اللؤلؤ والمرجان، وتعمل له أعمالا أخرى غير ذلك.
الإيضاح
(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) أي واذكر أيها الرسول الكريم نبأ داود وسليمان عليهما السلام حين حكما فى الزرع الذي رعته غنم لقوم آخرين غير صاحب الحرث ليلا فأفسدته، وكان ربك شاهدا عليما بما حكم به داود وسليمان بين القوم الذين أفسدت غنمهم الحرث وصاحب الحرث، لا يخفى عليه شىء منه ولا يغيب عنه علمه، ففهّم الفتيا فى ذلك لسليمان دون داود، وقد كان كل منهما فيصلا فى الحكم فى الخصومات، ذا علم بالدين والتشريع.
وقد روى الرواة فى تفصيل هذه القصة- أن رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا الرجل أرسل غنمه فى حرثى فلم تبق منه شيئا، فقال داود: اذهب فإن الغنم كلها لك، ومرّ صاحب الغنم بسليمان فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود فقال يا نبى الله:
إن القضاء سوى الذي قضيت، فقال كيف؟ قال ادفع الغنم إلى صاحب الحرث فيكون له منافعها من درّها وأولادها وأشعارها، والحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه حتى يعود كما كان، ثم يترادان فيأخذ صاحب الحرث حرثه وصاحب الغنم غنمه، فقال داود:
القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك.

صفحة رقم 57

وجه الرأى لدى كل منهما- إن داود قدر الضرر فى الحرث فكان مساويا لقيمة الغنم فسلم الغنم للمجنى عليه، وإن سليمان قدر منافع الغنم بمنافع الحرث فحكم بها، وكان حكمهما بالاجتهاد دون الوحى، إذ لو كان به ما أمكن تغييره.
نعم الله على داود عليه السلام
(١) (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) أي وسخرنا الجبال والطير لداود تقدّس الله معه بحيث تتمثل له مسبّحة، فيكون ذلك أملك لوجدانه وجميع مشاعره، فيستغرق فى التسبيح، وكنا فاعلين لأمثاله، فليس ذلك ببدع منا وإن كنتم أنتم تعجبون منه، فإن المستغرقين فى التسبيح والتقديس يحصل لهم من الأنس بالله ما يجعل العالم كله فى نظرهم مسبحا، وكأن العوالم كلها تنطق لهم به بلسان أفصح من لسان المقال، ولا يدرك هذا أحد إلا بوجدانه.
ونحو الآية قوله: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ».
(٢) (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) أي وعلمناه صنعة الدروع وقد كانت صفائح فجعلها حلقا، فتمنع عنكم إذا لبستموها ولقيتم أعداءكم- أذى الحرب من قتل وجرح ونحوهما.
(فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ؟) أي فاشكروا الله على ما يسّره لكم من هذه الصنعة التي تمنع عنكم غوائل الحروب وتقيكم ضرها وعظيم أذاها.
نعم الله على سليمان عليه السلام
ورّث الله سليمان من داود ملكه ونبوته وزاده أمرين أشار إليهما بقوله:
(١) (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) أي وسخرنا لسليمان الريح عاصفة شديدة الهبوب تارة، ورخاء لينة تارة أخرى.

صفحة رقم 58
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية