آيات من القرآن الكريم

وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ

الى ارض الصين يغدو على مسيرة شهر ويروح على مثل ذلك ثم عطف جيشه على مطلع الشمس على ساحل البحر حتى اتى ارض قندهار او خرج منها الى مكران وكرمان ثم جاوزها حتى اتى ارض فارس فنزلها أياما وغدا منها فقال بكسكر ثم راح الى الشام وكان مستقره بمدينة تدمر وكان امر الشياطين قبل شخوصه من الشام الى العراق فبنوا لها بالصفاح «١» والعمد والرخام الأبيض والأصفر وفي ذلك يقول النابغة

الا سليمان إذ قال المليك له قم في البريّة فاجددها عن العند «٢»
وحيش «٣» الجن انى قد أذنت لهم ينبون تدمر بالصفاح والعمد.
وَمِنَ الشَّياطِينِ اى سخرنا الشياطين مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ فى البحار ويخرجون الجواهر من نكرة موصوفة او موصولة معطوف على الريح ومن الشياطين حال منه مقدم عليه يعنى وسخرنا نفوسا يغوصون له كائنين من الشياطين او مبتدأ والظرف خبره وَيَعْمَلُونَ عطف على يغوصون عَمَلًا دُونَ ذلِكَ ج اى دون الغوص ما شاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وبناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (لا) حتى لا يخرجوا من امره قال الزجاج يعنى حفظناهم من ان يفسدوا ما عملوا قال البغوي في القصة ان سليمان عليه السّلام كان إذ بعث شيطانا مع انسان ليعمل له عملا قال له إذا فرغ من عمله اشغله بعمل اخر لئلا يفسد ما عمل وكان من عادة الشياطين انهم إذا فرغوا من عمل ولم يشتغلوا بعمل اخر خربوا ما عملوا وأفسدوه.
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى اى دعا رَبَّهُ على طريقه ونوحا إذ نجيناه في وجوه الاعراب قال وهب بن منبه كان أيوب عليه السّلام رجلا من الروم وهو أيوب بن احرص بن رازخ بن روم بن عيص بن اسحق بن ابراهيم عليهما السّلام وكانت امه من ولد لوط بن هاران وكان الله قد اصطفاه ونبّاه وبسط عليه
(١) الصفاح حجارة عراض رقاق ١٢ قاموس.
(٢) العند الناحية والجانب ١٢ قاموس. [.....]
(٣) حاش يحيش فزع وأفزع ١٢ قاموس.

صفحة رقم 218

الدنيا وكانت له الثنية من ارض الشام كلها سهلها وجبلها وكان له فيها من اصناف المال كله من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمر مالا يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة وكان له خمسمائة «١» فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ومال ويحمل فمعز الدولة كل فدان أتان ولد كل أتان اثنين وثلثة واربعة وخمسة وفوق ذلك وكان الله عزّ وجلّ أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء وكان برا تقيا رحيما بالمساكين يطعم المساكين ويكفل الأرامل والأيتام ويكرم الضيف ويبلغ أبناء السبيل وكان شاكر الا نعم الله موديا لحق الله قد امتنع من عدو الله إبليس ان يصيب منه ما يصيب من اهل الغنى والعزة والغفلة والشاغل عن امر الله بما فيه من الدنيا وكان معه ثلثة نفر قد أمنوا به وصدقوه رجل من اهل اليمن يقال له اليقن ورجلان من اهل بلده يقال لاحدهما يلد وللاخر صافر وكانوا كهولا فكان إبليس لا يحجب عن شيء من السموات وكان يقف فيهن حيث ما أراد حتى رفع الله عيسى عليه السّلام فحجب عن اربع فلما بعث محمد ﷺ حجب من الثلث الباقيات فسمع إبليس تجاوب الملئكة بالصلوة على أيوب وذلك حين ذكر الله واثنى عليه فادركه البغي والحسد وصعد سريعا حتى وقف من السماء موقفا كان يقفه فقال الهى نظرت من امر عبدك أيوب فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ولو ابتلته بنزع ما أعطيته لحال عما هو عليه من شكرك وعبادتك ولخرج من طاعتك قال الله انطلق فقد سلّطتك على ماله فانقضى عدو الله إبليس حتى وقع الى الأرض ثم جمع عفاريت الجن ومردة الشياطين وقال لهم فماذا عندكم من القوة فانى قد سلطت على مال أيوب وهى المصيبة القادحة الّتي لا يصبر عليها الرجال فقال عفريت من الشياطين أعطيت من القوة ماذا شئت تحولت اعصارا من النار واحترقت كل شيء اتى عليها

(١) فدان كسحاب او كشدّاد الثور او الثور ان يقرن للحرث بينهما ولا يقال للواحد فدان او هو فمعز الدولة الثوريين ١٢.

صفحة رقم 219

قال له إبليس فات الإبل حين وضعت»
وثبتت في مراعيها فلم يشعر الناس حتى ثار «٢» من تحت الأرض اعصارا «٣» من نار لا يدنوا من شيء الا قد احترقت فاحرقها ورعاها حتى اتى على آخرها ثم جاء عدو الله إبليس في صورة قيم عليها على قعود الى أيوب فوجده قائما يصلى فقال يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك فاحترقتها ومن فيها غيرك فقال أيوب الحمد لله الّذي هو أعطاها وهو أخذها وقد عاما وطنت مالى نفسى على الغنى قال إبليس فان ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت فنزلت الناس مبهوتين يتعجبون منها منهم من يقول ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان الا في غرور ومنهم من يقول لو كان اله أيوب يقدر على ان لا يضيع شيئا وليه ومنهم من يقول بل هو الّذي فعل ليشمت به عدوه ويفجع صديقه قال أيوب الحمد لله حين أتاني وحين نزع منى عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود في التراب وعريانا احشر الى الله عزّ وجلّ ليس لك ان تفرح حين أعارك وتجزع حين قبض عاريته الله اولى بك وبما اعطاك ولو علم الله فيك ايها العبد خير النقل روحك مع تلك الأرواح وصرت شهيدا ولكنه علم منك شرا فاخرجك فرجع إبليس الى أصحابه خاسيأ ذليلا فقال لهم ماذا عندكم من القوة فانى لم أكلم قلبه قال عفريت عندى من القوة ما إذا شئت صحت صيحة لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة «٤» نفسه قال إبليس فات الغنم ورعاها فانطلق حتى توسطها صاح صيحة فحتمت أمواتا من عند آخرها وما رعاها ثم جاء متمثلا بقهرمان الرعاة الى أيوب وهو يصلى فقال له مثل القول الاول فرد أيوب عليه مثل الرد الاول ثم رجع إبليس الى أصحابه فقال ما عندكم من القوة فانى لم أكلم قلب أيوب فقال عفريت عندى من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا ينشف كل شرياتى عليه قال فآت القدّادين

(١) وضعت الإبل ألزمتها المرعى فهى موضوعة ١٢ قاموس.
(٢) الثور الهجان والوثب والسطوح ١٢ قاموس.
(٣) الاعصار الريح تثير السحاب او الّتي فيها نار أو التي يهب من الأرض بنحو السماء ١٢ قاموس.
(٤) اى الدم او دم القلب او الروح ١٢.

صفحة رقم 220

والحرث فانطلق فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كانه لم يكن ثم جاء إبليس متمثلا بقهرمان الحرث الى أيوب وهو قائم يصلى فقال له مثل القول الاول فرد عليه مثل رد الاول كلما انتهى اليه هلاك مال من أمواله حمد الله واحسن الثناء عليه ورضى منه بالقضاء ووطن نفسه بالصبر على البلاء حتى لم يبق له مال فلما إبليس انه قد أفنى ماله صعد فقال الهى ان أيوب يرى منك انك ما منحته بولده فانت معطيه المال فهل أنت تسلطنى على ولده فانها المصيبة الّتي لا يقوم لها قلوب الرجال قال الله تعالى وقد سلطتك على ولده فانقضى عدو الله حتى جاء بنى أيوب وهم في قصرهم فلم يزل يزلزل بهم من قواعدها ثم جعل يناطح «١» جدره بعضها ببعض ويرميهم بالخشب والجندل «٢» حتى إذا مثل بهم كل مثلة رفع القصر فقلبه فصاروا منكوسين وانطلق الى أيوب متمثلا بالمعلم الّذي كان يعلمهم الحكمة وهو جريح مشدوخ الوجه يسيل دمه ودماغه فاخبره وقال لو رأيت بنيك كيف عذبوا وقلبوا فكانوا منكسين على رؤسهم يسيل دمائهم ودماغهم ولو رأيت كيف سقطت بطونهم فتناثرت امعاؤهم تقطع قلبك فلم يزل يقول هذا ونحوه حتى رقّ أيوب فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه وقال ليت أمي لم تلدنى فاغتنم إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به ثم لم يلبث أيوب ان فاء وابصر واستغفر وصعد قرناؤه من الملئكة بتوبته فسبقت توبته الى الله عزّ وجلّ وهو اعلم فوقف إبليس ذليلا فقال يا الهى انما هوّن على أيوب المال والولد انه يرى منك ما متعته بنفسه فانت تعيد المال والولد فهل أنت تسلّطنى على جسده فقال الله تعالى انطلق فقد سلطتك على جسده ولكن ليس سلطان على لسانه ولا على قلبه وكان الله عزّ وجلّ اعلم به لم يسلط عليه الا رحمة ليعظم له الثواب

(١) نطحه أصابه لقرنه ١٢ قاموس.
(٢) الجندل كجعفر ما يقله الرجل من الجمارة ١٢ قاموس.

صفحة رقم 221

وجعله عبرة للصابرين وذكرى للعابدين في كل بلاء نزل بهم ليانسوا به في الصبر ورجاء الثواب فانقضى عدو الله سريعا فوجد أيوب ساجدا فعجل قبل ان يرفع رأسه فاتاه من قبل وجهه فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جميع جسده فخرج من قرنه الى قدمه ثاليل «١» مثل أكباد الغنم وقعت فيه حكة محك باظفار حتى سقطت كلها ثم حك بالمسوح «٢» الخشنة حتى قطعها ثم حكها بالفخار والحجارة الخشنة ثم لا يزال يحكها حتى نغل لحمه وتقطع وتغير وأنتن فاخرجه اهل القرية فجعلوه على كناسة وجعلوا له عريشا فرفضه خلق الله كلهم غير امرأته رحمة بنت إفرائيم بن يوسف بن يعقوب وقيل هى بنت يوسف كما ذكرنا في سورة يوسف كانت تختلف اليه بما يصلحه وتلزمه فلما راى الثلاثة أصحابه وهم أيقن ويلدد وصافر ما ابتلاه الله به اتهموه ورفضوه من غير ان يتركوا دينه فلما طال به البلاء انطلقوا اليه فبكتوه «٣» ولاموه وقالوا له تب الى الله من الذنب الّذي عوقبت به وقال الراوي حضر معهم فتى حديث السن قد أمن به وصدقه لهم انكم يكلمهم ايها الكهول وكنتم أحق بالكلام لاسنانكم ولكن قد تركتم من القول احسن من الّذي قلتم ومن الرأي أصوب من الّذي رأيتم ومن الأمر أجمل من الّذي أتيتم وقد كان لايوب عليكم من الحق والزمام «٤» من الّذي وصفتم فهل تدرون ايها الكهول حق من انتقصتم وحرمة من انتهكتم ومن الرجل الّذي عتبسه واتهمتم الم تعلموا ان أيوب نبى الله وخيرته وصفوته من اهل الأرض يومكم هذا ثم لم تعلموا ولم يطلعكم الله على انه سخط شيئا من امره منذ أتاه ما أتاه الى يومكم هذا ولا على انه نزع شيئا من الكرامة الّتي أكرمه بها ولا ان أيوب قال على الله غير الحق في طول ما صحبتموه الى يومكم هذا فان كان هو الّذي ازرى «٥» به عندكم ووضعه في أنفسكم فقد علمتم ان الله تعالى يبتلى النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وليس بلاؤه لاولئك بدليل على سخطه عليهم ولا لهو انه لهم

(١) الثآليل ١٢.
(٢) المسوح جمع مسح هو البلاس ١٢.
(٣) بكته مثقلة بما يكره ١٢ قاموس.
(٤) الزمام الزمة الحق ١٢ قاموس.
(٥) ازرى به اى ادخل به عيبا ١٢.

صفحة رقم 222

ولكنها كرامة وخيرة لهم ولو كان أيوب ليس من الله بهذه المنزلة الا انه أخ آخيتموه على وجه الصحبة لكان لا يحل بالحليم ان يعتزل أخاه عند البلاء ولا يعيّره بالمصيبة ولا يعيبد بما لا يعلم وهو مكروب حزين ولكنه يرحمه ويبكى معه ويستعفر له يحزن بحزنه ويدله على مراشد امره وليس بحكيم ورشيد من جهل هذا فالله ايها الكهول وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر الموت ما يقطع السنتكم ويكسر قلوبكم الم تعلموا ان لله عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم وانهم لهم الفصحاء البلغاء النبلاء «١» الألباء العالمون بالله ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم واقشعرت جلودهم وانكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاما لله وإجلالا فاذا استقاموا من ذلك استبقوا الى الله بالأعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين وانهم الأبرار البراء ومع المقصرين المفرطين وانهم لاكياس أقوياء- فقال أيوب الله سبحانه يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير فمتى تنبت بالقلب يظهرها الله على اللسان وليست تكون الحكمة من قبل السن والشيبة ولا طول التجربة وإذا جعل الله العبد حكيما في الصبا لم يسقط منزلته عند الحكماء وهم يرون من الله نور الكرامة ثم اعرض عنهم أيوب واقبل على ربه مستغيثا به متضرعا اليه فقال ربّ لأىّ شيء خلقتنى ليتنى كرهتنى لم تخلقنى يا ليتنى قد عرفت الذنب الّذي إذ نبت والعمل الّذي عملت فصرفت وجهك الكريم عنى لو كنت إذا أذنبت ذنبا أمتني فالحقتنى بآبائى فالموت كان أجمل بي الم أكن للغريب دارا وللمسكين قرار او لليتيم وليا وللارملة قيما الهى انا عبدك ان أحسنت فالمن لك وان اسأت فبيدك عقوبتى جعلتنى للبلاء عرضا وللفتنة نصبا وقد وقع على بلاء لو سلطته على جبل ضعف عن حمله فكيف يحمل ضعفى وان قضائك هو الّذي أذلني وان سلطانك هو الّذي أسقمني وأنحل جسمى ولو ان

(١) النبلاء اى الأذكياء والنجباء ١٢. [.....]

صفحة رقم 223

ربى نزع الهيبة في صدرى واطلق لسانى حتى أتكلم بملا فمى ثم كان ينبغى للعبد ان يحاج على نفسه لرجوت ان يعافينى عند ذلك مما بي ولكنه اتعانى وتعالى عنى فهو يرانى ولا أراه ويسمعنى ولا أسمعه لا نظر الىّ ورحمنى ولادنى منى ولا أدناني فادلى «١» بعذري وأتكلم ببرأتى وأخاصم عن نفسى فلما قال ذلك أيوب وأصحابه عنده اظله غمام حتى ظن أصحابه انه عذاب ثم نودى يا أيوب ان الله يقول ها انا قد دنوت منك ولم ازل منك قريبا قم فادل «٢» بعذرك وتكلم ببرأتك وخاصم عن نفسك واشدد إزارك وقم مقام جبار يخاصم جبارا ان استطعت فانه لا ينبغى ان يخاصمنى الإجبار مثلى لقذمنتك نفسك يا أيوب امرا تبلغ بمثل قوتك اين أنت منى يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها هل كنت معى تمد بأطرافها هل علمت باى مقدار قدّرتها أم على اى شيء وضعت أكنافها أبطاعتك حمل الماء الأرض أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء اين كنت منى يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا تعلق بسبب من فوقها ولا يقلها دعم «٣» من تحتها هل تبلغ من حكمتك ان تجرى نورها او تسير نجومها او تختلف بامرك ليلها ونهارها اين أنت متى يوم نبعت الأنهار وسكرت «٤» البحارا سلطانك حبس امواج البحر على حدودها أم قدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها اين أنت منى يوم حبست الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال هل تدرى على اى شيء أرسيتها أم باى مثقال وزنتها أم هل لك من ذراع يطيق حملها أم هل تدرى من اين الماء الّذي أنزلت من السماء أم هل تدرى من اى شيء الشيء السحاب أم هل تدرى اين خزانة الثلج أم اين جبال البرد أم اين خزانة الليل بالنهار وخزانة النهار بالليل واين خزانة الريح وباى لغة تتكلم الأشجار من جعل

(١) ادلى اى احضر ١٢.
(٢) اى احضر ١٢.
(٣) دعم جمع دعام اى عمد جمع عماد ١٢.
(٤) سكرت اى امتلأت وسدّت ١٢.

صفحة رقم 224

العقول في أجواف الرجال ومن شق الاسماع والابصار ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين لجبروته وقسم الأرزاق بحكمته في كلام كثير من اثار قدرته ذكرها لايوب فقال أيوب صغر شأنى وكل لسانى وعقلى ورائي وضعفت قوتى عن هذا الأمر الّذي تعرض لى- يا الهى قد علمت ان كل الّذي ذكرت صنع يديك وتدبير حكمتك وأعظم من ذلك واعجب لو شئت عملت لا يعجزك شى ولا يخفى عليك خافية- إذ لقينى البلاء يا الهى فتكلمت ولم املك وكان البلاء هو الّذي انطقنى فليت الأرض انشقت لى فذهبت فيها ولم أتكلم لشيء يسخط ربى وليتني متّ بغمى في أشد بلائي قبل ذلك انما تكلمت حين تكلمت لتعذرنى وسكتّ حين سكسّه لترحمنى- كلمة زلت منى فلن أعود قد وضعت يدى على فمى وعضضت على لسانى والصقت بالتراب خدى أعوذ بك اليوم منك- أستجيرك من جهد البلاء فاجرنى واستغيث بك من عقابك فاغثنى واستعين بك فاعنى وأتوكل عليك فاكفنى واعتصم بك فاعصمنى واستغفرك فاغفر لى فلن أعود بشيء تكرهه منى- قال الله تعالى نفذ فيك علمى وسبقت رحمتى غضبى فقد غفرت لك ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم لتكون لمن خلفك اية وتكون عبرة لاهل البلاء وعزا للصابرين- فاركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك- وقرّب عن أصحابك قربانا واستغفر لهم فانهم قد عصونى فيك- فركض برجله فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل فاذهب الله كل ما كان به من البلاء ثم خرج فجلس فاقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه فلم تجده فقامت كالوالهة مترددة- ثم قالت يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الّذي كان هاهنا- قال نعم ومالى لا أعرفه فتبسم فقال انا هو فعرفته بمضحكه فاعتنقته- قال ابن عباس فو الّذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى مر بهما كل مال لهما وولد فذلك قوله تعالى وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي اى بانى مَسَّنِيَ قرا حمزة بإسكان الياء والباقون بفتحها الضُّرُّ وهو سوء الحال في النفس او البدن او المال او الجاه وفي القاموس الضّرّ بالفتح ويضم ضد النفع او بالفتح مصدر وبالضم اسم قال البيضاوي بالفتح شائع في كل ضرر وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهزال- واختلفوا في وقت ندائه والسبب الّذي قال لاجله أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وفي مدة بلائه- قال البغوي روى ابن شهاب عن انس يرفعه ان أيوب لبث في بلائه ثمانى عشرة سنة- وقال وهب لبث أيوب في البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما- وقال كعب

صفحة رقم 225

كان أيوب في بلائه سبع سنين- وقيل كان في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة ايام- قال الحسن مكث أيوب مطروحا على كناسة في مزبلة لبنى إسرائيل سبع سنين وأشهرا يختلف فيه الدواب لا يقربه أحد غير رحمة صبرت معه بصدق وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذا حمد وأيوب على ذلك من ذكر الله تعالى والصبر على ما ابتلاه- فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض فلما اجتمعوا اليه قالوا ما جزعك قال أعياني هذا العبد الّذي لم ادع له مالا ولا ولدا فلم يزد الا صبرا- ثم سلطّت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة لا يقربه الا امرأته فاستغث بكم لتعينونى عليه- فقالوا اين مكرك الّذي أهلكت به من مضى- قال بطل ذلك كله في أيوب فاشيروا علىّ- قالوا نشير طيك من اين أتيت آدم حين أخرجته من الجنة قال من قبل امرأته قالوا فشأنك بايوب من قبل امرأته فانه لا يستطيع ان يعصيها وليس أحد يقربه غيرها- قال أصبتم فانطلق حتى اتى امرأته وهى تصدق فتمثل لها في صورة رجل فقال اين بعلك يا امة الله قالت هو ذاك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده فلما سمعها طمع ان يكون كلمة جزع فوسوس إليها وذكرها ما كانت فيه من النعم والمال وذكّرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر وان ذلك لا ينقطع عنه ابدا- قال الحسن فصرخت فلما صرخت علم ان قد جزعت فاتاها بسخلة وقال ليذبح هذا الى أيوب ويبرأ- فجاءت تصرخ يا أيوب حتى متى يعذبك ربك اين المال- اين الولد اين الصديق اين لونك الحسن اين جسمك الحسن اذبح هذه السخلة واسترح- قال أيوب أتاك عدو الله
فنفخ فيك ويلك ارايت ما تبكين عليه من المال والولد والصحة من أعطانيه- قالت الله قال فكم متعنابه قالت ثمانين سنة قال فهذكم ابتلاني قالت منذ سبع سنين وأشهر قال ويلك ما أنصفت الا صبرت في البلاء ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة- والله لئن شافانى الله لا جلدنك مائة جلدة أمرتني ان اذبح لغير الله طعامك وشرابك الّذي أتيتني به علىّ حرام وحرام علىّ ان أذوق شيئا مما تأتينى به بعد إذ قلت لى هذا فاعز لى عنى فلا أراك فطردها فذهبت- فلما نظر أيوب وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق خرّ ساجدا وقال ربّ انّى مسّنى الضّرّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) عطف على الجملة السابقة وصف ربه تعالى بغاية الرحمة

صفحة رقم 226
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية