
نعمة فهي منه (١) (٢).
٣٧ - قوله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾.
اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية: فذهب كثيرٌ منهم إلى أن المراد بالإنسان هاهنا: آدم. وقالوا: لما نفخ فيه الروح لم تبلغ رجليه حتى استعجل، وأهوى إلى عنقود من عنب الجنة ليأكل منه، وأراد الوثوب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان، وأورث أولاده العجلة. وهذا قول عكرمة (٣)، وسعيد بن جبير (٤)، والسدي (٥)، والكلبي (٦).
وقال آخرون: معناه: خلق الإنسان من تعجيل في خلق الله إياه، وذلك أن الله تعالى خلق آدم في آخر النهار من يوم الجمعة قبل غروب الشمس، فأسرع في خلقه قبل مغيبها.
وهذا مذهب مجاهد، قال؛ خلق الله آدم بعد كل شيء آخر النهار، فلما أحيا الروح رأسه (٧) ولم تبلغ أسفله قال: يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس (٨). وهذا القول اختيار قطرب قال: في قوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ
(٢) انظر: القرطبي ١١/ ٢٨٨.
(٣) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٣٠ وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٤) رواه الطبري: ١٧/ ٢٦، وذكره السيوطي في "الدر المنثور": ٥/ ٦٣٠ وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ٢٦.
(٦) نسبه للكلبي: الماوردي في "النكت والعيون" ١/ ٤٤٧.
(٧) في (د)، (ع): زيادة (ووصلت إلى)، وما في (أ)، (ت). هو الموافق لما في تفسير الثعلبي.
(٨) تفسير الثعلبي ٣/ ٢٩ ب.

مِنْ عَجَلٍ} أي: من سرعة الأمر في خلقه (١).
وقال قتادة: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ قال: خلق عجولًا (٢).
وهذا القول اختيار جميع أهل اللغة (٣) والمعاني. والإنسان هاهنا اسم الجنس.
قال الفراء: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ كأنك قلت: بنيته وخلقته من العجل (٤) وعلى العجلة (٥).
وقال الزجاج: خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر الشيء: خلقت منه، كما تقول: أنت من لعب [وخلقت من لعب] (٦)، تريد المبالغة بوصفه باللعب، ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: ١١] (٧).
وقال المبرد: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أي: من شأنه العجلة (٨).
وهذه ثلاثة أقوال عليها أهل التفسير والمعاني.
(١) لم أجد هذا القول عن قطرب. وقد ذكر الشريف الرضي في "الأمالي" ١/ ٤١٦ عن قطرب أنه أجاب بأن في الكلام قلبا، وأن المعنى: خلق العجل من الإنسان.
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٤.
(٣) (اللغة): ساقطة من (أ)، (ت).
(٤) عند الفراء: العجلة.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٣.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ت).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٢. مع تقديم وتأخير.
(٨) لم أجد من ذكره عنه.

وقال أبو عبيدة: تأويل الآية على القلب، أي: خلق العجل من الإنسان (١).
ولا وجه لحمله على القلب مع ماله على (٢) الاستواء من المعنى المفهوم (٣).
وقال نفطويه: قال بعض الناس: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ أي: من طين، وأنشد (٤):
والنبع ينبت بين الصخر (٥) ضاحية | والنخل ينبت بين الماء والعجل |
(٢) في (د)، (ع): (من).
(٣) وقد ردّ ذلك أيضًا الإمام الطبري، فقال في "تفسيره" ١٧/ ٢٧: وفي إجماع أهل التأويل على خلاف هذا القول الكفاية المغنية عن الاستشهاد على فساده بغيره. اهـ.
(٤) عجز هذا البيت في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٤٦٩ "عجل"من إنشاد نفطويه، من غير نسبة لأحد. والبيت في "غريب القرآن وتفسيره" لليزيدي ص ٢٥٥، من غير نسبة، وروايته فيه:
النبع في الصخرة الصماء منبته | والنخل منبته في السهل والعجل |
والنبع ينبت بين الصخر ضاحية | والنخل ينبت بين الماء والعجل |
النبع في الصخرة الصماء منبته | والنخل منبته في السهل والعجل |
(٥) في جميع النسخ: (النخل)، وهو خطأ، والصواب ما أثبتنا.

قال: وليس عندي في هذا حكايته عمن يرجع إليه. [هذا كلامه] (١) (٢).
والعجل بمعنى الطين قد حكي من (٣) كلام العرب. رواه أبو عمر، عن أبي العباس (٤)، عن ابن الأعرابي (٥). [وهو صحيح ولكنه لا يصح تفسير] (٦) هذه الآية به، ولا يليق بالمعنى المراد من الآية.
وتأويل الآية: خلق الإنسان عجولًا، ولذلك (٧) يستعجل ربه بالعذاب.
ومن قال معنى الآية: إن آدم خلق على عجلة - يقول: إنَّ ذلك أورثه وأولاده العجلة، فاستعجلوا (٨) في كل شيء حتى العذاب.
والآية نازلة في أهل مكة حين استعجلوا العذاب. قال ابن عباس -في رواية عطاء-: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ يريد: النَّضْر بن الحارث، وهو الذي قال: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآية (٩).
(٢) قول نفطويه في "تهذيب اللغة" للأزهري ١/ ٣٦٩ (عجل) وفيه تسميته بابن عرفه.
(٣) في (د)، (ع): (في).
(٤) في (أ)، (ت): (ابن عباس)، وهو خطأ.
(٥) ذكر هذه الرواية من هذا الطريق الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٩ "عجل".
(٦) ما بين المعقوفين بياض في (ت).
(٧) في (أ)، (ت): (وكذلك)، وهو خطأ.
(٨) في (أ)، (ت): (واستعجلوا).
(٩) ذكره ابن الجوزي ٥/ ٣٥١، والرازي ٢٢/ ١٧١ من رواية عطاء عن ابن عباس. وذكره الزمخشري ٢/ ٥٧٣ منسوبًا إلى ابن عباس. وهذه الرواية عن ابن عباس باطلة كما تقدم، ولذا استظهر الزمخشري والرازي وأبو حيان وغيرهم أن المراد بالإنسان هنا: الجنس. قال الرازي ٢٢/ ١٧١: وهذا القول يعني القول بأن المراد بالإنسان الجنس - أولى؛ لأن الغرض ذم القوم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا =