
(وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) فنجازيكم وفق ما يظهر من أعمالكم.
ولا يخفى ما فى هذا من الوعد والوعيد بالثواب والعقاب.
(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) أي وإذا رآك المشركون لم يكن لهم عمل إلا أن يجعلوك موضع السخرية والهزؤ، وقد كان من حقهم أن يفكّروا مليّا فيما يشاهدون من أخلاقك وآدابك، وفيما ينزل عليك من الوحى الذي فيه عظة وذكرى لقوم يعقلون، لعل بصائرهم تستنير، وطباعهم ترقّ، وقلوبهم ترعوى عن غيها، وهؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ».
(أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) أي ويقولون استنكارا وتعجبا: أهذا الذي يسبّ آلهتكم ويسفّه أحلامكم؟ وكيف يعجبون من ذلك وهم كافرون بالله الذي خلقهم وأنعم عليهم، وبيده نفعهم وضرهم وإليه مرجعهم؟
قال الزجاج يقال فلان يذكر الناس أي يغتابهم ويذكرهم بالعيوب، وفلان يذكر الله أي يصفه بالتعظيم ويثنى عليه.
وخلاصة ذلك- كيف يعجبون من نبز آلهتهم بالسوء، وهم قد كفروا بربهم الذي برأهم وصورهم فأحسن صورهم، وإليه مرجعهم فيحاسبهم على النّقير والقطمير.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٧ الى ٤١]
خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١)

تفسير المفردات
العجل والعجلة: طلب الشيء قبل أوانه، والمراد بالإنسان: هذا النوع، وقد جعل لفرط استعجاله وقلة صبره كأنه مخلوق من العجل مبالغة كما يقال للرجل الذكي هو نار تشتعل، ويقال لمن يكثر منه الكرم: فلان خلق من الكرم، قال المبرد: خلق الإنسان من عجل: أي إن من شأنه العجلة كقوله: «خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» أي خلقكم ضعفاء، والآيات هى آيات النقم التي هددهم بوقوعها، وإراءتهم إياها:
إصابتهم بها.
والمراد بالوعد قيام الساعة، لا يكفون: أي لا يمنعون، بغتة: أي فجأة، تبهتهم:
أي تدهشهم وتحيّرهم، ينظرون: أي يمهلون ويؤخّرون، حاق: حل ونزل.
المعنى الجملي
بعد أن بين جلت قدرته أنه كلما آتى المشركين آية كفروا بها، وكلما توعدهم بالعذاب كذبوا به وقالوا تهكما وإنكارا: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ - قفى على ذلك بنهيهم عن العجلة وبيان أن ما أوعدوا به آت لا محالة، ثم أرشد إلى أن العجلة من طبيعة الإنسان التي جبل عليها، ثم ذكّرهم بجهلهم بما يستعجلون، فإنهم لو عرفوا كنه ما طلبوا ما دار بخلدهم ذلك المطلب.
وفى هذا تسلية لرسوله صلّى الله عليه وسلّم كما سلّاه بأن الاستهزاء به وبما أتى به ليس بدعا من المشركين، فكثير من الرسل قبله أوذوا واستهزىء بهم، وكان النصر آخرا حليفهم وحاق الهلاك بالمكذبين، فانتظر لهؤلاء يوما يحل بهم فيه مثل ما حل بمن قبلهم، وقل لهم: انتظروا إنا منتظرون.
روى أن الآية نزلت فى النضر بن الحارث، وهو القائل: «اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ».

الإيضاح
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) أي إنه تعالى فطر هذا النوع على العجلة، وجعلها من سجيته وجبلّته، فليس بعجيب من المشركين أن يستعجلوا عذاب الله ونزول نقمته بهم، وقد كان من الحق عليهم أن يتلبّثوا قليلا، فإن الله سينزل بهم من سخطه مثل ما أنزل بالمكذبين قبلهم، ويحلّ بهم من العذاب ما لا قبل لهم بدفعه، وهذا ما أشار إليه بقوله:
(سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) أي إن نقمى ستصيبكم لا محالة، فلا تتعجلوا عذابى، واصبروا حتى يأتى وعد الله، إن الله لا يخلف الميعاد.
وقد نهى الإنسان عن العجلة مع أنها ركّبت فى طبيعته، من قبل أنه أوتى المقدرة التي يستطيع بها تركها وكف النفس عنها.
ثم حكى عنهم ما يستعجلون فقال:
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي ويقولون للنبى صلّى الله عليه وسلّم ولمن معه من المؤمنين الذين يتلون الآيات المنبئة بقرب الساعة ونزول العذاب بمن كفر بها استهزاء: متى يجيئنا هذا العذاب الذي تعدوننا به إن كنتم صادقين فى وعدكم.
وهذا منهم استبطاء للموعود به يراد به إنكار وقوعه وأنه لن يكون البتة.
ثم بين شديد جهلهم بما يستعجلون وعظيم حماقتهم لهذا الطلب فقال:
(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي لو يعلم هؤلاء الكفار المستعجلون ماذا أعدّ لهم ربهم من البلاء حين تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون، فلا يستطيعون ردها عن تلك الوجوه، ولا يدفعونها بأنفسهم عن الظهور، ولا يجدون ناصرا ينصرهم وينقذهم من ذلك