
قَوْله تَعَالَى: ﴿خلق الْإِنْسَان من عجل﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: سرعَة وتعجيل، وَالْإِنْسَان هُوَ آدم - صلوَات الله عَلَيْهِ - وَقد خلقه الله تَعَالَى من غير تَرْتِيب خلق سَائِر الْآدَمِيّين من النُّطْفَة، والعلقة، والمضغة، وَغَيره، وَهَذَا قَول حسن. وَالْقَوْل الثَّانِي: من عجل أَي: عجولا، وَيجوز أَن يكون المُرَاد من الْإِنْسَان جَمِيع بني آدم، وَأما ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ آدم لما نفخ الله فِيهِ الرّوح وَبلغ صَدره، أَرَادَ أَن يقوم، فَهُوَ عجلته. وَذكر الْكَلْبِيّ: أَنه لما نفخ فِيهِ الرّوح نظر إِلَى الشَّمْس فَإِذا هِيَ تغرب، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أتم خلقي قبل أَن تغرب الشَّمْس، فَهُوَ عجلته. وَالْقَوْل الثَّالِث: خلق الْإِنْسَان والعجلة مِنْهُ، وَقيل: والعجلة فِيهِ، وَهَذَا على طَرِيق الْمُبَالغَة، وَالْعرب تَقول للشرير: خلقت من الشَّرّ، وَكَذَلِكَ تَقول: خلق فلَان من الْخَيْر إِذا ذكر على طَرِيق الْمُبَالغَة.
وَالْقَوْل الرَّابِع: قَوْله: ﴿خلق الْإِنْسَان من عجل﴾ أَي: من طين. قَالَ الشَّاعِر:
(والنبع فِي الصَّخْرَة الصماء منبته | وَالنَّخْل ينْبت بَين المَاء والعجل) |

﴿من عجل سأريكم آياتي فَلَا تَسْتَعْجِلُون (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْوَعْد إِن كُنْتُم صَادِقين (٣٨) لَو يعلم الَّذين كفرُوا حِين لَا يكفون عَن وُجُوههم النَّار وَلَا عَن ظُهُورهمْ وَلَا هم ينْصرُونَ (٣٩) بل تأتيهم بَغْتَة فتبهتهم فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ردهَا وَلَا هم ينظرُونَ (٤٠) ﴾
وَقَوله: ﴿سأريكم آياتي فَلَا تَسْتَعْجِلُون﴾ هَذَا فِي الْمُشْركين، فَإِنَّهُم كَانُوا يستعجلون الْقِيَامَة على مَا قَالَ الله تَعَالَى فِي مَوضِع آخر: ﴿يستعجل بهَا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بهَا﴾ وَقَالَ بَعضهم: ﴿سأريكم آياتي﴾ أَي: مواعدي. وَقَوله: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُون﴾ أَي: لَا تَطْلُبُوا الْعَذَاب مني قبل وقته، وَإِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة؛ لِأَن النَّضر بن الْحَارِث كَانَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم.