آيات من القرآن الكريم

خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

قوله عز وجل:
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)
قيل إن سبب هذه الآية أن بعض المسلمين قال إن محمدا لن يموت وإنما هو مخلد فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأنكره ونزلت هذه الآية والمعنى لم نخلد أحدا ولا أنت لا نخلدك وينبغي أن لا ينتقم أحد من المشركين عليك في هذا أهم مخلدون إن مت أنت فيصح لهم انتقام، وقيل إن سبب الآية أن كفار مكة طعنوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه بشر وأنه يأكل الطعام ويموت فكيف يصح إرساله فنزلت الآية رادة عليهم، وألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط وقدمت في أول الجملة لأن الاستفهام له صدر الكلام والتقدير أفهم الْخالِدُونَ إن مت، والفاء في قوله «فإن» عاطفة جملة على جملة، وقرأت فرقة «مت» بضم الميم، وفرقة «مت» بكسرها، وقوله كُلُّ نَفْسٍ عموم يراد به الخصوص، والمراد كل نفس مخلوفة، و «الذوق» هاهنا مستعار، وَنَبْلُوكُمْ معناه نختبركم وقدم الشر لأن الابتداء به أكثر ولأن العرب من عادتها أن تقدم الأقل والأردى فمنه قوله تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف: ٤٩] ومنه قوله تعالى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [فاطر: ٣٢] فبدأ في تقسيم أمة محمد بالظلم وقال الطبري عن ابن عباس أنه جعل الْخَيْرِ و «الشر» هنا عاما في الغنى والفقر والصحة والمرض والطاعة والمعصية والهدى والضلالة.
قال القاضي أبو محمد: إن المراد من الْخَيْرِ و «الشر» هنا ما يصح أن يكون فتنة وابتلاء وذلك خير المال وشره وخير الدنيا في الحياة وشرها، وأما الهدى والضلال فغير داخل في هذا ولا الطاعة ولا المعصية لأن من هدى فليس نفس هداه اختبار بل قد تبين خبره، فعلى هذا ففي الخير والشر ما ليس فيه اختبار، كما يوجد أيضا اختبار بالأوامر والنواهي، وليس بداخل في هذه الآية. وفِتْنَةً معناه امتحانا وكشفا، ثم أخبر عز وجل عن الرجعة إليه والقيام من القبور، وفي قوله وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ وعيد، وقرأت فرقة «ترجعون» بضم التاء، وقرأت فرقة «ترجعون» بفتحها، وقرأت فرقة «يرجعون» بالياء مضمومة على الخروج من الخطاب إلى الغيبة.
قوله عز وجل:
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨)
روي أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المسجد

صفحة رقم 81

فاستهزآ به فنزلت الآية بسببهما، وظاهر الآية أن كفار قريش وعظماءهم يعمهم هذا المعنى من أنهم ينكرون أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمر آلهتهم وذكره لهم بفساد، وإِنْ بمعنى ما وفي الكلام حذف تقديره يقولون أَهذَا الَّذِي وقوله يَذْكُرُ لفظة تعم المدح والذم لكن قرينة المقال أبدا تدل على المراد من الذكر وتم ما حكي عنهم في قوله تعالى: آلِهَتَكُمْ، ثم رد عليهم بأن قرن بإنكارهم ذكر الأصنام كفرهم بذكر الله أي فهم أحق وهم المخطئون. وقوله تعالى: بِذِكْرِ أي بما يجب أن يذكر به ولا إله إلا الله منه.
وقوله بِذِكْرِ الرَّحْمنِ روي أن الآية نزلت حين أنكروا هذه اللفظة وقالوا ما نعرف الرحمن إلا في اليمامة، وظاهر الكلام أن الرحمن قصد به العبارة عن الله تعالى كما لو قال وَهُمْ بِذِكْرِ الله وهذا التأويل أغرق في ضلالهم وخطاهم. وقوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ، توطئة للرد عليهم في استعجالهم العذاب وطلبهم آية مقترحة وهي مقرونة بعذاب مجهز إن كفروا بعد ذلك، ووصف تعالى الإنسان الذي هو اسم الجنس بأنه «خلق من عجل» وهذا على جهة المبالغة كما تقول للرجل البطال أنت من لعب ولهو وكما قال رسول الله ﷺ «لست من دد ولا دد مني»، وهذا نحو قول الشاعر:

وإنا لمما نضرب الكبش ضربة على رأسه تلقي اللسان على الفم
كأنه مما كانوا أهل ضرب الهام، وملازمة الضرب قال إنهم من الضرب ع وهذا التأويل يتم به معنى الآية المقصود في أن ذمت عجلتهم وقيل لهم على جهة الوعيد إن الآيات ستأتي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ إنه على المقلوب كأنه أراد خلق العجل من الإنسان على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزءا من أخلاقه ع وهذا التأويل ليس فيه مبالغة وإنما هو إخبار مجرد وإنما حمل قائليه عليه عدمهم وجه التجوز والاستعارة في أن يبقى الكلام على ترتيبه ونظير هذا القلب الذي قالوه قول العرب: إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحرباء، وكما قالوا عرضت الناقة على الحوض وكما قال الشاعر: [البسيط]
حسرت كفي على السربال آخذه فردا يخر على أيدي المفدينا
وأما المعنى في تأويل من رأى الكلام من المقلوب فكالمعنى الذي قدمناه، وقالت فرقة من المفسرين قوله خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ إنما أراد أن آدم عليه السلام خلقه الله تعالى في آخر ساعة من يوم الجمعة فتعجل به قبل مغيب الشمس، وروى بعضهم أن آدم عليه السلام قال يا رب أكمل خلقي فإن الشمس على الغروب أو غربت ع وهذا قول ضعيف ومعناه لا يناسب معنى الآية، وقالت فرقة العجل الطين والمعنى خلق آدم من طين. وأنشد النقاش: والنخل ينبت بين الماء والعجل. وهذا أيضا ضعيف ومعناه مباين لمعنى الآية، وقالت فرقة معنى قوله خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ أي بقوله كن فهو حال عجلة وهذا أيضا ضعيف وفيه تخصيص ابن آدم بشيء كل مخلوق يشاركه فيه، وليس في هذه الأقوال ما يصح معناه ويلتئم مع الآية إلا القول الأول، وقرأت فرقة «خلق» على بناء الفعل للمفعول، وقرأت فرقة «خلق الإنسان» على معنى خلق الله الإنسان، فمعنى الآية بجملتها خلق الإنسان من عجل على معنى التعجب من تعجل

صفحة رقم 82
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية