
أي: كل شيء له حياة وموت كالإنسان والبهيمة والزرع والشجر، لأن لها موتاً إذا جفت ويبست فحياة جميع ذلك بالماء.
وقيل: هو حياة جميع الحيوان، إنما جيء بالماء الذي بنباته يعيش كل [شيء] حي.
وقيل: عنى بالماء هنا، النفطة خاصة.
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ﴾. إلى قوله: ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾.
أي: وجعلنا الأرض جبالاً لئلا تميد بالناس.
قال قتادة/: " كانوا على الأرض تمور بهم، ولا يثبت عليها بناء فأصبحوا وقد خلق الله الجبال أوتاداً حتى لا تميد الأرض ". والميد التحرك والدوران.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً﴾.
قال قتادة: " فجاجاً ": إعلاماً. " سبلاً ": طرقاً.
قال ابن عباس: " وجعلنا فيها فجاجاً " أي: في الرواسي.
وعنه: " الفجاج " كل شعب في جبل أو واد له منفذ.

وعنه أيضاً: " فجاجاً " بين الجبال.
والفج في اللغة، الطريق بين الجللين.
وقيل: الضمير في فيها يعود على الأرض، وهو اختيار الطبري لقوله تعالى: ﴿لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾. أي: يهتدون إلى السير في الأرض. والأرض تؤنث وتذكر. والتأنيث أكثر. وحكى أبو زيد أرضون وأراض وأروض في جميع الأرض. ويجوز في القياس أرضات.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾. أي: سقفاً للأرض محفوظاً بالملائكة من الشياطين.
وقيل: معناه: محفوظاً من أن يقع على الأرض.
وقيل: محفوظاً بالنجوم من الشياطين. وهو أولى، ودليله قوله تعالى ذكره: ﴿وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ﴾ [الصافات: ٧].
وقال ابن جبير: السماء بحر مكفوف. ورفعه إلى النبي ﷺ.

وروى الحسن البصري أن النبي ﷺ قال: " السماء موج مكفوف ".
قال قتادة: ﴿سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾ أي: مرفوعاً، وموجاً مكفوفاً.
ثم قال تعالى: ﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾.
أي: وهم عن شمسها وقمرها ونجومها وغير ذلك من آياتنا، معرضون عن التفكر فيها، وتدبر ما فيها من الحجج والدلائل على توحيد الله وقدرته.
ثم قال تعالى: ﴿وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار والشمس والقمر﴾.
أي: ابتدعها. فمن ابتدع هذه الأشياء وخلقها، فله تجب العبادة لا لغيره.
قال عكرمة: سئل ابن عباس عن الليل أكان قبل النهار أم قبل الليل؟ فقال: أرأيتم السماوات والأرض حين كانتا رتقاص، أكان بينهما إلا ظلمة ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار.
والليلة اسم للزمان من غروب الشمس إلى الانفجار الثاني.
واليوم: اسم للزمان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وكذلك النهار، واليوم ألزم لهذا الوقت من النهار، لأن بعض العرب يجعل النهار من طلوع الشمس إلى غروبها.

حكى ذلك عن بعضهم أبو حاتم في كتابه صفة البرد والحر وصفة أوقات الليل والنهار.
وقد يقع اليوم، اسماً للزمان، من طلوع الشمس إلى غروبها. وذلك مما جرت به العادات من الاستجارات ونحوها مما تعارق ذلك بين الناس، والأصل في اليوم، أنه اسم للزمان الذي تَعَبَّدَ الله به خلقه بالصيام والنهار مثله في أكثر اللغات.
وأصل الليل والنهار أنهما صفتان لزمانين معلومين على ما ذكرنا.
وقد قال الخليل: النهار ما بين الفجر إلى الغروب.
ثم قال تعالى: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.
قال مجاهد: " الفلك " كهيئة حديدة الرحى. وقاله ابن جريج.
وقال الضحاك: " الفلك " هو سرعة جري الشمس والقمر والنجوم وسيرها.
وقيل: " الفلك ": موج مكفوف تجري الشمس والقمر والنجوم فيه. وقيل: " الفلك " القطب الذي تدور به النجوم.
وقال ابن عباس وقتادة: " في فلك السماء ".

وقال ابن زيد: " الفلك " الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم والشمس والقمر. وقرأ: ﴿تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً﴾ [الفرقان: ٦١]. وقال: فلك البروج بين السماء والأرض، وليست في الأرض.
وعن الحسن أن الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل.
وقال: " يسبحون " لأنه أخبر عنها كما يخبر عمن يعقل. فأتى بالواو والنون في فعلها.
ومعنى: " يسبحون " يجرون وينصرفون ويدرون.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد﴾.
أي: ما خلدنا أحداً من بني آدم في الدنيا، فنخلدك يا محمد فيها. أفئن مت فهؤلاء المشركون خالدون بعدك في الدنيا. وتقديره: أهم الخالدون إن مت.
ثم قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت﴾.
أي: كل نفس معالجة غصص الموت، ومتجرعة كأسه.
﴿وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً﴾.
أي: ونختبركم أيها الناس بالرخاء والشدة وبما تحبون وما تكرهون، لننظر صبركم عند البلاء وشكركم عند الرخاء.

وقال ابن عباس: معناه: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة/ والمعصية والهدى والضلالة.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾.
أي: تردون فتجازون بأعمالكم. والرجوع إلى الله في هذا وفي كل ما في القرآن، إنما معناه: إلى حكمه وإلى قضائه وعدله، وليس برجوع إلى مكان الله، ولا إلى ما قرب منه، لأنه لا تحويه الأمكنة، إنما هو بمنزلة قولك: رجع أمرنا إلى القاضي وإلى الأمير. فقرب المسافة لا يجوز على الله جل ذكره، فافهمه.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً﴾.
أي: يسخرون منك يا محمد إذا رأوك. يقول بعضهم لبعض: ﴿أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ بسوء ويعيبها، تعجباً من ذلك. فيعجبون يا محمد من ذكرك آلهتهم وهي لا تضر ولا تنفع. وهم بذكر الرحمان الذي خلقهم، وأنهم عليهم كافرون
ثم قال تعالى: ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾.
يعني: آدم خلق من العجلة وعلى العجلة.
وقال ابن جبير: " لما نفخ في آدم الروح إلى ركبتيه ذهب لينهض فقال الله تعالى: ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾.
وقال سلمان الفارسي: " لما خلق الله من آدم وجهه ورأسه، جعل ينظر، وهو

يخلق، قال وبقيت رجلاه.
فلما كان بعد العصر قال: يا رب عجل قبل الليل. فقال: ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾. ذكره ابن وهب عن رجاله.
وقال قتادة: " معناه: خلق الإنسان عجولاً.
وقال السدي: لما نفخ الله في آدم الروح فدخل في رأسه، عطس، فقال له الملائكة: قل الحمد لله. فقال: الحمد لله. فقال الله تعالى له: رحمك ربك. فلما دخل الروح في عينيه. نظر إلى ثمار الجنة. فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن ينتهي الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول: ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾.
وقيل: معناه: خلق آدم آخر النهار من يوم الجمعة قبل غروب الشمس فكان خلقه على استعجال. قاله ابن جريج: وغيره.
قال ابن جريج: خلق الله آدم بعد خلق كل شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق. فلما آتى الروح عينيه ولسانه ورأسه، ولم يبلغ أسفله، قال: يا رب، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس، فذلك قوله: ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾.