
لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) }
شرح الكلمات:
﴿أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ : هي شوال والقعدة وعشر١ ليال من الحجة هذه هي الأشهر التي يحرم فيها بالحج.
﴿فَرَضَ﴾ : نوى الحج وأحرم٢ به.
﴿فَلا رَفَثَ﴾ : الرفث: الجماع ومقدماته.
﴿وَلا فُسُوقَ﴾ : الفسق والفسوق: الخروج عن طاعة الله بترك واجب أو فعل حرام.
الجدال: المخاصمة والمنازعة.
الجناح: الإثم.
﴿تَبْتَغُوا فَضْلاً﴾ : تطلبوا ربحاً في التجارة من الحج.
﴿أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ : الإفاضة من عرفات تكون بعد الوقوف بعرفة يوم الحج وذلك بعد غروب الشمس من يوم التاسع من شهر الحجة.
﴿الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ : مزدلفة وذكر الله تعالى عندها: هو صلاة المغرب والعشاء جمعاً بها وصلاة الصبح.
معنى الآيات:
ما زال السياق في بيان أحكام الحج والعمرة فأخبر تعالى أن الحج له أشهر٣ معلومة وهي شوال والقعدة وعشر ليال من الحجة فلا يحرم بالحج إلا فيها. وأن من أحرم بالحج يجب عليه أن يتجنب الرفث والفسق٤ والجدال٥ حتى لا يفسد حجه أو ينقص أجره، وانتدب الجاج
٢ يكره أن يحرم المسلم بالحج قبل أشهره، ولو أحرم صح إحرامه وعليه المضي فيه والأفضل له أن يتحلل بعمرة وإن بقى على إفراده كره له ذلك، وصح منه، هذا أرجح المذاهب في هذه المسألة.
٣ لم يذكر أشهر الحج في الآية بالتعيين وذلك للعلم بها ولبيان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها، وقال أشهر وهي شهران وعشر ليال من باب التغليب.
٤ أنه بتجنب هذه الثلاثة يكون حجه مبرور لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صحيح مسلم: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". قالت العلماء: الحج المبرور: الذي لم يعص الله تعالى فيه وحف بفعل الخيرات.
٥ الجدال: مأخوذ من الجدال الذي هو الفتل للحبل ونحوه، فالمجادل يريد أن يفتل رأي من يجادله أي يثنيه عنه ويرده عليه.

إلى فعل الخير من صدقة وغيرها فقال: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ﴾ ولازمه أنه يثيب عليه ويجزي به. وأمر الحجاج أن يتزودوا لسفرهم في الحج بطعام وشراب يكفون به وجوههم عن السؤال فقال: وتزودوا، وأرشد إلى خير الزاد، وهو التقوى، ومن التقوى عدم سؤال الناس أموالهم والعبد غير محتاج وأمرهم بتقواه عز وجل، أي بالخوف منه حتى لا يعصوه في أمره ونهيه فقال: ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾، والله أحق أن يتقى؛ لأنه الواحد القهار، ثم أباح لهم الاتجار أثناء وجودهم في مكة ومنى فقال: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ يريد رزقاً حلالاً بطريق التجارة المباحة، ثم أمرهم بذكر الله تعالى في مزدلفة بصلاة المغرب والعشاء والصبح فيها وذلك بعد إفاضتهم من عرفة بعد غروب الشمس فقال عز من قائل: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ١ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ ثم ذكرهم بنعمة هدايته لهم بعد الضلال الذي كانوا فيه وانتدبهم إلى شكره وذلك بالإكثار من ذكره فقال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ ثم أمرهم بالمساواة في الوقوف بعرفة والإفاضة منها فليقفوا كلهم بعرفات، وليفيضوا جميعاً منها فقال عز وجل: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾، وذلك أن الحمس٢ كانوا يفيضون من أدنى عرفات حتى ينجوا من الزحمة ويسلموا الحطمة. وأخيراً أمرهم باستغفار الله أي: طلب المغفرة منه ووعدهم بالمغفرة بقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- حرمة الرفث والفسوق والجدال في الإحرام.
٢- استحباب فعل الخيرات للحاج أثناء حجه ليعظم أجره ويبر حجه.
٣- إباحة الاتجار والعمل للحاج طلباً للرزق على أن لا يحج لأجل ذلك.
٤- وجوب٣ المبيت بمزدلفة لذكر الله تعالى.
٢ الحمس: جمع أحمس، من هو أشد تحمساً وحماسة لحماية الحرم وهم قريش ومن يمت إليهم بنسب وكانوا يقولون: نحن أهل الله في بلدته، وقبطان بيته.
٣ القول بركنية المبيت بمزدلفة قول شاذ لا يلتفت إليه، وأما الوجوب فمتأكد بالآية والحديث، والخروج منها بعد النزول بها بعد نصف الليل للعجزة والضعفة جائر بإذن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو ثابت في السنن.