
أجل النّاس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
وقال يحيى بن معاذ: الإخلاص تميّز العمل من العيوب كتميّز اللبن من بين الفرث والدم.
أبو الحسن البوشجي: هو ما لا يكتبه الملكان ولا يفسده الشيطان ولا يطّلع عليه الإنسان.
رؤيم: هو ارتفاع رؤيتك من الظّل. وقيل: ما يرى به الحق ويقصد به الصدق. وقيل: ما لا يشوبه الآفات ولا تتبعه رخص التأويلات.
وقيل: ما استتر من الخلائق واستصفى من العلائق.
حذيفة [الإخلاص] : هو أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن.
أبو يعقوب المكفوف: أن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.
سهل بن عبد الله: ألّا يرائي.
عن أحمد بن أبي الجماري قال: سمعت أبا سليمان يقول: للمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في النّاس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه.
أَمْ تَقُولُونَ قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وحفص: بالتاء واختاره أبو عبيد، وقرأ الباقون بالياء، واختاره أبو حاتم. فمن قرأ بالتاء فللمخاطبة التي قبلها قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ والتي بعدها قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ومن قرأ بالياء فهو أخبار عن اليهود والنّصارى.
إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قال الله:
قُلْ يا محمّد. أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بدينهم.
أَمِ اللَّهُ وقد أخبرني الله إنّه لم يكن يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً...
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ أخفى.
شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وهو علمهم إنّ إبراهيم وبنيّه كانوا مسلمين، وأن محمّدا صلّى الله عليه وسلّم حق ورسول.
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ الآية.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٢ الى ١٤٣]
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ الجهال.

مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ صرفهم وحوّلهم.
عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها من بيت المقدس. نزلت في اليهود ومشركي العرب بمكّة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركوا مكّة: قد تردّد على محمّد أمره واشتاق إلى مولده ومولد آباءه قد توجّه نحو قبلتكم وهو راجع إلى دينكم عاجلا.
قال الله قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ملكا والخلق عبيده يحولهم كيف شاء.
يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً عدلا خيارا. تقول العرب: انزل وسط الوادي: أي تخيّر موضعا فيه، ويقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو وسط قريش نسبا أي خيرهم: قال الله تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ «١»، أي أخيرهم وأعدلهم، وأصله هو أنّ خير الأشياء أوسطها. قال زهير:
هم وسط ترضى الأنام لحكمهم | إذا نزلت احدى الليالي بمعظم |
قال ثعلب: يقال: جلس وسط القوم ووسط الدّار، وكذلك فيما يحتمل البينونة [واحتمل وسطا له] «٢» بالفتح وكذلك فيما لا يحتمل البينونة.
نزلت هذه الآية في مرحب وربيع وأصحابهما من رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل: ما ترك محمّد قبلتنا إلّا حسدا، وإنّ قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمّد إنّا عدل بين النّاس. فقال معاذ: إنّا على حق وعدل. فأنزل الله وَكَذلِكَ أي وهكذا، وقيل الكاف فيه للتشبيه تقديره:
وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً. مردودة على قوله وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا «٣» الآية.
لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يوم القيامة أنّ الرّسل قد أبلغتهم.
وَيَكُونَ الرَّسُولُ محمّد صلّى الله عليه وسلّم. عَلَيْكُمْ شَهِيداً معدلا مزكّيا لكم وذلك إنّ الله تعالى جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي، وينقذهم البصر ثمّ يقول كفّار الأمم.
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ فتشكرون، ويقولون: ما جاءنا من نذير.
فيسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون: قد كذّبوا، قد بلغناهم وأعذرنا إليهم: فيسألهم البيّنة، وهو أعلم بإقامة الحجة. فيؤتى بأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشهدون لهم. إنّهم قد بلغوا. فتقول الأمم الماضية: من أين علموا بذلك وبيننا وبينهم مدة مريدة؟
(٢) كلام غير مقروء وما أثبتناه هو الظاهر.
(٣) سورة البقرة: ١٣٠.

فيقولون: علمنا ذلك باخبار الله أيانا في كتابه الناطق على لسان رسوله الصادق. فيؤتى محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيسأل عن حال أمّته. فيزكّيهم ويشهد لصدقهم.
وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها يعني التحويل عن القبلة الّتي كنت عليها وهي بيت المقدس.
وقيل: معناه القبلة الّتي أنت عليها أي الكعبة كقوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ «١» أي أنتم.
إِلَّا لِنَعْلَمَ لنرى ونميّز مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ في القبلة.
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ فيرتد ويرجع إلى قبلته الأولى هذا قول المفسرين وقال أهل المعاني: معناه إلّا لعلمنا مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ كأنّه سبق ذلك في علمه إنّ تحويل القبلة سبب هداية قوم وضلالة آخرين، وقد تضع العرب لفظ الاستقبال موضع المضي كقوله: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ «٢» أي قتلتم.
وأنزل بعض أهل اللّغة: للعلم منزلتين: علما بالشيء قبل وجوده وعلما به بعد وجوده والحكم للعلم الموجود لأنّه يوجب الثواب والعقاب فمعنى قوله لِنَعْلَمَ أي لنعلم العلم الّذي يستحقّ به العامل الثّواب والعقاب وهذا على معنى التقدير كرجل قال لصاحبه: النّار تحرق الحطب، وقال الأخر: لا، فردّ عليه. هات النّار والحطب، ليعلم إنّها تحرقه أي ليتقرر علم ذلك عندك.
وقوله: لنعلم تقديره ليتقرّر علمنا عندكم، وقيل معناه: ليعلم محمّد صلّى الله عليه وسلّم فأضاف علمه عليه السّلام إلى نفسه سبحانه تخصيصا وتفصيلا كقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ «٣» وقوله فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا «٤» ونحوهما وَإِنْ كانَتْ وقد كانت توليه القبلة وتحويلها فأنّث الفعل لتأنيث الإسم كقولهم: ذهبت بعض أصابعه وقيل: هذه الكناية راجعة إلى القبلة بعينها أراد وإن كانت الكعبة.
لَكَبِيرَةً ثقيلة شديدة. إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أي هداهم الله وقال سيبويه: (وانّ) تأكيد منه باليمين ولذلك دخلت اللّام في جوابها.
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ وذلك
إنّ يحيى بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس أكانت هدى أم ضلاله؟ فإن كانت هدى فقد تحولتم عنها وان كانت ضلالة لقد دنتم الله بها فإن من مات منكم عليها لقد مات على الضلالة.
(٢) سورة البقرة: ٩١.
(٣) سورة الأحزاب: ٥٧.
(٤) سورة الزخرف: ٥٥.