
قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
أخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب، فيقول هل بلغت؟ فيقول نعم، فيقال لأمته هل بلغكم، فيقولون ما أتانا من نذير، فيقول من يشهد لك؟ فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليكم شهيدا، فذلك قوله جل ذكره (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) والوسط العدل.
(الصحيح رقم ٤٤٨٧- تفسير سورة البقرة، ب (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)).
وقال عبد الرزاق الصنعاني: نا معمر عن قتادة قال في قوله (أمة وسطا) قال: عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم، ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا، أن قد بلغ ما أرسل به.
وإسناده صحيح. وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "... والوسط: العدل"
(الصحيح ح ٤٤٨٧).
أخرج البخاري بإسناده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال وجبت. فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض.
(الصحيح رقم ١٣٦٧- الجنائز، ب ثناء الناس على الميت).
وأخرج بإسناده أيضاً عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة -وقد وقع بها مرض- فجلست إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فمرت بهم جنازة فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت. ثم مر بأخرى فأثني على صاحبها خيراً، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت. ثم مر بالثالثة فأثني على صاحبها شرا، فقال

وجبت. فقال أبو الأسود: فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. فقلنا: واثنان؟ قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد.
(الصحيح رقم ١٣٦٨- الجنائز- ب ثناء الناس على الميت).
وقال ابن أبي حاتم حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم، ثنا أبو جعفر عن الربيع، عن أبي العالية (لتكونوا شهداء على الناس) يقول: لتكونوا شهداء على الأمم التي خلت قبلكم، بما جاءتهم به رسلهم وبما كذبوهم.
(تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني- رقم ٢٠، ٢٨).
وبه عن أبي العالية عن أبي بن كعب (لتكونوا شهداء على الناس) فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعبي، وآل فرعون، أن رسلهم قد بلغتهم وأنهم كذبوا وهي في قراءة أبي بن كعب (وتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة).
وإسنادهما جيد. (تفسير سورة البقرة- الجزء الثاني- رقم ٢٠، ٢٨).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ويكون الرسول عليكم شهيدا)
لم يبين هنا هل هو شهيد عليهم في الدنيا والآخرة؟ ولكنه بين في موضع آخر: أنه شهيد عليهم في الآخرة وذلك في قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).
(أضواء البيان ١/٤٩).
قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم) الآية. ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا بل هو تعالى

عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون. وقد بين أنه لايستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا (وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور) فقوله (والله عليم بذات الصدور) بعد قوله (ليبتلي) دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئا لم يكن عالما به، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، لأن العليم بذات الصدر وغني عن الاختبار وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه.
ومعنى (إلا لنعلم) أي علما يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس. أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لايخفى.
أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن ابن عمر رضي الله عنهما بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء جاء فقال أنزل الله على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرآنا أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة.
واللفظ للبخاري. (الصحيح رقم ٤٤٨٨- تفسير سورة البقرة، ب (وماجعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه... ). ومسلم (الصحيح رقم ٥٢٦- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة).
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) قال: لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق... عن ابن عباس: أي ابتلاء واختبارا.
ثم قال وروي عن الحسن وعطاء وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قال الله عز وجل (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) يعني: تحويلها على أهل الشك والريب.
واللفظ لابن أبي حاتم

وأخرج الطبري: بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) قال: ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس.
وقال عبد الرزاق: نا معمر عن قتادة في قوله تعالى (لكبيرة إلا على الذين هدى الله) قال: كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله.
وإسناده صحيح
وأخرجه الطبري بإسناده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) يقول: إلا على الخاشعين يعني: المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن محمد بن إسحاق... عن ابن عباس (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله)، أي الذين ثبت الله.
قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم... ) الآية
أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن البراء رضى الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال أشهد بالله لقد صليت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله (وماكان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم).
واللفظ للبخاري (الصحيح ٨/١٤١ رقم ٤٤٨٦- تفسير سورة البقرة، ب (سيقول السفهاء من الناس…))، ومسلم (الصحيح رقم ٥٢٥- المساجد، ب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة).

والمراد بالإيمان هنا الصلاة وقد أخرج الطبري عن إسماعيل بن موسى قال أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء في قول الله عز وجل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) قال: صلاتكم نحو بيت المقدس.
وأخرجه من طريق أبي أحمد الزبيري عن شريك به نحوه. وفي إسناده شريك وهو ابن عبد الله النخعي: صدوق يخطئ كثيراً وتغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ت ١٧٧هـ. وأخرجه أحمد (انظر مسائل الخلال ل ١١٢ب). وابن أبي حاتم من طريق شريك به. ورواية ابن أبي حاتم مقرونا مع حديج إلا أن حديج وهو ابن معاوية صدوق يخطئ وبما أن الحديث المتفق عليه السابق شاهد لحديث البراء، فالإسناد حسن.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الحسن عن ابن إسحاق... عن ابن عباس (وما كان الله ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى أي: ليعطينكم أجرهما جميعا.
قوله تعالى (إن الله بالناس لرؤوف رحيم)
تقدم الكلام عن بيان الرحيم في سورة الفاتحة.
قوله تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء... ) الآية
أخرج البخاري بسنده عن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يبق ممن صلى القبلتين غيري.
(الصحيح ٨/١٧٣ رقم ٤٤٨٩- تفسير سورة البقرة، ب (قد نرى تقلب وجهك في السماء... ).
وأخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: لما هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، وكان (أكثر) أهلها اليهود، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود. فاستقبلها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بضعة عشر شهرا، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، وكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل الله عز وجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء) سورة البقرة الآية: ١٤٤- فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: (ماولاهم عن
قبلتهم التي كانوا عليها). فأنزل الله عز وجل (قل لله المشرق والمغرب).
واللفظ للطبري. وأخرجه النحاس من طريق بكر بن سهل (الناسخ والمنسوخ ١/٥٨-٥٩)، والبيهقي (السنن الكبرى ٢/١٢-١٣) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي كلاهما عن عبد الله بن صالح به.