
واختلفوا في وقوع الجملة فاعلا أو نائب فاعل والوجه أن الجملة التي يراد بها لفظها يحكم لها بحكم المفردات ولهذا تقع مبتدأ نحو لا حول ولا قوة كنز من كنوز الجنة وفي المثل: زعموا مطيّة الكذب ولهذا لم يحتج الخبر الى رابط.
٢- (أَلا) قيل: هي حرف بسيط يفتتح به الكلام وينبّه على أن ما بعده متحقّق لا محالة، وقيل: هي حرف مركب من همزة الاستفهام وحرف النفي، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقا وأختها (أما) التي هي من مقدمات اليمين على حدّ قوله:
أما والذي بكى وأضحك والذي | أمات وأحيا والذي أمره الأمر |
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)
اللغة:
(الطّغيان) مصدر طغى طغيانا بضم الطاء وكسرها، ولام طغى قيل: ياء وقيل: واو ومعناها مجاوزة الحدّ.
(يَعْمَهُونَ) العمه: التردد والتحير وهو قريب من العمى إلا أنّ بينهما عموما وخصوصا لأن العمى يطلق على ذهاب نور العين وعلى الخطأ في الرأي والعمه لا يطلق إلا على الخطأ في الرأي. صفحة رقم 37

الإعراب:
(وَإِذا) عطف على ما تقدّم وقد تكرر إعراب إذا فيقاس على ما تقدّم (لَقُوا) أصله لقيوا وهو فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة استثقلت الضمة على الياء فحذفت ونقلت حركتها الى القاف والواو فاعل والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها (الَّذِينَ) اسم موصول مفعول به (آمَنُوا) فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول (قالُوا) فعل وفاعل والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم (آمَنَّا) فعل وفاعل والجملة الفعلية مقول القول (وَإِذا) عطف على وإذا المتقدمة (خَلَوْا) فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والواو فاعل والجملة في محل جر باضافة الظرف إليها (إِلى شَياطِينِهِمْ) الجار والمجرور متعلقان بخلوا والى معناها انتهاء الغاية وسيأتي بحثها في باب الفوائد (قالُوا) فعل ماض والجملة لا محل لها من الإعراب (إِنَّا) إن حرف مشبه بالفعل ونا ضمير متصل في محل نصب اسمها (مَعَكُمْ) مع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر إن والكاف مضاف اليه وجملة إنا معكم اسمية في محل نصب مقول القول (إِنَّما) كافة ومكفوفة (نَحْنُ) ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ (مُسْتَهْزِؤُنَ) خبر نحن مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة الاسمية تأكيد لجملة إنا معكم فهي داخلة في حيّز مقول القول ولك أن تجعلها مستأنفة لا محل لها مبنية على سؤال نشأ من ادعاء المعيّة كأنه قيل لهم عند قولهم: إنا معكم فما بالكم تشايعون المؤمنين بكلمة الايمان؟ فقالوا: إنما نحن مستهزئون أو انها تعليلية للمعيّة (اللَّهُ) مبتدأ (يَسْتَهْزِئُ) فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود على الله والجملة الفعلية

خبر (بِهِمْ) الجار والمجرور متعلقان بيستهزىء (وَيَمُدُّهُمْ) الواو عاطفة ويمدهم فعل مضارع مرفوع عطفا على يستهزىء والفاعل مستتر تقديره هو والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به (فِي طُغْيانِهِمْ) الجار والمجرور متعلقان بيمدهم (يَعْمَهُونَ) فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة الفعلية في محل نصب على الحال من الضمير في يمدهم.
البلاغة:
انطوت هاتان الآيتان على فنون عديدة من فنون البلاغة نوجزها فيما يلي:
١- المفارقة بين الجمل فقد خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وهي جملة آمنا وخاطبوا شياطينهم بالجملة الاسمية وهي جملة إنا معكم وذلك لأن الجملة الاسمية أثبت من الجملة الفعلية فإيمانهم قصير المدى لا يعدو تحريك اللسان، أو مدة التقائهم بالمؤمنين وركونهم الى شياطينهم دائم الاستمرار والتجدد وهو أعلق بنفوسهم، وأكثر ارتباطا بما رسخ فيها.
٢- المخالفة بين جملة مستهزئون وجملة يستهزىء لأن هزء الله بهم متجدد وقتا بعد وقت، وحالا بعد حال، يوقعهم في متاهات الحيرة والارتباك زيادة في التنكيل بهم.
٣- المشاكلة: فقد ثبت أن الاستهزاء ضرب من العبث واللهو وهما لا يليقان بالله تعالى، وهو منزه عنهما ولكنه سمّى جزاء الاستهزاء استهزاء فهي مشاكلة لفظية لا أقل ولا أكثر.

٤- الفصل الواجب في قوله: «الله يستهزىء بهم» لأن في عطفها على شيء من الجمل السابقة مانعا قويا لأنها تدخل عندئذ في حيز مقول المنافقين والحال أن استهزاء الله بهم وخذلانه إياهم ثابتان مستمران سواء خلوا الى شياطينهم أم لا فالجملة مستأنفة على كل حال لأنها مظنّة سؤال ينشأ فيقال ما مصير أمرهم؟ ما عقبى حالهم؟ فيستأنف جوابا عن هذا السؤال.
الفوائد:
ذكر النحاة معاني لإلى الجارة أحدها الانتهاء وهو الأصل فيها وثانيها المعية كقوله تعالى: «مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ» أي مع الله وثالثها التبيين وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو: «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ» ورابعها مرادفة اللام نحو «وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ» وخامسها موافقة (في) كقول النابغة الذبياني:
فلا تتركني بالوعيد كأنني | إلى الناس مطليّ به القار أجرب |
أم لا سبيل الى الشباب وذكره | أشهى إليّ من الرحيق السّلسل |