آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

و «أَلاَ» : استفتاحُ كلامٍ، و «لكن» : حرف استدراك، ويحتمل أن يراد هنا: لا يَشْعُرُونَ أنهم مفسدون، ويحتمل أن يراد: لا يشعرون أن الله يفضحهم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٣ الى ١٦]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)
قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ... الآية: المعنى: صدِّقوا بمحمَّد وشرعه كما صدَّقَ المهاجرون والمحقِّقون من أهل يثرب، قالوا: أنكون كالذين خَفَّت عقولهم، والسفه: الخفَّة والرقَّة الداعيةُ إِلى الخفة، يقال: ثوب سَفِيهٌ، إِذا كان رقيقًا هَلْهَلَ النَّسْجِ، وهذا القول إِنما كانوا يقولونه في خفاء، فَأَطْلَعَ اللَّه عليه نبيَّه عليه السلام، والمؤمنين، وقرر أن السفه ورقَّة الحلوم وفساد البصائرِ إِنما هو في حيِّزهم وصفةٌ لهم، وأخبر أنهم لا يعلمون أنهم السفهاء لِلرَّيْنِ الَّذي على قلوبهم.
وقوله تعالى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا... الآية: هذه كانت حالَ المنافقين: إِظهارُ الإيمان للمؤمنين، وإِظهار الكفر في خلواتهم، وكان رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم يعرض عنهم، ويَدَعُهُمْ في غمرة الاشتباه مخافة أن يتحدَّثَ الناسُ عنه أنه يقتُلُ أصحابه حَسْبَمَا وقع في قِصَّة عبد اللَّه بن أُبَيٍّ ابْنِ سَلُول «١»، قال مَالِكٌ: النِّفَاقُ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الزندقةُ اليَوْمَ، واختلف المفسِّرون في المراد بشياطينهم، فقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: هم رؤساء الكفر «٢»، وقيل: الكُهَّان، قال البخاريُّ: قال مجاهدٌ: إِلى شَياطِينِهِمْ، أي:
أصحابهم من المنافقين والمشركين «٣».
قال ص «٤» : شياطينهم: جمع شيطانٍ، وهو كل متمرّد من الجنّ والإنس

(١) عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي، أبو الحباب، المشهور ب «ابن سلول»، وسلول جدته لأبيه، من «خزاعة»، رأس المنافقين في الإسلام، من أهل المدينة. كان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم. كان كلما نزلت بالمسلمين نازلة شمت بهم، وكلما سمع بسيئة نشرها. لما مات تقدّم النبي صلّى الله عليه وسلم فصلّى عليه ولم يكن ذلك من رأي «عمر» فنزلت: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التوبة: ٨٤]. ينظر: «الأعلام» (٤/ ٦٥)، «طبقات ابن سعد» (٣/ ٩٠)، «جمهرة الأنساب» (٣٣٥).
(٢) أخرجه الطبري (١/ ١٦٣) برقم (٣٤٩)، وذكره القرطبي (١/ ١٧٩).
(٣) أخرجه الطبري (١/ ١٦٤) برقم (٣٥٥)، وذكره البغوي في «التفسير» (١/ ٥١)، والسيوطي في «الدر» (١/ ٧٠)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وذكره ابن كثير (١/ ٥١).
(٤) «المجيد في إعراب القرآن المجيد» (ص ١١٨).

صفحة رقم 189

والدوابِّ. قاله ابن عبَّاس، وأنثاه شيطانة. انتهى.
ت: ويجب على المؤمن أن يجتنب هذه الأخلاق الذميمة، وقد ثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ».
رواه أبو داود «١»، وفيه عنه صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ له يوم القيامة لسانان ١١ أمن نَارٍ». انتهى. / من سنن أبي داود «٢».
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ: اختلف المفسِّرون في هذا الاستهزاء، فقال جمهور العلماء:
هي تسمية العُقُوبة باسم الذَّنْب، والعربُ تستعمل ذلك كثيرًا، وقال قوم: إن اللَّه سبحانه يفعل بهم أفعالاً هي في تأمل البَشَر هُزْءٌ روي أنَّ النَّارَ تجمد كما تَجْمُدُ الإِهالة «٣»، فيمشون عليها، ويظنون أنها منجاة، فتخسف بهم، وما روي أن أبواب النَّار تفتح لهم، فيذهبون إِلى الخروج، نحا هذا المنحى ابنُ عَبَّاس والحسن.
ت: وقوله تعالى: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [الحديد: ١٣] يقوِّي هذا المنحى، وهكذا نص عليه في اختصار الطبريِّ. انتهى.
وقيل: استهزاؤه بهم هو استدراجهم بدرور النعم الدنيوية، ويَمُدُّهُمْ، أي:
يزيدهم في الطغيان، وقال مجاهد: معناه: يملي لهم «٤»، والطغيان الغلوّ وتعدّي الحدّ

(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٦٨٤)، كتاب «الأدب»، باب في ذي الوجهين، حديث (٤٨٧٢)، من طريق أبي الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرة، مرفوعا بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري (١٠/ ٤٨٩)، كتاب «الأدب»، باب ما قيل في ذي الوجهين، حديث (٦٠٥٨)، ومسلم (٤/ ١٩٥٨)، كتاب «فضائل الصحابة»، باب خيار الناس، حديث (١٩٩/ ٢٥٢٦)، بلفظ: «تجدون من شر الناس... »
الحديث.
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٦٨٤- ٦٨٥)، كتاب «الأدب»، باب في ذي الوجهين، حديث (٤٨٧٣)، والدارمي (٢/ ٣١٤)، كتاب «الرقاق»، باب ما قيل في ذي الوجهين، والبخاري في «الأدب المفرد» (١٨٨)، وابن حبان (١٩٧٩- موارد)، والطيالسي (٢/ ٥٩- منحة)، رقم (٦١٧٥)، وابن أبي شيبة (٨/ ٥٥٨) رقم (٥٥١٥)، والبغوي في «شرح السنة» (٦/ ٥٢٣- بتحقيقنا)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٤/ ٢٢٩)، رقم (٤٨٨١)، كلهم من طريق شريك بن عبد الله، عن الركين، عن نعيم بن حنظلة، عن عمار بن ياسر مرفوعا، وصححه ابن حبان.
وقال العراقي في «تخريج الإحياء» (٣/ ١٣٧) : وسنده حسن.
(٣) الإهالة: الدّهن. ينظر: «عمدة الحفاظ» (١/ ١٥٣).
(٤) أخرجه الطبري (١/ ١٦٨) برقم (٣٦٤) عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم. وبرقم (٣٦٥) عن مجاهد، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٧٠) عن ابن مسعود.

صفحة رقم 190
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية