
وعنوا بالسفهاء أصحاب محمد (١) - ﷺ - و (الألف واللام) فيها (٢) مثلهما في (الناس) (٣). فإن قيل: كيف يصح النفاق مع المجاهرة (٤) بقولهم: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ قيل: إنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم، لا عند المؤمنين؛ لأن الله تعالى قد قال: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا﴾ [البقرة: ١٤]. أو (٥) أنهم لم يفصحوا بهذا القول، وإنما أتوا بما يفهم عنهم به هذا المعنى، ولا يقوم به حجة توجب الحكم من جهة المشاهدة، كقوله تعالى: ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: ٣٠]، وهو خلاف الإفصاح (٦).
١٤ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. قال المفسرون: يعني: أبا بكر -رضي الله عنه- وأصحابه (٧). و (لقوا) في الأصل (لقيوا) فاستثقلت الضمة على
(٢) (فيها) غير واضحة في (ب).
(٣) يريد ما سبق في قوله: ﴿كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ حيث قال: الألف واللام للمعرفة لأن أولئك كانوا معروفين عند المخاطبين بهذا.
(٤) في (أ)، (ج): (المجاهدة) وما في (ب) موافق لما في "الوسيط" ١/ ٤٣ وهو ما أثبته.
(٥) في (ب): (وأنهم).
(٦) انظر. "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٧٨.
(٧) لعل المؤلف هنا يثير إلى الأثر الطويل الذي أخرجه في (أسباب النزول) بسنده عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والذي ورد فيه قصة لقاء عبد الله بن أبي ومعه طائفة من أصحابه بأبي بكر ومعه نفر من الصحابة.. الأثر. "أسباب النزول" للواحدي ص ٢٥. وأخرجه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥١ أ، وأورده =

(الياء)، فحذفت ونقلت ضمتها إلى القاف (١). الحراني عن ابن السكيت:
لَقِيتُه لقَاءً ولِقْيَاناً ولُقِيًّا (٢) ولُقًى (٣).
الليث: وكل شيء استقبل شيئا أو صادفه فقد لقيه من الأشياء كلها (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾. يقال: خَلاَ المكان يَخْلُو (٥) خَلَاءً وهو خَلاَء (٦) وخَالٍ (٧)، وخَلَوْتُ بفلان، أَخْلُو به خَلْوَةً وَخَلاَءً (٨)،
(١) في "الكشف" للثعلبي (فاشتقلت الضمة على (الياء) فنقلت إلى القاف، وسكنت، و (الواو) ساكنة فحذفت لاجتماعها) ١/ ٥١ أ، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٩، "تفسير القرطبي" ١/ ١٧٩.
(٢) (ولقيا) ساقط من (ب).
(٣) "تهذيب اللغة" (لقى) ٤/ ٣٢٩٠، وانظر كلام ابن السكيت في "إصلاح المنطق" ص ٣١١. قال أبو حيان: (سمع لـ (لقى) أربعة عشر مصدرًا)، "البحر" ١/ ٦٢، "الدر المصون" ١/ ١٤٤.
(٤) "تهذيب اللغة" (لقى) ٤/ ٣٢٩٠.
(٥) في (أ)، (ج): (مخلو) وأثبت ما في (ب).
(٦) في (ب): (يخلو خلاوة وخلاء).
(٧) في "التهذيب" قال الليث: خلا المكان والشيء يَخْلُو خُلْوَّا وخَلاَءً وأَخْلَى إذا لم يكن فيه أحد ولا شيء فيه، وهو خال. "التهذيب" (خلا) ١/ ١٠٧٣، وانظر "اللسان" (خلا) ٢/ ١٢٥٤، "القاموس" (خلا) ص ١٢٨٠.
(٨) ذكره الأزهري عن اللحياني. "التهذيب" (خلا) ١/ ١٠٧٣.

ويقال: خَلَا به وخَلَا معه وخَلَا إليه بمعنى واحد (١). وقال النضر (٢): (إلى) هاهنا بمعنى: (مع) (٣) كقوله: ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧] و ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ (٤) [آل عمران: ٥٢، الصف: ١٤]، ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢] (٥).
وقال النحويون: معنى الآية: إذا انصرفوا من لقاء المؤمنين إلى شياطينهم، فدخلت (إلى) لدلالة (٦) الكلام على معنى الابتداء (٧) والانتهاء؛ لأن أول لقائهم للمؤمنين ثم للشياطين، فكأنه (٨) قال: وإذا خلوا من المؤمنين وانصرفوا (٩) إلى شياطينهم. وهذا أحسن من إخراج
(٢) هو النضر بن شميل بن خَرَشة بن يزيد التميمي، من أهل مرو، كان صاحب غريب وشعر، ورواية للحديث، من أصحاب الخليل بن أحمد، توفي سنة ثلاث ومائتين. انظر ترجمته في: "إنباه الرواة" ٣/ ٣٤٨، "نزهة الألباء" ص ٧٣، "وفيات الأعيان" ٥/ ٣٩٧، "إشارة إلى التعيين" ص ٣٦٤.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥١ أ، وذكره الجوهري ولم ينسبه للنضر. "الصحاح" (خلا) ٦/ ٢٣٣٠، "اللسان" (خلا) ٢/ ١٢٥٤، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٣١.
(٤) وردت في سورة آل عمران: ٥٢ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ الآية. وفي سورة الصف: ١٤ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ الآية.
(٥) انظر: "تأويل مشكل القرآن" ص ٥٧١.
(٦) في (أ)، (ج) (الدلالة) وأثبت ما في (ب).
(٧) في (ب): (الابتدار الانتهاء).
(٨) في (ب): (فكانوا).
(٩) في (ب): (فانصرفوا).

(إلى) عن حدها (١).
والشيطان كل متمرد عات من الجن والإنس (٢)، قال الله تعالى. ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢]. واختلفوا في اشتقاقه: فقال الليث: الشيطان فَيْعَال من شَطَن أي: بعد، يقال: نَوى شَطُون (٣) وشَطَنَت (٤) الدار، أي: بعدت، ويقال: شَيْطَن (٥) الرجل وتَشَيْطَن (٦) إذا صار (٧) كالشيطان وفعل فعله.
وقال رؤبة:
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٣٢، "تفسير الطبري" ١/ ٤٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٥ ب.
(٣) النوى: الدار، ويطلق على التحول من مكان إلى آخر. "اللسان" (نوى) ١٥/ ٣٤٧. والكلام لأبي عبيد أدخله المؤلف في كلام الليث، قال في "التهذيب" (أبو عبيد: نوى شطون: أي بعيدة شَاطَّة، وقال الليث: غزوة شطون: أي بعيدة، وشَطَنَت الدار شُطُونا، إذا بعدت...). "التهذيب" (شطن) ٢/ ١٨٧٧.
(٤) في (ب): (وشطين الداري) ولفظ الداري بخط مخالف كبير.
(٥) في (ب): (شيطان).
(٦) في (ب): (شيطن).
(٧) في (ب): (صاب).

شَافٍ لِبَغْي الكَلْبِ المُشَيْطِنِ (١)
فمعنى الشيطان: البعيد من الجنة. وقال قوم: الشيطان فعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق، بوزن: هَيْمَان وعَيْمَان (٢)، من هام وعام (٣) وقال الأعشى:
وقد يشيط على أرماحنا البطل (٤)
قال أبو علي: هو (فَيْعَال) من شَطَن (٥) مثل: البَيْطَار والغَيْدَاق (٦). وليس بفَعْلَان من قوله: وقد يَشِيُط البيت.
(٢) في (ب) (عثمان) وفي "التهذيب" (غيمان) ٢/ ١٨٧٧.
(٣) الكلام بنصه في "التهذيب" (شطن) ٢/ ١٨٧٨، ونسب أبو حيان القول للكوفيين. "البحر" ١/ ٦٢، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٤٩، "الحجة" ٢/ ٢٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ٧٦.
(٤) صدره:
قد نخضب العير من مكنون فائله
العير: حمار الوحش، الفائل: عرق يجرى من الجوف إلى الفخذ، ومكنون الفائل: الدم، يشيط: يهلك. انظر (ديوان الأعشى) ص ١٤٩، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٢، "شرح المفصل" ٥/ ٦٤، "البحر المحيط" ١/ ٦٢، "تفسير القرطبي" ١/ ٧٩.
(٥) في (ب): (شيطن).
(٦) (الغيداق) الكريم، وولد الضب، والطويل من الخيل. "القاموس" ص ٩١٤. و (البيطار): الخياط. "القاموس" ص ٣٥٢.

لأن سيبويه قد حكى: (شيطن) (١) وهو (فَيْعَل) لا (فَعْلَن)، لأنا لا
نعلم أن (٢) هذا الوزن جاء في كلامهم (٣). ومثل (فَيْعَل) بَيْطَر وَهَيْنَم (٤)،
والحجة القاطعة قول أمية:
أيُّمَا شاطنٍ عصاهُ عكاهُ | ثُمَّ يُلْقَى في السِّجْنِ والأكْبَالِ (٥) |
(٢) في (ب) (لأن).
(٣) نص كلام أبي علي في "الحجة": (ألا ترى أن سيبويه حكى: شَيْطَنتُه فَتَشَيْطَن، فلو كان من يَشِيطُ لكان شَيْطَنَتُه (فَعْلَنْتُه)، وفي أنا لا نعلم هذا الوزن جاء في كلامهم ما يدلك أنه. (فَيْعَلْتُه)، مثل: بَيْطَرتُه ومثل: هَيْنَم. وفي قول أمية أيضا دلالة عليه، وهو قوله:...) ٢/ ٢٢. وانظر كلام سيبويه في "الكتاب" ٣/ ٢١٧، ٢١٨.
(٤) الهينمة: (الصوت الخفي) "القاموس" ص١١٧٢.
(٥) البيت لأمية بن أبي الصلت يذكر سليمان -عليه السلام- يقول: أيما شيطان عصى سليمان، عكاه: شده بالأكبال، وهي القيود ثم يلقى في السجن. انظر "تفسير الطبري" ١/ ٤٩، "الحجة" ٢/ ٢٢، "التهذيب" (شطن) ٢/ ١٨٧٨، (إعراب ثلاثين سورة) لابن خالويه ص ٧، "تفسير ابن عطية" ١/ ٧٦، "زاد المسير" ١/ ٣٤، و"تفسير القرطبي" ١/ ٧٩، "البحر المحيط" ١/ ٦٢، "اللسان" (شطن) ٤/ ٢٢٦٥، "الدر المصون" ١/ ١٠.
(٦) انتهى ما نقله عن أبي علي من "الحجة" ١/ ٢٢، وقد نصر جمهور العلماء هذا الرأي وأن شيطان (فَيْعَال) من شَطن، منهم ابن جرير في "تفسيره" ١/ ٤٩، والأزهري في "تهذيب اللغة" (شطن) ٢/ ١٨٧٨، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٧٦٠.
قال السمين الحلبي: قال جمهورهم: هو مشتق من شَطَن يَشْطُن، أي بعد. "الدر المصون" ١/ ١٠.