آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا
ﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

وقال الربيع: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً قال: يفدون إلى ربهم فيكرمون ويعطون ويحيون ويشفعون وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ يعني الكافرين إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً قال المفسّرون: عطاشى، مشاة على أرجلهم قد تقطّعت أعناقهم من العطش، والورد جماعة يردون الماء، اسم على لفظ المصدر لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً يعني لا إله إلّا الله، ومن في موضع النصب على الاستثناء.
قال ابن عباس: يعني لا يشفع إلّا من شهد أن لا إله إلّا الله تبرّأ من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله عزّ وجلّ.
وقال بعضهم: معناه إلّا لمن اتخذ، نظيره وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى قال مقاتل إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً يعني اعتقد بالتوحيد.
وقال قتادة: عمل بطاعة الله،
وروى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله علائم يقول لأصحابه ذات يوم: «أيعجز أحدكم أن يتّخذ كلّ صباح ومساء عند الله عهدا؟
قالوا: كيف ذاك؟ قال: يقول كلّ صباح ومساء: اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ إنّي أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنّي أشهد أن لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّدا عبدك ورسولك، وأنّك إن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشرّ وتباعدني من الخير، وإنّي لا أثق إلّا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا توفّينيه يوم القيامة إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ، فإذا قال ذلك طبع الله عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين لهم عند الرّحمن عهد فيدخلون الجنة «١»
؟».
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٨٨ الى ٩٨]
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢)
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧)
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً يعني اليهود والنصارى، ومن زعموا أنّ الملائكة بنات الله، وقرأ حمزة والكسائي وُلْداً بضم الواو وجزم «٢» اللام وهي أربعة مواضع هاهنا، وحرف في

(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ٦٢
(٢) في نسخة أصفهان: همز.

صفحة رقم 231

سورة الزخرف، وحرف في سورة نوح، والباقون بالفتح، وهما لغتان مثل العرب والعرب والعجم والعجم.
قال الشاعر:

فليت فلانا كان في بطن أمّه وليت فلانا كان ولد حمار «١»
مخففا وقيس بجعل الولد بالضم جمعا والولد بالفتح واحدا.
لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا قال ابن عباس: منكرا، وقال قتادة ومجاهد: عظيما، وقال الضحاك: فظيعا وقال مقاتل: معناه لقد قلتم قولا عظيما، نظيره قوله أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً «٢» والإدّ في كلام العرب أعظم الدواهي، قال رؤبة:
نطح شىّ أد رؤوس الأداد
وفيه ثلاث لغات: إدّ بالكسر وهي قراءة العامة، وأدب الفتح وهي قراءة السلمي، وآد مثل ماد وهي لغة بعض العرب تَكادُ السَّماواتُ قرأ نافع والكسائي بالياء لتقديم الفعل، وقرأ الباقون بالتاء لتأنيث السموات يَتَفَطَّرْنَ يتشقّقن منه وقرأ «٣» أبو عمرو ينفطرن بالنون من الانفطار وهو اختيار أبي عبد الله «٤» لقوله عز وجل إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وقوله السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ الباقون بالتاء من التفطّر وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا قال ابن عباس: وقرأ مقاتل:
وقطعا وقال عطاء: هدما، أبو عبيد: سقوطا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً يعني لأن دعوا، ومن قرأ جعلوا وقالوا لِلرَّحْمنِ وَلَداً «٥»، قال ابن عباس وأبي بن كعب: فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلّا الثقلين وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم وقالوا لله عزّ وجلّ ولد، ثم نفى سبحانه عن نفسه الولد فقال وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً يعني انه لا يفعل ذلك ولا يحتاج إليه ولا يوصف به إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لا ولدا لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا أنفاسهم وأيامهم «٦» فلا يخفى عليه شيء وَكُلُّهُمْ آتِيهِ جائيه يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً وحيدا فريدا بعمله ليس معه شيء من الدنيا.
وأخبرنا عبد الله بن حامد، حدّثنا محمد بن جعفر بن يزيد، حدّثنا أحمد بن عبيد
(١) تاج العروس: ٢/ ٥٤٠.
(٢) الإسراء: ٤٠.
(٣) في نسخة أصفهان زيادة: عاصم و.
(٤) في نسخة أصفهان: أبي عبيد، بدل أبي عبد الله.
(٥) في نسخة أصفهان: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً.
(٦) في نسخة أصفهان: أنفاسهم وآثامهم وآثارهم.

صفحة رقم 232

المؤدب، حدّثنا عبد الرزاق، وحدّثنا عبد الله، نبّأ محمد بن الحسن، نبّأ أحمد بن يوسف السلمي «١»، نبّأ عبد الرزاق، حدّثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن رسول الله ﷺ قال: قال الله عزّ وجلّ: «كذبني عبدي وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إيّاي فأن يقول: لن يعيدنا كما بدأنا، وأمّا شتمه إياي فأن يقول: اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كُفُواً أَحَدٌ» «٢».
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا أي حبّا يحبّهم ويحبّبهم إلى عباده المؤمنين من أهل السموات والأرضين.
أخبرنا عبد الخالق بن علىّ بن عبد الخالق أبو القاسم العاصي أنبأ أبو علي محمد بن أحمد بن حمزه عن الحسن الصوّاف «٣» ببغداد، قال أبو جعفر الحسن بن علي الفارسي، عن إسحاق بن بشر الكوفي، عن خالد بن يزيد عن يزيد الزيات، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء عن عازب قال: قال رسول الله ﷺ لعلي بن أبي طالب: يا علي قل:
«اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة، فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» الآية «٤».
وأخبرنا عبد الله بن حامد، أنبأ عبدوس بن الحسين، نبّأ أبو حاتم بن أبي أويس، حدّثني مالك بن أنس عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّه قال: إذا أحبّ الله العبد قال لجبرئيل: يا جبرئيل قد أحببت فلانا فأحبّه، فيحبّه جبرائيل ثمّ ينادي في أهل السماء: إنّ الله عزّ وجلّ قد أحب فلانا فأحبّوه، فيحبّه أهل السماء ثم يضع له المحبّة في الأرض وإذا أبغض العبد، قال مالك: لا أحسبه إلّا قال في البغض مثل ذلك «٥».
وأخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن يعقوب عن يحيى بن أبي طالب عن عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة في قوله سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قال: إي والله ودّ في قلوب أهل الإيمان، وان هرم بن حيّان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله عزّ وجلّ بقلوب أهل الإيمان إليه حتّى يورثه مودّتهم ورحمتهم.

(١) في نسخة أصفهان: وأخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن الحسين بن الحسن عن أحمد بن يوسف السلمي عن عبد الرزاق عن عبد الله، وأخبرنا محمد بن جعفر بن يزيد عن أحمد بن عبيد الله المؤدب.
(٢) صحيح ابن حبّان: ٣/ ١٢٨.
(٣) في نسخة أصفهان: عبد الخالق عن أبي علي محمد بن أحمد الصواف.
(٤) نظم درر السمطين- الزرندي الحنفي: ص ٨٥. [.....]
(٥) مسند أحمد: ٢/ ٥١٤ بتفاوت.

صفحة رقم 233

فَإِنَّما يَسَّرْناهُ سهّلناه يعني القرآن بِلِسانِكَ يا محمد لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ يعني المؤمنين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا قال ابن عباس: شدادا في الخصومة وقال الضحاك: جدلا بالباطل، وقال مقاتل: خصما، وقال الحسن: صمّا، وقال الربيع: صمّ آذان القلوب، وهو جمع ألدّ يقال: رجل ألدّ إذا كان من عادته مخاصمة الناس.
وقال مجاهد: الألدّ الظالم الذي لا يستقيم، وقال أبو عبيد: الألدّ الذي لا يقبل الحق ويدّعي الباطل، قال الله تعالى وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ «١».
أخبرنا عبد الله بن حامد، أنبأ أحمد بن محمد بن الحسين بن السوقي، نبّأ أبو الأزهر نبّأ أبو أسامة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «٢» يقول: أبغض الرجال إلى الله تعالى الألدّ الخصم.
ثمّ خوّف أهل مكة فقال: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ هل ترى، وقيل: تجد منهم مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً وهو الصوت الخفيّ، قال ذو الرمّة:

وقد توجّس ركزا من سنابكها إذ كان صاحب أرض أو به الموم
قال أبو عبيدة: الركز: الصوت والحركة الذي لا يفهمه «٣» كركز الكتيبة، وأنشد بيت لبيد:
وتوجّست ركز الأنيس فراعها عن ظهر غيب والأنيس سقامها «٤»
(١) البقرة: ٢٠٤.
(٢) مسند أحمد: ٦/ ٥٥.
(٣) في نسخة أصفهان: الصوت الخفىّ والحركة الذي يفهمه.
(٤) كتاب العين: ٧/ ٣٤٨٠ والعبارة: فتسمعت ركز الأنيس فراعها عن ظهر غيب والأنيس سقامها.

صفحة رقم 234
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية