آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

ثم بين علة ذلك فقال:
(أن دعوا للرحمن ولدا) أي من أجل أنهم نسبوا إلى الله اتخاذ الولد.
ثم نفى ذلك عن نفسه بقوله:
(وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا) أي وما يليق به اتخاذ الولد، لأن ذلك يقتضى التجانس بينهما وأن يكون كل منهما حادثا، ولأن الولد إنما يكون للسرور به، والاستعانة به حين الحاجة، وللذكر الجميل، إلى نحو أولئك من المقاصد التي يتنزه عنها ربنا جل وعلا.
ثم زاد الإنكار توكيدا فقال:
(إن كل من فى السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا) أي ما من أحد من الملائكة والإنس والجن إلا وهو مملوك له سبحانه، ينقاد لحكمه، ويلتجىء إليه حين الحاجة، ويخضع له خضوع العبد لسيده.
(لقد أحصاهم) أي لقد حصرهم وأحاط بهم، فهم تحت أمره وتدبيره، يعلم ما خفى من أحوالهم وما ظهر، لا يفوته شىء منها.
(وعدهم عدا) أي وعدّ أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم وأقوالهم، فكل شىء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة.
(وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) أي وكل امرئ منهم يأتيه يوم القيامة وحيدا منفردا عن الأهل والأنصار، منقطعا إليه تعالى، محتاجا إلى معونته ورحمته.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٩٦ الى ٩٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨)

صفحة رقم 87

تفسير المفردات
الود: المودة والمحبة، بلسانك: أي بلغتك، واللّدّ: واحدهم ألد، وهو الشديد الخصومة، وركزا: أي صوتا خفيّا.
المعنى الجملي
بعد أن فصّل سبحانه أحوال الكافرين فى الدنيا والآخرة، وبالغ فى الرد عليهم- ختم السورة بذكر أحوال المؤمنين، وبين أنه سبحانه سيغرس محبتهم فى قلوب عباده، وبعد أن استقصى فى السورة دلائل التوحيد والنبوة والحشر ورد فيها على فرق المبطلين بين أنه يسر ذلك بلسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم ليبشر به المتقين، وينذر به قوما من المشركين ذوى الجدل والمماراة.
الإيضاح
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) أي إن الذين آمنوا بالله وصدّقوا برسله وبما جاءوهم به من عنده وعملوا به فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، سيجعل لهم الله محبة فى قلوب عباده المؤمنين.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي فى جمع كثير عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا أحب الله تعالى عبدا يقول لجبريل: إنى قد أحببت فلا نا فأحبه، فينادى فى السماء، ثم تنزل له المحبة فى الأرض، فذلك قول الله تعالى (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الآية».
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن البراء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلى كرم الله وجهه: «قل اللهم اجعل لى عندك عهدا، واجعل لى فى صدور المؤمنين ودا، فأنزل الله سبحانه الآية».

صفحة رقم 88

وكان هرم بن حيّان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
وخلاصة ذلك- سيجعل الله للمؤمنين الذين يعملون الصالحات مودة فى القلوب يزرعها لهم من غير تودد منهم، ولا تعرّض للأسباب التي يكتسب بها الناس مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع معروف.
وقد خصهم الله بهذه الكرامة كما: قذف الرعب فى قلوب أعدائهم منهم إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم.
ثم ذكر الحكمة فى إنزال القرآن بلغة العرب فقال:
(فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) أي فإنما سهلنا نزول القرآن بلغتك العربية لتقرأه على الناس وتبشر به من اتقى عقاب الله، فأدى فرائضه واجتنب نواهيه، بأن له الجنة، وتنذر به من عصاه من قريش، وهم أهل اللدد والجدل بالهوى ممن لا يقبل حقا، ولا يحيد عن باطل.
وقصارى ذلك- بلّغ هذا المنزّل وبشر به وأنذر فإنما أنزلناه بلسانك العربي المبين، ليسهل على الناس فهمه ثم ختم السورة بتلك العظة البالغة فقال:
(وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟) أي وقد أهلكنا كثيرا من الأمم قبل هولاء المعاندين، حين سلكوا فى خلافى مسلك هؤلاء، وركبوا معاصىّ، فهل تحس منهم أحدا فتراه وتعاينه أو تسمع له صوتا؟ لا- إنهم بادوا وخلت منهم الديار، وأقفرت المنازل، وصاروا إلى دار لا ينفع فيها إلا صالح العمل، وإن قومك لصائرون إلى مثل ما صاروا إليه، إن لم يعاجلوا التوبة قبل الهلاك.

صفحة رقم 89

وفى هذا وعد لرسول الله ﷺ بالنصر والغلبة على هؤلاء المشركين، ووعيد لأولئك الكافرين الجاحدين، وحث له على التبشير والإنذار.
وقصارى ذلك- إنا أهلكنا هم، فلم نبق منهم أحدا تراه، ولا تسمع له صوتا خفيا ولا ظاهرا.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين.
خلاصة لما حوته السورة الكريمة من المقاصد
(١) دعاء زكريا ربه أن يهب له ولدا سريا مع ذكر الأسباب التي دعته إلى ذلك (٢) استجابة الله دعاءه وبشارته بولد يسمى يحيى لم يسمّ أحد من قبله بمثل اسمه.
(٣) تعجب زكريا من خلق ذلك الولد من أبوين: أمّ عاقر وأب شيخ هرم.
(٤) طلبه العلامة على أن امرأته حامل.
(٥) إيتاء يحيى النبوة والحكم صبيا.
(٦) ما حدث لمريم من اعتزالها لأهلها، وتمثل جبريل لها بشرا سويا، والتجائها إلى الله أن يدفع عنها شر هذا الرجل، وإخباره لها أنه ملك لا بشر.
(٧) حملها بعيسى عليه السلام وانتباذها مكانا قصيا حتى لا يراها الناس وهى على تلك الحال.
(٨) نداء عيسى لها حين الولادة، وأمرها بهزّ النخلة حتى تساقط عليها رطبا جنيا.
(٩) مجيئها بعيسى ومقابلتها لقومها وهى على تلك الحال وقد انهال عليها اللوم والتعنيف بأنها فعلت ما لم يسبقها إليه أحد من تلك الأسرة الشريفة التي اشتهرت بالصلاح والتقوى.

صفحة رقم 90

(١٠) كلام عيسى وهو فى المهد تبرئة لأمه ووصفه نفسه بصفات الكمال من النبوة والبركة والبر بوالديه وأنه لم يكن جبارا متكبرا على خالقه.
(١١) اختلاف النصارى فى شأنه.
(١٢) قصص إبراهيم عليه السلام مع أبيه آزر ووصفه له بالجهل وعدم التأمل فى المعبودات التي يعبدها من دون الله ثم تحذيره إياه بسوء مغبة أعماله، وردّ أبيه عليه مهددا متوعدا (١٣) هبة الله له إسحاق ويعقوب، وإيتاؤهما الحكم والنبوة.
(١٤) قصص موسى ومناجاته ربه فى الطور، والامتنان عليه بجعل أخيه هارون وزيرا ونبيا.
(١٥) قصص إسماعيل ووصف الله له بصدق الوعد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
(١٦) قصص إدريس عليه السلام ووصف الله له بأنه صديق نبى رفيع القدر، عظيم المنزلة عند ربه.
(١٧) مجىء خلف من بعد هؤلاء الأنبياء أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات.
(١٨) وعد الله لمن تاب وآمن وعمل صالحا بجنات لا لغو فيها ولا تأثيم.
(١٩) إن جبريل لا ينزل إلى الأنبياء إلا بإذن ربه.
(٢٠) إنكار المشركين للبعث استبعادا له، ورد الله عليهم بأنه خلقهم من قبل ولم يكونوا شيئا.
(٢١) الإخبار بأن الله يحشر الكافرين يوم القيامة مع قرنائهم من الشياطين ثم يحضرهم حول جهنم جثيا، ثم بدئه بمن هو أشد جرما والله أعلم بهم.
(٢٢) الإخبار بأن جميع الخلق ترد على النار ثم ينجى الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا.
(٢٣) بيان أن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن فخروا على المؤمنين بأنهم خير منهم مجلسا وأكرم منهم مكانا.

صفحة رقم 91

(٢٤) تهديدهم بأنه أهلك كثيرا ممن كان مثلهم فى العتو والاستكبار، وأكثر أثاثا ورياشا.
(٢٥) بيان أن الله يمد للظالم ويمهله، ليجترح من السيئات ما شاء ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
(٢٦) النعي على المشركين باتخاذ الشركاء، وأنهم يوم القيامة سيكونون لهم أعداء.
(٢٧) نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن طلب تعجيل هلاك المشركين، إذ أن حياتهم مهما طالت فهى محدودة معدودة.
(٢٨) التفرقة بين حشر المتقين إلى دار الكرامة، وسوق المجرمين إلى دار الخزي والهوان.
(٢٩) النعي الشديد على من ادعى أن لله ولدا.
(٣٠) بيان أن الله قد أنزل كتابه بلسان عربى مبين، ليبشر به المتقين، وينذر به الكافرين ذوى اللدد والخصومة

صفحة رقم 92
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية