
وقال ابن جريج: " عهد " عمل صالح.
وقال الليث: " العهد " حفظ كتاب الله.
وقال مقاتل: " عهداً صلاة.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " إن الشهيد ليشفع في سبعين من أهل بيته ".
وأنه قال: " إن من أمتي رجلاً ليدخلن الله بشفاعته الجنة أكثر من بني تميم ".
وقال ﷺ: " إن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً ".
فيكون قوله: " لا يملكون ".. ومابعده. في موضع نصب حال من المجرمين، أو من المتقين.
قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً﴾ إلى قوله:

﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً﴾.
معناه: وقال هؤلاء الكفار بالله: اتخذ الرحمن ولداً، فقال لهم جلّ ذكره: ﴿لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً﴾. أي: عظيماً. أي: قلتم قولاً عظيماً. قاله: ابن عباس ومجاهد وقتادة.
ويقال: أد واد واد على فاعل بمعنى واحد.
ثم قال تعالى: ﴿تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾.
أيك يتشققن مما قلتم.
﴿وَتَنشَقُّ الأرض﴾ أي: تتصدع.
﴿وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً﴾ أي: يسبقط بعضها على بعض سقوطاً.
وقال ابن عباس: " هداً " هدمً.
والهد الأنقاض.
وقال ابن عباس: إن الشرك فزعت منه السماوات، والأرض، والجبال، وجميع الخلائق، إلا الثقلين، وكدن أن يزلن منه لعظمة الله. وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين مع التوحيد.

قال القرظي: لقد كاد عباد الله أن يقيموا علينا الساعة.
وقال النبي ﷺ: " لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله. ومن قالها عند موته وجبت له الجنة، قالوا: يا رسول الله، فمن قالها في صحته؟ مقال: تلك أوجب وأوجب. ثم قال: والذي نفسي بيده، لو جيء بالسموات والأرض وما فيهن وما بينهن، وما تحتهن، فوضعن في كفة الميزان، ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى، لرجحت بهن ".
قال كعب: غضبت الملائكة، واستعرت جهنم حين قالوا ما قالوا.
ثم قال تعالى جل ثناؤه: ﴿أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً﴾. أي: من أجل أهم جعلوا له ولداً.
قال أبو ذؤيب: " دعوا " بمعنى " جعلوا.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً﴾. أي ما يصلح له أن يتخذ ولداً، لأن كل ولد يشبه أباه، والله لا يشبهه شيء.
ثم قال: ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً﴾.
أي: إلا هو عبد الكله، خاضعاً، ذليلاً.

وهذه الآية تدل على أن الرجل لا يملك، ولده، فإذا صار إليه بشراء أو إرث أو هدية عتق عليه، إن شاء أو أبى.
ومعنى: ﴿وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً﴾ أن الرحمن لا شبيه له، والولد يشبه والده ومن جنسه يكون. فلو كان له ولد لأشبهه، ولكان من جنسه، وهو لا شبيه له وإلا مثل، فهذا أمر لا يتمكن، ولا ينبغي أن يكمون، فهو مستحيل ممتنع سبحانه لا إله إلا هو.
ثم قال: ﴿لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً﴾.
أي: علمهم، وعدهم أجمعين، فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً﴾. أي: جميع الخلائق يعرضون على الله يوم القيامة منفردين، لا ناصر لأحد منهم، فيقضي الله فيهم ما هو قاض.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً﴾.
أي: إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم، وانتهوا عما نهاهم، سيجعل لهم/ الرحمن في الدنيا في صدور عباده المؤمنين محبة، قاله ابن عباس.
وقال مجاهد: يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين، وكذا قال ابن جبير عن ابن عباس.

وكان هرم بن حيان يقول: ما أقبل بقلبه إلى الله تعالى، إلا أقبل الله تعالى بقلوب المؤمنين إليه حتى يزرقه مودتهم ومحبتهم.
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنهـ يقول: " ما من الناس أحد يبذل خيراً أو شراً، إلا كساه الله رداء عمله.
ويروى أن هذه الآية نزلت في عبد الحرمن بن عوف، وذلك أنه لما هاجر إلى المدينة، وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة، فأنزل الله جل وعز، الآية يعزّيه بها ويخبره أنه سيحدث له في قلوب المؤمنين الذين هاجر إليهم محبة.
وقيل: إن الله تعالى جعل [له] في قلوب المؤمنين محبة، فلا ترى مؤمناً إلا يحبه.