آيات من القرآن الكريم

فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

قوله تعالى: ﴿فَأَشَارَتْ﴾ : الإِشارةُ معروفةٌ تكونُ باليد والعين وغير ذلك وألفُها عن ياءٍ. وأنشدوا لكثيِّر:
٣٢٣ - ٠-

صفحة رقم 593

فقلتُ وفي الأحشاءِ داءٌ مُخامِرٌ ألا حَبَّذا يا عَزُّ ذاك التَّشايُرُ
قوله: ﴿مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً﴾ في «كان» هذه أقوالٌ. أحدُها: أنها زائدةٌ وهو قولُ أبي عبيد، أي: كيف نُكَلِّمُ مَنْ في المهد. و «صَبِيَّا» على هذا نصبٌ على الحالِ من الضمير المستتر في الجارِّ والمجرورِ الواقع صلةً. وقد رَدَّ أبو بكرٍ هذا القولَ - أعني كونَها زائدةً - بأنها لو كانَتْ زائدةً لَما نَصَبَتِ الخبرَ، وهذه قد نصَبتْ «صَبيَّا». وهذا الردُّ مردودٌ بما ذكرتُه مِنْ نصبِه على الحال لا الخبرِ.
الثاني: أنها تامةٌ بمعنى حَدَث ووُجد. والتقدير: كيف نكلِّم مَنْ وُجْد صبيَّا، و «صَبِيَّاً» حال من الضمير في «كان».
الثالث: أنها بمعنى صار، أي: كيف نُكَلِّم مَنْ صار في المهد صَبِيَّا، و «صَبِيَّا» على هذا خبرُها، فهو كقوله:
٣٢٣ - ٧-.......................... قَطا الحَزْن قد كانَتْ فِراخاً بُيُوضُها
الرابع: أنها الناقصةُ على بابها مِنْ دلالتِها على اقتران مضمونِ الجملة بالزمان الماضي مِنْ غيرِ تَعَرُّضٍ للانقطاع كقوله تعالى: ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ [النساء: ٩٦]، ولذلك يُعَبِّر عنها بأنها ترادِف «لم تَزَلْ». قال الزمخشري: «كان» لإِيقاع مضمون الجملة في زمانٍ ماضٍ مبهمٍ صالحٍ للقريبِ والبعيد.

صفحة رقم 594

وهو هنا لقريبِه خاصةً، والدالُّ عليه معنى الكلام، وأنه مسوقٌ للتعجب. ووجه آخر: وهو أَنْ يكونَ «نُكَلِّمُ» حكاية حالٍ ماضيةٍ، أي: كيف عُهِد قبل عيسى أَنْ يُكَلِّمَ الناسَ صبيَّا في المهد حتى نُكَلِّمَه نحن «؟
وأمَّا»
مَنْ «فالظاهرُ أنَّها موصولةٌ بمعنى الذي. ويَضْعُفُ جَعْلُها نكرةً موصوفة، أي: كيف نُكَلِّم شخصاً أو مولوداً. وجَوَّز الفراء والزجاج فيها أَنْ تكون شرطيةً. و» كان «بمعنى» يكنْ «، وجوابُ الشرطِ: إمَّا متقدِّمٌ وهو» كيف نُكَلِّم «، أو محذوفٌ لدلالةِ هذا عليه، اي: مَنْ يكنْ في المهدِ صبياً فكيف نُكَلِّمه؟ فهي على هذا مرفوعةُ المحلِّ بالابتداءِ، وعلى ما قبله منصوبتُه ب» نكلِّم «. وإذا قيل بأنَّ» كان «زائدةٌ. هل تتحمَّل ضميراً أم لا؟ فيه خلاف، ومَنْ جَوَّز استدلَّ بقوله:

٣٢٣ - ٨- فكيف إذا مَرَرْتَ بدارِ قومٍ وجيرانٍ لنا كانوا كرامِ
فرفع بها الواوَ. ومَنْ منع تأوَّل البيتَ بأنها غيرُ زائدةٍ، وأنَّ خبرَها هو» لنا «قُدِّم عليها، وفُصِل بالجملة بين الصفة والموصوف.
وأبو عمروٍ يُدغم الدالَ في الصاد. والأكثرون على أنه إخفاءٌ.

صفحة رقم 595
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية